الرئيسية » سياسة » تقارير » هل تنجح دول الخليج في إعادة صياغة الشرق الأوسط؟
هل تنجح دول الخليج في إعادة صياغة الشرق الأوسط؟
تشهد المنطقة صعود محور التغيير الذي يسعى لأجندة جديدة أكثر تسامحاً
إنجي مجدي صحافية السبت 16 أبريل 2022 18:23
من لقاءات القمة الخليجية في العلا السعودية (أ.ف.ب)
خلال شهر رمضان عام 2020، عرضت مجموعة “أم بي سي”، مسلسلاً جديداً من نوعه على المنطقة، يتناول التحديات التي واجهتها قابلة يهودية تدعى “أم هارون” في بلد عربي.
وقتها، انقسم الجمهور والنقاد في العالم العربي بشأن المسلسل، الذي ألفه بحرينيان، ومن إنتاج إماراتي- كويتي، ولعبت بطولته الممثلة الكويتية المخضرمة حياة الفهد، فذهب فريق إلى اتهام صناع العمل بالترويج للتطبيع العربي مع إسرائيل، في حين أثنى آخرون عليه باعتباره يقدم رسالة مهمة بشأن التعايش بين الأديان في المنطقة.
كان مسلسل “أم هارون” جزءاً من خطاب جديد ناشئ في الخليج يسعى إلى تحدي بعض العقائد القديمة، التي هيمنت على المنطقة خلال العقود القليلة الماضية، بحسب مقال بحثي نشرته مجلة “معهد النشر الرقمي” في بازل بسويسرا بعنوان “العروبة؟ النضال من أجل نموذج جديد في الشرق الأوسط”، والذي يشير إلى محور جديد صاعد في المنطقة أطلق عليه “محور النهضة”، وهو المعسكر الذي يتبنى التحديث، ويعتبر السياسة العرقية والطائفية تهديداً وجودياً. ففي مواجهة “محور المقاومة”، الذي تقوده عناصر متشددة من كل من الشيعة والسنة، يأتي “محور التغيير/ النهضة” الجديد برؤية بديلة تسعى إلى تغيير وجه الشرق الأوسط وتمثله مجموعة من الجهات الفاعلة بقيادة عدد من دول الخليج، التي تعتبر التشدد تهديداً وجودياً وتقدم رؤية بديلة تسعى إلى تغيير وجه الشرق الأوسط.
محور التغيير
بالتوازي مع التراجع السريع للعواصم العربية التقليدية، يقول المقال، إن منطقة الخليج تبرز كصوت أكثر أهمية بسبب نفوذها الاقتصادي والسياسي والإعلامي. وشرح مؤلفا المقال، حسين أبو بكر ونير بومس، كيفية صعود هذا المحور الجديد بقيادة الخليج وصياغة أجندة جديدة لشرق أوسط أكثر تسامحاً من خلال تعديل جذري لترتيب الأولويات في المنطقة.
ويقول مؤلفا المقال، إن اتفاقيات “إبراهام”، الموقعة في سبتمبر (أيلول) 2020، ساعدت في إلقاء الضوء على ذلك الخطاب الجديد، الذي ينطلق من نموذج أكثر نضجاً يعززه “معسكر التغيير” المتنامي في الشرق الأوسط، ذلك المعسكر الذي يتشكل من أولئك الذين يسعون إلى إعادة تعريف المنطقة، ويؤكدون أن المنطقة لا يمكن تصنيفها فقط من خلال الانقسامات العرقية والدينية والقبلية، ولكن أيضاً من قبل أولئك الذين يؤمنون باستعادة الماضي والحاجة الملحة لخلق مستقبل جديد. ويشيران إلى أن دول الخليج، إلى جانب عدد قليل من البلدان الأخرى، هم المؤيدون الرئيسون لهذا النموذج الجديد، ويعملون على خلق رؤية جديدة لمنطقة يلفها الصراع والحرب.
على الرغم من أن هذه المثالية تبدو بعيدة كل البعد عن أماكن مثل اليمن أو ليبيا أو لبنان أو سوريا، حيث تستمر السياسات القبلية والحروب بالوكالة، فإنها بحسب المقال، تلقى صدى لدى الشباب في المنطقة، وكذلك بعض النخبة الذين سعوا باستمرار إلى إعادة توجيه ما يعتبرونه “اتجاهاً خطيراً” سلكته المنطقة. فشرق أوسط القرن الحادي والعشرين أصغر سناً وأكثر تعليماً من ذي قبل، فما يزيد على 65 في المئة من سكان المنطقة تحت الثلاثين ومستعدون للتغيير. وقد كان العقد الفوضوي الفائت الذي بدأ بحراك الشارع في بعض الدول العربية وانتهى بانهيار دول عدة، سبباً في إضعاف مؤيدي سياسات المقاومة والكفاح المسلح مثل “حزب الله” ووكلاء إيران.
ومع ذلك، تحولت المقاومة الآن إلى الداخل. يقول المقال، إن جماعات المقاومة والسعي المضاد لقمعها تسببا في مقتل أكثر من نصف مليون شخص في سوريا- بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان- ومئات الآلاف في ليبيا والعراق ولبنان واليمن. بينما في النهج الجديد، لم يعد ينظر إلى المقاومة على أنها مفتاح الخلاص السياسي، بل عقبة تحول دون تحقيق مستقبل أفضل.
أدت هذه التطورات إلى تحول في تفكير كثيرين في المنطقة، فلأول مرة منذ نصف قرن، يتحدى تحالف جديد بين الحكام والمحكومين والقادة في العالم العربي جمود الترتيب السياسي العربي الذي يعود لمنتصف القرن العشرين. وفي حين أنه من غير المحتمل أن تهزم هذه الأفكار الجديدة “محور المقاومة” بأكمله، فقد أصبح من الواضح أنها شكلت معسكراً جديداً يتحدى ويغير السياسة العربية والشرق أوسطية.
أولويات جديدة للشباب
يشير المقال إلى أن الجيل العربي الجديد من الشباب المتعلم باتت له أولويات جديدة، فتراجع التشدد الديني وأظهر استطلاع عام 2019 أن 79 في المئة من الشباب العربي يعتقدون بالحاجة إلى إصلاح مؤسساته الدينية، وأصبح الأمن والاقتصاد على رأس أولوياته. وينظر الشباب إلى الخليج بإيجابية أكثر، وبعد تحليل عقد من استطلاعات الرأي العام، خلص الباحث في معهد واشنطن ديفيد بولاك إلى أن “المسار الحالي للرأي العام العربي يتجه بشكل متزايد نحو ما يمكن تسميته الاعتدال، رفض التطرف الديني، ومعارضة طموحات إيران للهيمنة ووكلائها، وقبول البعض أنواعاً من التطبيع مع إسرائيل، والبحث عن خطوات عملية للتقدم إلى الأمام بدلاً من الحركات الأيديولوجية الكاسحة في معظم مجالات الحياة العامة”.
والأهم من ذلك، تظهر الاستطلاعات أن الجيل الأكبر سناً، الذي يتحكم في الخطاب والتنفيذ العملي للسياسات، ليس بعيداً عن الشباب في ما يتعلق بهذا الاتجاه السلوكي. ويقول المقال، إنه لا يوجد مكان يتجلى فيه هذا الواقع أكثر من دول الخليج، إذ إن شباب الخليج هم الأكثر تعليماً في العالم العربي، ووفقاً للمنتدى الاقتصادي العالمي، فإن تعليم الإناث في دول الخليج يوازي بعضاً من أكثر دول العالم تقدماً. إضافة إلى ذلك، تعد الإمارات العربية المتحدة موطناً لأعلى نسبة للنساء المتعلمات جامعياً في العالم. كما أن شباب الخليج هم الأكثر اندماجاً عالمياً بين غيرهم في العالم العربي، بسبب زيادة ترابط دولهم واندماجها الأقوى في الاقتصاد العالمي.
فمزيج التعليم والترابط الدولي والقدرة على متابعة فرصهم في الخارج من دون قيود السفر، جنباً إلى جنب مع النجاح الاقتصادي، خلق تطلعات فردية بين شباب الخليج بعيداً عن المساعي الأيديولوجية. وقد فهم قادة الخليج هذه الأمور، وسعى إلى تقديم رؤية أكثر انسجاماً مع جيل الشباب في الشرق الأوسط. يمكن ملاحظة ذلك من خلال حقيقة أن القادة يحللون بشكل متزايد استطلاعات الرأي العام ويقومون بدمجها في استراتيجياتهم الحاكمة. ويشير المقال إلى أنه على عكس التصورات الشائعة، تنظر الأنظمة الملكية العربية بجدية في آراء رعاياها. على سبيل المثال، يعتمد الحكام السعوديون بشكل متزايد على مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني لفهم المواقف العامة والتعامل معها.
اقرأ المزيد
- ماذا لو أضرب كتاب الدراما في الخليج عن العمل؟
- التعاون الخليجي: لدينا قرار بدمج اقتصاد اليمن في اقتصادات دول المجلس
- مجلس التعاون الخليجي: الحوثيون منعوا يمنيين من حضور مشاورات الرياض
الخليج الكوزموبوليتاني
تحدث المقال عن انتقال الحياة الفكرية العربية من العواصم التقليدية، مثل القاهرة ودمشق، إلى أخرى جديدة. كما أن الانتقال من تلك العواصم التي طالما كانت معاقل للمفكرين القوميين واليسار العربي، هو أكثر من مجرد انتقال جغرافي، فالمدن الخليجية الجديدة والحديثة “الكوزموبوليتانية” أصبحت المقر الحالي للعصر الذهبي، الذي كان يستقر قبلاً في بيروت- باريس الشرق، والقاهرة العاصمة الثقافية للمنطقة. وهذا الانتقال عمل على تحرير الخطاب المعاصر بالعالم العربي من أعباء الماضي والحروب مع إسرائيل. فدبي وأبو ظبي والرياض، في حين أنها ليست مراكز حضرية منتظمة لكنها جوهر تجربة تسعى إلى بناء هوية وطنية عالمية.
اليوم، عدد متزايد من العرب يدركون أن هناك حاجة عاجلة للتحول بعيداً عن سياسات المقاومة. وفي هذا الصدد يلفت المقال إلى إعادة تشكيل “الأجندة العربية” كبداية لتفكيك تلك القديمة مما يقوض الأيديولوجية المبني عليها الحرس الثوري الإيراني و”حزب الله” و”حماس” وتنظيم الإخوان أو ما يطلق عليهم “محور المقاومة”.
ويشير إلى عدة كتابات صحافية عربية تتبنى هذا التوجه الجديد، فعلى سبيل المثال لفت إلى مقال نشرته صحيفة “الجريدة” الكويتية للكاتب الشيعي خليل حيدر، ينبه إلى الدور التدميري الذي تلعبه إيران من خلال بعض الجماعات في المنطقة، وكتب “من المؤسف حقاً أن القانونيين والحقوقيين والأكاديميين في العالم العربي لم يتساءلوا في قليل أو كثير عن مشروعية تجاوز وتجاهل قوانين الدولة اللبنانية ودستورها وتهديدات الحريات من قبل (حزب الله)، ولا انتقدوا بقوة وبصوت مسموع أن يكون للحزب، وهو في النهاية حزب لبناني مرتبط علناً بدولة أجنبية جيش أقوى من جيش الدولة، وقدرات سياسية وأجهزة أمنية لا تخضع لأي محاسبة قانونية واضحة، بل أن يدخل الحزب لبنان كله في حروب مدمرة متى وكيفما شاء الحزب”.
مقال حيدر استعان به الكاتب السعودي مشاري الذايدي في مقال نشر بصحيفة “الشرق الأوسط” بعنوان “خليل حيدر وجريمة النخب العربية!”، مشيراً إلى بعض الكتاب القدامى مثل محمد حسنين هيكل باعتبارهم مسؤولين عن تأسيس ما يسمي لاهوت المقاومة العلماني الذي لا يخدم إلا الخميني.
ويقول مقال الدورية العلمية السويسرية، إن أصواتاً جديدة تبرز عبر المنطقة، ولأول مرة منذ عهد القومية العربية، تتقارب مصالح الحكام وأفكار المفكرين وحاجات الشارع. ويستدل بمقال آخر للصحافي السعودي طارق الحميد، رئيس تحرير جريدة “الشرق الأوسط” الأسبق، الذي كتب “منطقتنا اليوم في حاجة ماسة إلى ترسيخ مفهوم الدولة ذات السيادة بغض النظر عن السياسات الأوروبية أو الأميركية. يجب أن تعطي المنطقة الأولوية للغة المصالح، والعقلانية السياسية”.
خلجنة العالم العربي
كان التحديث السريع للخليج في العقدين الأخيرين جزءاً من تحول إقليمي، حيث أصبحت المدن الخليجية الناشئة أكثر أماناً وحداثة، مقارنة بالانحدار السريع للعواصم العربية التقليدية مثل القاهرة وبغداد وبيروت ودمشق. هذه العملية الجديدة نسبياً وصفها علماء غربيون بـ”خلجنة العالم العربي”، حيث احتل الخليج مركز الصدارة في الشرق الأوسط العربي “سياسياً واقتصادياً وثقافياً وعسكرياً”. ويقول أبو بكر وبومس، إنه ليس سراً أن الثقل الاستراتيجي لمنظومة الدولة العربية موجود في الخليج، فأبو ظبي والرياض والدوحة هي العواصم المسيطرة على السياسة العربية. ومع ذلك، يتم استبعاد الدوحة من هذه المناقشة، لأنها تظل خارج توافق الخليج الذي يقود كتلة أكبر تشمل مصر والأردن والمغرب، والأكثر من ذلك، إسرائيل.
من الركائز الأساسية والمركبة في عملية “الخلجنة”، التي تسهم في تأثير الخليج بالعالم العربي ظهور وسائل إعلام إقليمية وعربية جديدة. إذ تهيمن العواصم الخليجية الثلاث على الأخبار ووسائل الإعلام العربية بشكل متزايد: العربية من الرياض، “الجزيرة” من الدوحة، و”سكاي نيوز” من أبوظبي. وفي ما يتعلق بالصحافة، تمكنت السعودية والإمارات وقطر خلال العقود القليلة الماضية من شراء العديد من أكبر الصحف العربية، ما يوفر ظهور وسائل الإعلام الخليجية المستقلة المتطورة للغاية فرصة لخطاب جديد. ويقول مقال الدورية السويسرية، إن الجهود الخليجية والسعودية لبناء مسارات جديدة هي جهود منهجية وطويلة الأمد، ومن المرجح أن تستند إلى أجندة استراتيجية واضحة لخطاب إقليمي متغير.
وفي حين حل الربيع العربي القيود القديمة، فقد خلق قيوداً جديدة أيضاً تتمثل في عدم الوثوق بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة والتهديد الإيراني وصعود الإسلاموية السنية. وبطبيعة الحال، أقنعت هذه التهديدات الجديدة حكام الخليج أنه لم يعد من الممكن أن يقفوا كفاعلين سلبيين، وأنه من الضرورة الاستراتيجية أن يأخذوا زمام المبادرة في تشكيل الاستراتيجيات العربية في مواجهة التحديات الإقليمية والابتعاد عن النموذج القديم القائم على محور المقاومة الذي تقوده إيران.
يسرد المقال أربع سياسات أميركية كانت وراء عدم الموثوقية في واشنطن، سحب الدعم الأميركي من الرئيس المصري حسني مبارك خلال ثورة يناير عام 2011، والموافقة الضمنية على استيلاء الإخوان المسلمين على السلطة، والفشل في معاقبة النظام السوري عن الانتهاكات الجسيمة القانون الدولي، والأهم من ذلك، الاتفاق النووي لعام 2015 المتنازع عليه بشدة في ما يتعلق بإيران. فحقيقة أن معارضة الخليج الشديدة لمثل هذه السياسات والفشل في إقناع مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية بتغيير مسار عملها، دعم الاستنتاج بأن الولايات المتحدة لم تعد الحليف الذي كانت عليه من قبل. ومن ثم، اضطر حكام الخليج إلى البدء في بناء استراتيجية مستقلة عن الولايات المتحدة، تطلبت تحولات استراتيجية كبيرة في قائمة الأولويات، ودفعت باتجاه إصلاحات دينية وقانونية واجتماعية واسعة النطاق، فضلاً عن بناء تحالفات استراتيجية مع إسرائيل.المزيد عن:دول الخليجالسعودية