التهديدات التركية تدفع العراق إلى إجلاء مزيد من رعاياه في سوريا
بغداد رحّلت نحو 600 عائلة عراقية منذ بداية العام الحالي وعشرات المسلحينالخميس – 10 ذو القعدة 1443 هـ – 09 يونيو 2022 مـ رقم العدد [ 15899]
نحو 600 عائلة عراقية غادرت مخيم الهول منذ بداية العام الحالي (الشرق الأوسط)مخيم الهول (الحسكة): كمال شيخو
على مدار الأعوام الماضية، وعند تسيير كل رحلة لإجلاء اللاجئين العراقيين من مخيم الهول، الواقع على بعد 45 كيلومتراً شرق محافظة الحسكة، يتنفس الرجل الخمسيني علي العناد الشمري الصعداء أملاً بالعودة إلى مسقط رأسه جبال سنجار في الرحلة المقبلة. وعلى وقع التهديدات التركية بشنّ عملية عسكرية على مناطق سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) شمال شرقي سوريا، سارعت الحكومة العراقية إلى إجلاء مزيد من رعاياها القاطنين في هذا المخيم المكتظ، كما تسلمت دفعة جديدة من العناصر المسلحين الذين قاتلوا إلى جانب «تنظيم داعش» من قوات «قسد»، كان عددهم 50 عنصراً نقلوا إلى سجون العراق.
ويروي علي الشمري كيف هرب منتصف 2014 رفقة زوجته وكامل عائلته، من مسقط رأسه، جبل سنجار، شمال مدينة الموصل العراقية، بعد هجوم واسع نفذه مسلحو «تنظيم داعش». ولا يزال يتذكر لحظة السيطرة على قريته والطريقة الوحشية التي تعاملوا بها؛ حيث قتلوا الرجال والشباب، وخطفوا النساء. والفتيات اللواتي رفضن الذهاب مع العناصر كانت تقتل، ليقول في بداية حديثه إلى «الشرق الأوسط»: «آنذاك مشينا 3 أيام متواصلة، قصدنا بدايةً قمم الجبال ثم هربنا نحو المناطق الحدودية مع سوريا، لندخل لمخيم الهول، ومنذ 8 سنوات نعيش بهذا المكان». ومنذ افتتاح مكتب تسجيل عودة اللاجئين العراقيين نحو بلدهم، ينتظر علي وعائلته كحال بقية العراقيين وصول الموافقة والسماح لهم بالمغادرة. وعلي الذي كان يلبس عباءة فضاضة، ويشمخ (شماغاً) أحمر عربياً، أضاف بلهجته العراقية، وهو ينفث سيجارته: «نبي (نريد) وطننا وبلادنا، ونقضي بقية عمري في قريتي ومنزلي الذي ناله الخراب والدمار جراء الحروب التي دارت هناك».
أما زوجته سعدية (45 سنة) التي كانت تجلس بجانبه، وكانت ترتدي فستاناً أسود منقوشاً باللون الذهبي وغطاء رأس بنياً فاتحاً، فقالت إن العائلة بادرت إلى تسجيل اسمها أكثر من مرة، و«في كل مرة يقولون لنا إن الأسماء المسجلة قديماً ستسافر أولاً، وقد مضى أكثر من 4 سنوات، لكن السلطات العراقية تتأخر كثيراً في ترحيل مواطنيها». وأشارت إلى أن حالة الانتظار مملة ومتعبة. ومن تحت خيمتها التي لا تقيها حرارة الشمس التي تصل هذه الأيام إلى 40 درجة مئوية، ذكرت: «عدد أفراد أسرتي 12 شخصاً، نعيش في خيمة مشتركة، تفتقر لأدنى مقومات الحياة»، لكن بعد سماع إخراج دفعة جديدة من اللاجئين العراقيين قبل أيام ارتسمت علامات الارتياح على وجهها، ومع مضي الأيام والأسابيع متثاقلة حيث فقدت الأيام معناها؛ تنتظر هذه السيدة معرفة مصير باقي أفراد عائلتها المشتتة ولقاء من تبقوا على قيد الحياة.
ويقول شيخموس أحمد، رئيس «مكتب النازحين وشؤون اللاجئين» في الإدارة الذاتية، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إن الحكومة العراقية تستمر في إجلاء رعاياها من مخيم الهول، وهناك أكثر من 25 ألفاً ينتظرون وصول أسمائهم، «لكن العمليات تتم بشكل بطيء، وتستغرق وقتاً حيث غادرت قبل أيام 150 عائلة، لترتفع الأرقام إلى 600 عائلة منذ بداية العام الحالي». وطالب المسؤول الكردي المجتمع الدولي وحكومة العراق وباقي الدول بـ«تحمل مسؤولياته تجاه أطفال المخيم، إذ يحمل معه مخاطر تتفاقم كل يوم، لأن تجاهل المجتمع الدولي لهؤلاء الأطفال الموجودين أمر خطير للغاية»، مشيراً إلى أن ترك الأطفال وهم يكبرون عاماً بعد عام ضمن حدود تلك المخيمات «يعني تحويلهم تلقائياً بعد إتمام السن القانونية دون 17 إلى مراكز التوقيف الخاصة بمقاتلي التنظيم، ما يعني تفاقم المشكلة وبقاءها مفتوحة دون حلول جذرية».
ونقلت لاجئة عراقية تدعى ساجدة (50 عاماً) كيف أدخل سماعها الأنباء عن إمكانية عودتها إلى العراق الفرحة لقلبها؛ حيث بادرت إلى تسجيل اسمها وعائلتها، وعبّرت عن مشاعرها، قائلة: «سأعود مشياً على الأقدام إذا سمحوا لنا، تعبنا هنا كثيراً من هذه الحالة، ومن العيش تحت رحمة المخيمات»، وذكرت أنها مسؤولة عن عائلة كبيرة بعد مقتل زوجها في معارك العراق، دون توضيح ما إذا كان مقاتلاً في صفوف التنظيم أم مدنياً، وأخبرت أن اثنين من بناتها، إحداهن مطلقة، والثانية أرملة، تعيشان معها تحت الخيمة، «أنا أتولي رعايتهما مع أطفال بناتي، ويبلغ عدد أسرتي كاملة 15 نفراً (فرداً) ننام ونأكل ونعيش معاً».
– وفد أممي وصل إلى مخيم الهول
وصل وفد من الأمم المتحدة، برفقة رئيس جهاز الأمن الوطني العراقي حميد الشطري، إلى مخيم الهول، الاثنين الماضي 6 يونيو (حزيران) الحالي، لتفقد عمليات ترحيل اللاجئين العراقيين. وقالت جينين هينيس بلاسخارتن، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالعراق، التي زارت الهول، في إفادة صحافية: «إن العراق يظهر إمكانية عمليات الإعادة المسؤولة من خلال إيجاد حلول كريمة ترتكز على مبادئ كل من المساءلة وإعادة الإدماج». ولفتت إلى أن إبقاء الناس بظروف مقيّدة وسيئة «سيؤدي في النهاية إلى مخاطر حماية وأمن أكبر من إعادتهم بطريقة خاضعة للرقابة». فيما أكد منسق الشؤون الإنسانية في سوريا، عمران رضا، وكان في الوفد الزائر، إن الهول ليس مكاناً للأطفال «حيث 50 في المائة من إجمالي سكان المخيم حالياً هم دون سن 12 عاماً، والخطوات التي اتخذتها حكومة العراق مهمة للغاية في الطريق إلى الحلول».
وتحول مخيم الهول إلى مدينة خيام حقيقية، يعيش فيها نحو 56 ألفاً، نصفهم عراقيون، وفق إحصاءات إدارة المخيم والأمم المتحدة، ويضم هذا المكان أفراد عائلات مقاتلين عراقيين كانوا في صفوف التنظيم، إضافة إلى بضعة آلاف من عائلات مقاتلين أجانب يقبعون في قسم خاص قيد الحراسة المشدّدة.
ولا تخفي «وصال» المتحدرة من بلدة الحديثة العراقية، وتقطن في مخيم الهول منذ 5 سنوات، خوفها من العمليات الأمنية التي تصاعدت بالفترة الأخيرة داخل المخيم، إذ قتل 18 شخصاً منذ بداية العام الحالي، غالبيتهم كانوا من العراقيين، لتقول: «لا ندري هل سأعود قريباً لبلدي أم أموت وأدفن هنا».