بينر عزيز
يكتب بينر عزيز من إربيل، وقد عمل كمستشار للقنصلية الأمريكية هناك من عام 2004 حتى عام 2007، وكزميل زائر في مركز “ولسون سنتر” في عام 2008، وكمسؤول ثقافي في “حكومة إقليم كردستان” في العامَين 2009 و2010. يملك شركة خاصة لمواد البناء.
فيما كنت أشاهد حواراً تلفزيونياً الأسبوع الماضي حول التوتّر الراهن بين إقليم كردستان والعراق، رأيت هيثم الجبوري، وهو عضو في مجلس النواب العراقي من حزب “الدعوة” المهيمن، يعلن ما يلي: “لقد انتهك آل برزاني حقوق الشعب الكردي من خلال سوء استخدام السلطة والثروة. سنصحّح كل هذه المصائب من خلال تحطيم رأسَي مسعود برزاني ونيجيرفان برزاني!”.
وللأسف، إنّ هكذا ذمّ موجّه ضدّ الرئيس السابق ورئيس الوزراء الحالي لإقليم كردستان يوحي بأنّه بالنسبة لعدد كبير من السياسيين الشيعة في بغداد، لا يقوم الخلاف بالفعل حول الدستور أو الاستفتاء، بل حول الرغبة في الهيمنة العرقية والطائفية وقمع الآخرين. وبالفعل، على مدى الأيام القليلة الأخيرة، تحدّث البعض عن تعديل الدستور بذاته الذي ادّعوا الدفاع عنه، وذلك بكل بساطة من أجل حرمان الأكراد من المزيد من حقوقهم المضمونة بموجبه.
وقد وقعت أحداث أكثر سخريةً وغرابة حتّى. فاشتكاء بغداد من الفساد في إربيل عاصمة كردستان نفاقٌ ما بعده نفاق. وأن ينسى سياسيو حزب “الدعوة” أنّهم لجأوا في كردستان العراق خلال عهد الترهيب في ظلّ حكم صدّام حسين أمرٌ معيب. فلطالما عانى الأكراد من الشوفينية العربية والتركية والفارسية، لكنّ هذه المشكلة تفاقمت في العراق اليوم بحكم التطرّف الطائفي الشيعي المدعوم من التوسّع والجشع الإيراني.
لكن مهما كانت صوابات وإخفاقات محنتنا الحالية، تُظهر الأحداث التي تعاقبت منذ الاستفتاء حول الاستقلال الذي أجري في 25 أيلول/ سبتمبر أنّ الأكراد هم في موقع أكثر ضعفاً بكثير ممّا كنّا نعتقد. فالجيش العراقي وميليشيات “الحشد الشعبي” الشيعية قد سحقت بسهولة قوّات البشمركة الكردية في كركوك وحقول النفط الحيوية فيها، كما في سنجار وأماكن أخرى وصولاً إلى حدودنا في العام 2003 وهي تسيطر اليوم على المعابر إلى تركيا وسوريا أيضاً. وإنّ نوايا هذه القوّات المستقبلية أكثر من واضحة بالرغم من وقف إطلاق النار الهشّ في الوقت الراهن.
وعلى الصعيد الدولي أيضاً، يواجه أكراد العراق ضغوطات اقتصادية وسياسية أكثر شدّة ممّا توقّعنا من الدول المجاورة الأخرى تركيا وإيران، إذ إنّ التجارة وتدفّقات النفط معرّضة للانقطاع، ولو أنّها لا تزال مستمرّة. وتُعتبر الخطابات العنيفة ضدّ “حكومة إقليم كردستان” والدعم التركي والإيراني لجدول أعمال بغداد والتعاون الأمني معه أمورًا روتينية. وقد انهارت علاقاتنا الدبلوماسية الودّية مع أنقرة وعلاقاتنا الصحيحة مع طهران بشكل مفاجئ.
وكان مستوى الدعم من الولايات المتحدة مخيّبًا للآمال بالفعل. فقد علمنا أنّ الحكومة الأمريكية عارضت الاستفتاء، لكنّنا أملنا أنّ تحمينا المشاعر المساندة للأكراد في كل الأحوال. لكن في الواقع، يبدو أنّ الولايات المتحدة قد قررت أنّ مصلحتها في موازاة إيران قد تُخدم بشكل أفضل من خلال الاصطفاف مع بغداد.
غير أنّ هذه الاستراتيجية الأمريكية تبدو منقوصة، فقد زار وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون مؤخراً المنطقة وقام بتصريحات ضد “حرس الثورة الإسلامية” الإيراني والميليشيات الحليفة له. ولكن ماذا لو لم يأخذ أحد هذه التصريحات على محمل الجدّ؟ فبوجود ما يقارب 5 آلاف جندي فحسب من قوّاتها في العراق، هل ستتمكّن الولايات المتحدة حقًا من طرد إيران وتحلّ قوّاتها الوكيلة؟ بأخذ هذا في عين الاعتبار، ليس من المستغرب أن يعتبر عدد كبير من سكان العراق والمنطقة ككل أنّ قاسم سليماني طرفًا فاعلًا أقوى بكثير من بريت ماكغورك أو أي مبعوث أمريكي آخر.
حتّى أن بعض الأكراد، لاسيّما حزب “الاتحاد الوطني الكردستاني” على سبيل المثال لا الحصر، أو في مدينة السليمانية القريبة من إيران، قد يرغبون اليوم في النظر إلى طهران للحصول على أدنى درجة من الحماية. يقاوم معظم الأكراد حتى الآن هذه الرغبة بالرغم من انقساماتهم الداخلية على مدار الثلاث سنوات الماضية ويصرّون على موقف موحّد لـ”حكومة إقليم كردستان” في المفاوضات السياسية الرسمية مع بغداد، مع العلم أنّه لا يزال على هذه الأخيرة الموافقة عليها. وبالرغم من ذلك، لا تنفكّ كل من بغداد وطهران تحاولان تطبيق سياسة “فرّق تسد” مع الأكراد، وذلك من خلال الإشارة في الملفات الرسمية فجأةً ليس إلى إقليم كردستان، بل إلى محافظاته المختلفة، وكذلك من خلال التلويح بعروض دفع بعض الرواتب الحكومية على المستويات المحلّية، ومن خلال التفاوض بشكل غير رسمي مع أعضاء أكراد في مجلس النواب بشكل منفرد أو مع مسؤولين سياسيين أو أمنيين آخرين، وإلى ما هنالك. وتتعامل آخر ميزانية فيدرالية مقترحة مع حكومة إقليم كردستان كحكومة موحدة، وهو ما يمثل انفراجه وذلك بالمقارنة مع البالونات التجريبية الأخيرة حول فصل كل مقاطعة من مقاطعات الإقليم، ولكنه أيضا يقلل بشكل تعسفي حصة ميزانية حكومة إقليم كردستان من 17 إلى 12.6 في المئة.
وفي المرحلة المقبلة، ما هو إذاً الطريق الأفضل للأكراد في ظل هذه الظروف الجديدة الوخيمة؟ وكيف يمكن للولايات المتحدة أن تعدّل سياستها لخدمة مصالحنا المشتركة التي تقضي بمكافحة طموحات إيران في العراق وخارجه بشكلٍ أفضل؟ يبقى الأمل الأكبر فيما نقترب من الانتخابات العراقية الوطنية في 15 أيار/ مايو المقبل في أن تساهم الولايات المتحدة في التوصّل إلى صفقة لأكراد العراق والعرب السنّة لدعم تحالف يرأسه رئيس الوزراء العراقي الحالي حيدر العبادي عوضًا عن المخاطرة بوصول خلف موالٍ أكثر لإيران. وفي هذه الأثناء، ونظراً للاحتمال الفوري بحصول المزيد من التغيرات الأساسية على الأرض، قد تمنح هكذا صفقة العبادي حافزًا مضموناً أكثر لتفادي انتهاكات إضافية لحقوق الأكراد وأرضهم.
وبالنسبة إلى معظم أكراد العراق، قد تنقذ هذه النتيجة على الأقلّ شيئاً مفيداً من حطام الاستفتاء. فمن الأفضل أن نكون شركاء مع عرب العراق من أن نكون تابعين لتركيا أو إيران. وقد يكون من الأفضل أن نبقى إقليماً ذات حكم ذاتي بحقّ في المستقبل القريب بدلًا من أن نكون دولةً مستقلةً معلنة ذاتياً تدخل في صراع خاسر مع كل الدول المجاورة لها. ولا يزال عددًا كبيرًا من الأكراد يطمحون بالاستقلال ذات يوم، لكن على أولويّتهم أن تكون الحفاظ على كرامتهم اليوم.