هل الجرعة المعززة ضرورية؟
السبت – 12 ذو القعدة 1443 هـ – 11 يونيو 2022 مـ رقم العدد [15901]
تشير الأرقام إلى أن أقل عن ثلث الأميركيين المؤهلين للحصول على جرعة ثالثة من لقاح «كوفيد – 19»، تلقوا الجرعة بالفعل، رغم الأدلة الواضحة على فائدة اللقاح، ذلك أن هذه الجرعة المعززة تحسن احتمالات تجنب حتى الأوميكرون الخفيف، لماذا لم يحصل عليها المزيد من الناس؟
ربما يكون أحد الأسباب أننا جميعاً موجودون على خريطة خطر الإصابة بالعدوى. وقد يتسبب هذا التباين في حدوث ارتباك حول من يجب أن يحصل على اللقاحات المعززة ومتى. عن ذلك، قال بول أوفيت، مدير مركز التثقيف بخصوص اللقاحات خلال مؤتمر عقد حديثاً بتقنية بالفيديو: «أشعر بالحيرة حيال هذا الأمر، رغم أني عضو في اللجنة الاستشارية لإدارة الغذاء والدواء الأميركية».
وأعرب عن اعتقاده بأن جزءاً من المشكلة يكمن في مصطلح المعززة. وذكر أنه ربما تتكون لدى الناس صورة أوضح إذا أعيد تعريف التطعيم الكامل ليشمل جرعتين أو ثلاث أو أربع جرعات، حسب عوامل الخطر الفردية المختلفة. إلا أن اكتشاف ذلك لن يكون مهمة سهلة، نظراً لوجود عوامل مهمة إلى جانب التقدم في السن وتعرض الجهاز المناعي للخطر. وأشار د. أوفيت إلى أن بعض الأجسام المضادة لدى بعض الأشخاص تصمد بشكل أفضل عن غيرها، وتعمل بشكل أفضل في محاربة المتغيرات الحالية.
وهنا تحديداً يكمن السبب وراء إصابة بعض الناس بـ«كوفيد – 19» مرتين أو ثلاثة، في الوقت الذي لم يصب به آخرون على الإطلاق. وتشير بعض التقديرات إلى أن واحداً من كل أربعة أميركيين لم يصب بـ«كوفيد – 19» بعد، وحسب علمي، أنا واحد منهم، رغم أنه من الممكن كذلك أن أكون مصاباً دونما ظهور أعراض، لكنني سأكتشف حقيقة الأمر قريباً، ذلك أنني أعطيت للتو عينة دم لدراسة يمكنها فك شفرة هذا الأمر، وكذلك تقديم مزيد من المعلومات عن مزيج الأجسام المضادة التي أحملها.
ومع أنه من الواضح أن الجرعة الثالثة ليست فاعلة بنسبة 100 في المائة – حقيقة لا شيء في الطب فاعل بهذه النسبة – فهي تحسن بشكل كبير احتمالات تجنب الأوميكرون، المتحور الذي هيمن على الساحة منذ نهاية العام الماضي، حسبما شرح دوان ويسمان، اختصاصي المناعة الذي يقود فريق الدراسة. وقد أخبرني بأن الدراسات السابقة من مختبره وغيرها تظهر أن الجرعة الثالثة من اللقاحات المعتمدة على تقنية الرنا المرسال تمنح معظمنا أكثر من زيادة مؤقتة في الأجسام المضادة. كما أنها تحسن جودة الأجسام المضادة لدينا. وحسبما أوضح، فإنه يمكن للخلايا المنتجة للأجسام المضادة، التي تسمى الخلايا البائية، أن تنمو إلى مستويات مختلفة من النضج. وتحمل الخلايا البائية الأكثر نضجاً بداخلها طفرات مختلفة تسمح لها بإنتاج أجسام مضادة ذات تنوع أكبر، ما يحسن احتمالات أن يكون بعضها جيداً في مهاجمة المتحورات الجديدة التي تستمر في الظهور.
ومع ذلك، فإن الجرعتين الأوليين (أو الجرعة الوحيدة من لقاح «جونسون آند جونسون) تستمران في توفير الحماية إلى الجزء الأكبر منا من المرض الشديد، لأن غالبية أجسادنا تحتفظ بالخلايا التائية المقاومة للفيروسات، التي تشكل نوعاً من خط حماية إضافي. ومع أن هذه الخلايا لن تحول دون إصابتك بالمرض، فإنها تحول دون وصول المرض لمستويات شديدة. إلا أنه من دون جرعات معززة، فإن الأجسام المضادة المنتشرة التي وفرت خط دفاع سابق لن تفعل شيئاً تقريباً لإيقاف العدوى بالأوميكرون ومتحوراته الفرعية.
وأضاف أن أولى جرعتين من اللقاحات المعتمدة على تقنية الرنا المرسال، ربما كانتا متقاربتين للغاية على نحو لا يسمح لهذه الخلايا البائية بالنضوج، وبالتالي فإن الفاصل الزمني الأطول للجرعة الثالثة قد يفسر لماذا تفرز أجساد أولئك الذين تلقوها أجساماً مضادة تحيد الأوميكرون 20 إلى 30 مرة أفضل عن الطلقات الأولية. وقد أوضح ذلك بمزيد من التفصيل في مقال نشره في دورية «سيل» بعنوان «رسال أوميكرون بخصوص اللقاح».
ويكمن الهدف طويل الأمد لدراسة ويسمان في إيجاد لقاح شامل ضد فيروس كورونا، بمقدوره حماية الناس من متحورات «كوفيد – 19» التي لم تظهر بعد وكذلك أي صور من فيروسات كورونا قد نواجهها مستقبلاً. وتجري هذه الدراسة من خلال معهد راغون بالتعاون مع جامعة هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ومستشفى ماساتشوستس العام.
ويشارك في الدراسة حتى الآن لديهم أكثر عن 200 متطوع وما زالوا يقبلون المزيد. ويمكن للاختبارات المعملية التي ستجري على العينات اكتشاف العدوى السابقة في الأشخاص الذين تلقوا اللقاح من خلال البحث عن الأجسام المضادة لبروتين يسمى القفيصة النووية، الذي لم ينتجه اللقاح، وإنما هو جزء من الفيروس الكامل. ويمكن للعلماء كذلك النظر في كيفية صمود الأجسام المضادة التي يسببها اللقاح.
إلا أنها للأسف ما لم تكن مشاركاً في دراسة مثل هذه، فربما لا تعرف مدى جودة مستوى الحماية الحالية التي تحظى بها. المعروف أن حماية اللقاح تتضاءل بمرور الوقت، لكن ليس بطريقة متوقعة أو ثابتة. عن هذا، قال ويسمان إن بعض الناس «مستدامون»، بمعنى أنهم يتخلصون من الفيروس بسهولة عند الإصابة ويحتفظون بمجموعة قوية من الخلايا المناعية والأجسام المضادة. وبمعاونة هؤلاء، يمكن للعلماء العمل على تصميم لقاح أفضل.
ويمكن أن يساعد هذا الأمر الأطباء كذلك في تقديم نصيحة أفضل حول من يحتاج إلى جرعة رابعة. في الوقت الحالي، فإن فوائد الجرعة المعززة تبدو أقل وضوحاً. عن ذلك، قال أوفيت إنه حصل على الجرعة الثالثة، لكن ليس الرابعة، ذلك أنه ينتظر المزيد من الأدلة على فائدة الحصول على جرعة أخرى.
ومع هذا، ليس ثمة سبب يدعو للانتظار قبل الحصول على الجرعة الثالثة. في الواقع، قال ويسمان إن الجرعة المعززة التي حصلت عليها في ديسمبر (كانون الأول) ربما هي التي وفرت لي الحماية في مواجهة المتحور «بي إيه. 2. 12.1»، أحد متحورات «أوميكرون» المنتشرة شمال شرقي الولايات المتحدة في الوقت الراهن. ومن المفترض أن هذه الحلقة الأحدث في سلسلة من المتحورات، وتملك قدرة أكبر على الانتقال بنسبة 25 في المائة عن المتحور «بي إيه.2» الذي يملك قدرة أكبر بدوره على الانتقال بنسبة 30 في المائة عن أوميكرون الأصلي، الذي يتسم نفسه بقدرة أكبر على الانتقال بمعدل 50 في المائة عن المتحور «دلتا» شديد العدوى، الذي يفوق قدرة المتحور «ألفا» على الانتقال بنسبة 50 في المائة.
يرى بعض الخبراء هذه الأرقام باعتبارها تكشف أن المتحورات قد لا تكون أكثر قابلية للانتقال بطبيعتها، ولكنها بدلاً عن ذلك أفضل تدريجياً في التهرب من المناعة المكتسبة من المتحورات واللقاحات السابقة. قد تؤثر الجينات وعدوى الفيروس التاجي السابقة والعديد من العوامل الأخرى كذلك على من يصاب بالعدوى رغم حصوله على جرعة معززة.
في نهاية الأمر، تظل المسألة برمتها مسألة احتمالات، فلماذا لا تجعلها تميل لصالحك بحصولك على الجرعة المعززة؟
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»