1

عبدالله الأيوبي

المشهد العراقي بعد «القنبلة الصدرية»

خاب‭ ‬من‭ ‬اعتقد‭ ‬أن‭ ‬الانتخابات‭ ‬التشريعية‭ ‬التي‭ ‬شهدها‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬أكتوبر‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬بداية‭ ‬النهاية‭ ‬للأزمة‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬البلاد‭ ‬إثر‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الشعبية‭ ‬الواسعة‭ ‬التي‭ ‬اجتاحت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬العراقية،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬المدن‭ ‬الكبرى‭ ‬مثل‭ ‬بغداد‭ ‬والبصرة،‭ ‬والتي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬سقوط‭ ‬أعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬القتلى‭ ‬والجرحى،‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬بسبب‭ ‬الصدامات‭ ‬مع‭ ‬قوات‭ ‬الأمن‭ ‬أو‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬راحوا‭ ‬ضحايا‭ ‬عمليات‭ ‬اغتيال‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬عناصر‭ ‬‮«‬مجهولة‮»‬‭. ‬التفاؤل‭ ‬الذي‭ ‬وضعه‭ ‬البعض‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الانتخابات‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تلاشى‭ ‬وتبخر‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬دخلت‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬الفائزة‭ ‬فيها‭ ‬في‭ ‬صراعات‭ ‬حول‭ ‬أحقية‭ ‬هذا‭ ‬التكتل‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية،‭ ‬وظل‭ ‬السجال‭ ‬والمشاحنات‭ ‬وتبادل‭ ‬الاتهامات‭ ‬مسيطرا‭ ‬على‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬الأشهر‭ ‬الثمانية‭ ‬التي‭ ‬تلت‭ ‬الانتخابات،‭ ‬وترجم‭ ‬ذلك‭ ‬بفشل‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭ ‬في‭ ‬إيجاد‭ ‬صيغة‭ ‬تمكنهم‭ ‬من‭ ‬تشكيل‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية‭ ‬المقبلة،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬جاء‭ ‬التيار‭ ‬الصدري‭ ‬ليفجر‭ ‬قنبلته‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المشهد‭.‬

بتوجيه‭ ‬من‭ ‬زعيم‭ ‬هذا‭ ‬التيار‭ ‬رجل‭ ‬الدين‭ ‬مقتدى‭ ‬الصدر،‭ ‬قدم‭ ‬73‭ ‬نائبا،‭ ‬هم‭ ‬عدد‭ ‬نواب‭ ‬الكتلة‭ ‬الفائزين‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬استقالاتهم‭ ‬إلى‭ ‬رئيس‭ ‬المجلس‭ ‬محمد‭ ‬الحلبوسي‭ ‬الذي‭ ‬وافق‭ ‬عليها،‭ ‬وبحسب‭ ‬نص‭ ‬قانون‭ ‬الانتخابات‭ ‬العراقي،‭ ‬فإنه‭ ‬عند‭ ‬استقالة‭ ‬نائب‭ ‬يتولى‭ ‬منصب‭ ‬النائب‭ ‬المستقيل‭ ‬صاحب‭ ‬ثاني‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأصوات‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬المستقيل،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬بعض‭ ‬المحللين‭ ‬يرون‭ ‬أن‭ ‬الاستقالة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تقر‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬النواب،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬وبحسب‭ ‬رئيس‭ ‬المجلس،‭ ‬فإن‭ ‬التصويت‭ ‬على‭ ‬قبول‭ ‬الاستقالات‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬ثلاث‭ ‬حالات‭ ‬فقطـ‭ ‬الأولى‭ ‬الطعن‭ ‬بصحة‭ ‬العضوية،‭ ‬والثانية‭ ‬الإخلال‭ ‬الجسيم‭ ‬بقواعد‭ ‬السلوك‭ ‬الانتخابي،‭ ‬والثالثة‭ ‬تجاوز‭ ‬النائب‭ ‬حد‭ ‬الغيابات‭ ‬المسموح‭ ‬به‮»‬،‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬هذه‭ ‬الحالات‭ ‬لا‭ ‬تنطبق‭ ‬على‭ ‬استقالات‭ ‬نواب‭ ‬الكتلة‮»‬‭.‬

في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحالة،‭ ‬فإن‭ ‬استقالة‭ ‬نواب‭ ‬الكتلة‭ ‬الصدرية‭ ‬ستكون‭ ‬نافذة‭ ‬وقانونية،‭ ‬ومن‭ ‬المستبعد‭ ‬جدا‭ ‬أن‭ ‬يتراجع‭ ‬زعيم‭ ‬التيار‭ ‬الصدري‭ ‬عن‭ ‬قرار‭ ‬الاستقالة،‭ ‬رغم‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬محاولات‭ ‬وجهود،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬إمكانية‭ ‬تدخل‭ ‬المرجعية‭ ‬الشيعية‭ ‬في‭ ‬النجف،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الخلافات‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬بقيادة‭ ‬التيار‭ ‬إلى‭ ‬الطلب‭ ‬من‭ ‬نواب‭ ‬الكتلة‭ ‬تقديم‭ ‬الاستقالات‭ ‬الجماعية،‭ ‬هي‭ ‬خلافات‭ ‬سياسية‭ ‬عميقة‭ ‬ومن‭ ‬الصعب‭ ‬تجاوزها‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬تهدئتها،‭ ‬فالخلاف‭ ‬بين‭ ‬التيار‭ ‬الصدري‭ ‬و«الإطار‭ ‬التنسيقي‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يضم‭ ‬أحزابا‭ ‬شيعية‭ ‬ويمثله‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬الجديد‭ ‬83‭ ‬نائبا،‭ ‬هي‭ ‬خلافات‭ ‬عميقة‭ ‬ومعقدة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬شل‭ ‬قدرة‭ ‬المجلس‭ ‬على‭ ‬انتخاب‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬متخطيا‭ ‬المهل‭ ‬التي‭ ‬ينص‭ ‬عليها‭ ‬الدستور‭.‬

بعد‭ ‬استقالة‭ ‬نواب‭ ‬الكتلة‭ ‬الصدرية،‭ ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬العراقي‭ ‬سوف‭ ‬يزداد‭ ‬تعقيدا‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬المأزق‭ ‬الذي‭ ‬تسببت‭ ‬فيه‭ ‬هذه‭ ‬الاستقالات،‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬الخلافات‭ ‬السياسية‭ ‬وتباين‭ ‬المواقف‭ ‬بين‭ ‬الكتل‭ ‬السياسية،‭ ‬الشيعية‭ ‬منها‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬كونها‭ ‬المنوط‭ ‬بها‭ ‬تشكيل‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية‭ ‬بموجب‭ ‬طبخة‭ ‬الحاكم‭ ‬الأمريكي‭ ‬السابق‭ ‬للعراق‭ ‬بول‭ ‬بريمر،‭ ‬خلافات‭ ‬تفاقمت‭ ‬طوال‭ ‬الأشهر‭ ‬الثمانية‭ ‬التي‭ ‬انقضت‭ ‬بعد‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬الانتخابات‭ ‬البرلمانية‭ ‬والتي‭ ‬لم‭ ‬تسفر‭ ‬عن‭ ‬أغلبية‭ ‬برلمانية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تشكيل‭ ‬هذه‭ ‬الحكومة‭ ‬وانتخاب‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭.‬

هل‭ ‬يذهب‭ ‬العراق‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬وإجراء‭ ‬انتخابات‭ ‬جديدة؟‭ ‬لكن‭ ‬وبحسب‭ ‬الدستور‭ ‬العراقي،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬حل‭ ‬المجلس‭ ‬إلا‭ ‬بقرار‭ ‬من‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬نفسه،‭ ‬وماذا‭ ‬لو‭ ‬نجح‭ ‬المجلس‭ ‬في‭ ‬شغر‭ ‬المقاعد‭ ‬التي‭ ‬تركها‭ ‬النواب‭ ‬الصدريون‭ ‬بالحاصلين‭ ‬على‭ ‬أعلى‭ ‬الأصوات‭ ‬من‭ ‬بعدهم؟‭ ‬جميع‭ ‬هذه‭ ‬الخيارات‭ ‬ليست‭ ‬مستبعدة،‭ ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬ممكنة‭ ‬أم‭ ‬لا،‭ ‬فإنها‭ ‬لن‭ ‬تأتي‭ ‬بحلول‭ ‬ناجعة‭ ‬تخرج‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬مأزقه‭ ‬السياسي،‭ ‬هذا‭ ‬المأزق‭ ‬ليس‭ ‬وليد‭ ‬الانتخابات‭ ‬التشريعية‭ ‬الأخيرة،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬الخلافات‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬بالكتلة‭ ‬الصدرية‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬استقالات‭ ‬نوابها،‭ ‬إلا‭ ‬امتدادا‭ ‬للمأزق‭ ‬الذي‭ ‬دخل‭ ‬فيه‭ ‬العراق‭ ‬بعد‭ ‬الغزو‭ ‬الأمريكي‭ ‬عام‭ ‬2003‭.‬

فالعراق‭ ‬بعد‭ ‬التطورات‭ ‬الأخيرة‭ ‬مرشح‭ ‬للدخول‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الجمود‭ ‬السياسي،‭ ‬أما‭ ‬حالة‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬فهي‭ ‬ليست‭ ‬بجديدة‭ ‬على‭ ‬بلاد‭ ‬الرافدين،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬جريمة‭ ‬الغزو،‭ ‬لكن‭ ‬الخشية‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يتحول‭ ‬هذا‭ ‬الجمود‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التشنجات‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تأخذ‭ ‬منحى‭ ‬العنف،‭ ‬وخاصة‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬لجأ‭ ‬التيار‭ ‬الصدري‭ ‬إلى‭ ‬تحريك‭ ‬أنصاره‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬لتأكيد‭ ‬حضوره‭ ‬الجماهيري‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬للتعكير‭ ‬على‭ ‬خصومه‭ ‬السياسيين‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تهيأت‭ ‬لهم‭ ‬الظروف‭ ‬لتشكيل‭ ‬الحكومة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬محل‭ ‬الخلاف‭ ‬الرئيسي‭ ‬بين‭ ‬القطبين‭ ‬المتصارعين‭ (‬التيار‭ ‬الصدري‭ ‬والإطار‭ ‬التنسيقي‭).‬

التعليقات معطلة.