العراق.. “حرية التعبير” تتفاعل ومذكرات “استقدام” دفاعا عن القضاء
الحرة / خاص – واشنطن08 يونيو 2022
دخلت قضية “حرية التعبير” التي تتفاعل منذ أيام في العراق منعطفا جديدا، الثلاثاء، بإعلان مجلس القضاء الأعلى استدعاء إعلاميين وفقهاء قانون، قال إنهم “شبكة امتهنت إشاعة الأكاذيب وتحوير المفاهيم الدستورية والقانونية بشكل مقصود”.
وذكر المجلس “المتورطين بهذه الجريمة” بإجرءات تستند إلى “قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969″، بحسب ما جاء في الـ”توضيح” الذي أصدره مركزه الإعلامي.
يأتي ذلك فيما تحدث مراقبون عن “فوضى قانونية” تستغلها السلطات والأحزاب النافذة في العراق لـ “شرعنة عمليات مصادرة” الحريات التي كفلها الدستور، على نحو متزايد.
وبدأت القضية، الأربعاء، بردود فعل غاضبة اتهمت الإعلامي، سرمد الطائي، بـ”الإساءة” للقضاء والمراجع الدينية، بعد مداخلته في برنامج حواري بث على قناة العراقية.h
لكن النائب السابق عن ائتلاف دولة القانون، عامر الشبلي، وهو خبير قانوني، قال لموقع “الحرة” إن “قضية التجاوز على القضاء لم تعد تختص بسرمد أو غيره من القضايا الفردية، هنالك منهج وهنالك مجاميع وهنالك غروبات” تقف وراءها جهات خارجية.
ولفت الكاتب، المحلل عقيل عباس، في تصريحات لموقع “الحرة” إلى أن مذكرات إلقاء القبض الصادرة بحق إعلاميين وناشطين في العراق “تعتمد على البنية القانونية القديمة في عهد صدام حسين وما قبله”.
وقال إن قانون 111 لسنة 1969 لم يتم تجديده، واستخدمته السلطات المتعاقبة وصولا إلى ما بعد 2003 “لأنه مناسب لسلطة قمعية، ويستخدم استنادا إلى لحظة القرار السياسي أو مزاج المسؤولين”.
وحذر الشبلي، من ناحيته، من مساع برلمانية لإلغاء المادة 226 من قانون العقوبات 111، وقال إن “حرية التعبير لا تعني الفوضى، لا تعني التجاوز على حريات الآخرين على كرامتهم وعلى معتقداتهم”.
واعتمد مجلس القضاء على مواد، بينها المادة 226، من قانون العقوبات 111 لسنة 1969، في قراراته، الثلاثاء، لـ”استقدام” الإعلاميين وفقهاء القانون، اتهمهم بالعمل “عبر صفحات التواصل الاجتماعي وقنوات يوتيوب غير مسجلة رسميا، لها ارتباطات في داخل العراق وخارجه”، وفقا للتوضيح.
ولم يرد متحدث باسم مجلس القضاء الأعلى على اتصال هاتفي وآخر نصي أجراهما موقع “الحرة” للتعليق على الموضوع.
وعزا الخبير القانوني، ميثم حنظل، “الفوضى القانونية” إلى كثرة التشريعات، “فالمشرع العراقي بدأ يحاول أن يضع قوانين خاصة لكل حالة”.
وقال في حديث هاتفي مع موقع “الحرة” إن “الإطار القانوني الذي يحكمه دستور العام 2005 جاء برؤية جديدة للحقوق والحريات تنسجم إلى حد مع المعايير الدولية للحقوق والحريات”، مشيرا إلى نصوص مثل “نص المادة 38 تناولت وضمنت حرية التعبير بكافة صوره بشرط عدم الإخلال بالنظام العام”.
وأشار حنظل إلى “أن حرية التعبير بعد 2003 شهدت في البداية ادزهارا، وفُتح المجال لكثير من الآفاق، لكن شيئا فشيئا المؤسسة التشريعية بدأت تضع قيودا منها يتعلق بحماية الأمن، وقوانين الإرهاب، بدأت تضيق نوعا ما، مرة باسم الحفاظ على الأمن، ومرة باسم حفظ هيبة مؤسسات الدولة، سواء السلطة التشريعية أو القضائية التنفيذية”.
ويقول النائب السابق عن “دولة القانون، عمار الشبلي، إن “قضية حرية التعبير بعد 2003 استغلت للتشهير بلا دليل، من نسب قضايا غير صحيحة للمسؤول التنفيذي، ووصلنا للأسف إلى القضاء. القضاء هو الحاكم، فإنت عندما تريد إقامة دعوى على السلطة التنفيذية تقيمها أمام القضاء. فهو الحد الفاصل ولا سلطان على القضاء، إلا القانون فكيف تهدم هذا الركن المهم” في الدولة.
وعن رأيه في تداعيات قضية “حرية التعبير” في العراق، قال الأستاذ في معهد واشنطن للشرق الأوسط، الكاتب حسن منيمة، “نحن هنا نتحدث عن سابقة خطيرة”.
وكانت قناة العراقية قد أوقفت بث برنامج “المحايد”، بعد كتاب وجهه للقناة رئيس السلطة القضائية، فائق زيدان، الخميس، متهما مقدم البرنامج سعدون محسن ضمد، بأنه “متطرف” ويستيضف “من لديهم رأي سلبي (متطرف) بالقضاء”.
ويرى منيمنة أن الإشكالية الأساسية تكمن في غياب اتفاق على معنى حرية التعبير، مشيرا إلى أن “حرية التعبير هي أن يتمكن الإنسان من انتقاد من هم في موقع المسؤولية ويكون محصنا نتيجة هذا الانتقاد من أي إجراء انتقامي”.
وبالنسبة لما يجري في العراق بخصوص الإعلاميين والناشطين وأصحاب الرأي، يؤكد منيمنة “أننا لا نستطيع أن ندعي بأننا حققنا تقدما بين نظام صدام والنظام الحالي في العراق”.
“كان الحديث عن شخص الرئيس يؤدي إلى قطع اللسان، وهنا أتحدث فعليا عن قطع طبي للسان نتيجة الحديث عن صدام لما لا يروق للرجل، ونحن اليوم إذا تخلينا عن تلك الممارسات الشنيعة القبيحة، فإننا نمارس ما يقابل ذلك عندما نرفض حق حرية التعبير وانتقاد كل الرموز بما في ذلك الدينية”، يضيف منيمنة.
وكان عدد من قادة القوى السياسية وأتباعها قد اتهموا، سرمد الطائي، بـ”الإساءة” إلى “الرموز الوطنية والدينية”، عندما وجه انتقادات إلى القضاء وإلى المرشد الإيراني، علي خامنئي” والجنرال الإيراني قاسم سليماني الذي قتل في غارة أميركية في العراق عام 2020.
وفي تغريدة نشرها السبت، اتهم رئيس ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، الإعلامي، من دون أن يسميه بـ”الإساءة المخالفة للآداب”، وقال إن “علماء الدين والمراجع الكرام والقضاء العراقي والشهداء والقوى السياسية أرفع من هذه الإساءة”.
ويشير، عقيل عباس، إلى أن القوى النافذة، أعادت بعد عام 2003 التفسير الاجتماعي والسياسي لمعنى التجاوز، و”وسعت القانون وأدخلت فيه الرموز الدينية والرموز الوطنية…”.
ويرفض منيمنة فكرة الحصانة التي يحاول إسباغها البعض على رجل الدين المنخرط في العمل السياسي. فـ”عندما يقحم رجل الدين نفسه في الشأن السياسي لا يجوز له أن يحتمي خلف العباءة أو العمامة أو ثياب الكهنوت، ليقول أنا رجل دين، هو يصبح رجل سياسة، ولكن حتى رجل الدين، حتى الدين، لماذا نستثني كل هذا من حرية التعبير، ونجعل من المسألة ازدراء أديان كما في يحدث في مصر”.
والجمعة، وقع مئات من المثقفين والناشطين المدنيين والكتاب الأكاديميين العراقيين، بيانا استنكروا فيه انخفاض سقف الحقوق المدنية في العراق، “ولاسيما حرية التعبير التي تشهد تراجعا ملحوظا”، لافتين إلى تزايد أوامر الاعتقال الصادرة بحق ناشطين وأدباء وإعلاميين وأصحاب رأي. وأشاروا في البيان الذي حمل عنوان “دفاعا عن حرية التعبير” إلى “انتهاكات” طالت مجال الحريات المدنية، بالاستناد “إلى قوانين سُنّت في زمن النظام الشمولي السابق”، وفقا لما جاء في البيان.
واتهم البيان أطرافا “بارزة في سلطات الدولة العراقية ومن يشغلون مناصب عليا فيها” بممارسة الخروقات التي “تستهدف من ينتقدون الأداء العمومي”، استنادا إلى “تبريرات من نحو ‘الإساءة لمؤسسات الدولة’ و’إهانة القضاء’ و’التطاول على الرموز’ وسوى ذلك، في وصف آراء تقع في صلب مجال حرية التعبير التي كفلها الدستور العراقي”.
وفي مقاربته للموضوع، يؤكد الكاتب حسن منيمة أنه “لا يجوز الحديث عن العراق من دون الحديث عن سائر المنطقة، فإن ما يحدث في مصر وما يحدث في السعودية ليس غريبا عما يحدث في العراق وفي إيران، نحن هنا أمام أزمة في سائر المنطقة في ما يتعلق بحرية التعبير.
وفيما تتواصل حملة التواقيع على “#بيان٣حزيران دفاعا عن حرية التعبير”، اجتاحت الحسابات العراقية على تويتر حملة تحت عنوان “أنا وقعت بيان 3 حزيران”، مرفقة في الغالب بتعليق “أنا غيرت صورتي لأنني وقعت…”.
وتعرض ناشطون عدة في العراق إلى الاعتقال والاختطاف والاغتيال بسبب نشاطهم المدني، وأحيانا بسبب رأي عبروا عنه في وسائل الإعلام أو منصات التواصل الاجتماعي.
وقتل نحو 600 محتج في التظاهرات التي شهدتها العاصمة بغداد ومدن الجنوب عام 2019، احتجاجا على الفساد والتدخل الإيراني في مؤسسات الدولة العراقية، وأصيب عشرات الآلاف بالرصاص الحي، ولم تتوصل السلطات العراقية إلى محاسبة المسؤولين عن عمليات القتل تلك، وفق منظمات دولية.الحرة / خاص – واشنطن