فوزية رشيد
ما الذي سيطلبه «بايدن» من القادة العرب؟!
الزيارة المجدولة للرئيس الأمريكي «بايدن» والتي سيزور فيها منتصف الشهر القادم السعودية ليلتقي قادة دول مجلس التعاون ومصر والأردن ورئيس وزراء العراق أثارت الكثير من التحليلات والتكهنات والكثير من الاهتمام في الولايات المتحدة بآراء متعارضة! ولعل السؤال الأهم في هذه الزيارة هو: ما الذي سيطلبه بايدن في ظل أزمة الغرب بقيادة بلده مع روسيا، بعد أن ارتدت العقوبات بشكل مؤثر على التضخم وزيادة أسعار الطاقة، وتأثير ذلك وغيره في الاقتصاد الأمريكي واقتصاد دول الاتحاد الأوروبي وهم من صنعوا الأزمة الأوكرانية؟!
{ هل سيتحدث مثلا بصفته الحليف لدول المنطقة رغم ما يشوب تلك الصفة من مآخذ كثيرة وملابسات مختلفة وقد أخلت أمريكا مرارا بمعنى التحالف في ظل التاريخ المسجل في المنطقة؟! وخاصة بعد غزو العراق واحتلاله وبعد عنجهية التدخل الفج في شؤون البلدان الحليفة تحت مسميات وأفكار اتسمت بالفوقية والعبث بأمن واستقرار العديد من دول المنطقة ومنها الخليج ومصر مثل الفوضى الخلاقة وتغيير الأنظمة والدمقرطة بحسب النموذج الأمريكي في العراق، وشماعة حقوق الإنسان الصالحة دوما لتعليق كل أشكال الابتزاز والضغط الأمريكي على الدول الحليفة؟!
إذا وبحسب الوقائع فليس هناك التزام أمريكي بمفهوم التحالف على أرضية المصالح المتبادلة واحترام سيادة الدول الحليفة واستقلاليتها ووضع أمنها واستقرارها في الاعتبار! فهل سيستخدم بايدن هذا التوصيف؟!
{ لقد كشفت الأزمة الأوكرانية الكثير من الأمور وأهمها أن الغرب يفهم التحالف في أن تدخل الدول الحليفة في صلب أزماته الكبرى التي يصنعها بنفسه وفي ذلك يطلب من الحلفاء التخلي عن حيادهم في تلك الأزمات! أو التخلي عن العمل وفق مصالح بلدانهم الوطنية والقومية وأمنهم القومي! ولا يفهم الغرب أو تفهم الولايات المتحدة إلا مراعاة مصالحها الخاصة سواء المحلية أو مصالح أجنداتها التي بعثرت الأزمات في كل مكان! وهذا الفهم المتسلط لا يدرك إلا منطق الإملاء (إما أن تكون معي وإما ضدي)! ولكأن الحلفاء الذين تخلى عنهم في الكثير من أزماتهم مطالبون بأن يضعوا مصالحهم الوطنية والقومية في جانب، ويُغلبوا مصالح أمريكا والغرب عليها! فهل هذا ما سيطلبه بايدن؟!
{ إن دول الخليج ومصر بنت في السنوات الأخيرة سلسلة من التحالفات مع قوى كبرى أخرى على رأسها الصين وروسيا بما يلبي مصالحها ورؤيتها الاستراتيجية وليس فقط مصالح تلك القوى في إطار تبادل المصالح والالتزام واحترام الشؤون السياسية الداخلية من دون إملاءات أو شروط، فإذا حدث وأن دخلت الولايات المتحدة في حالة تنافس بل وعداء مع تلك القوى كما هو منذ فترة طويلة فهل يحق لها باسم التحالف الذي أخلت به مرارا أن تطلب من الدول الحليفة الوقوف معها ضد تلك القوى الكبرى؟!
{ للخليج ومصر مصالح مختلفة وتعيش تحديات كثيرة داخلية وخارجية سواء بما يتعلق مع التوسع الإيراني الذي أتاح الغرب نفسه الفرصة له، أو بما يتعلق بأذرعها في اليمن وانقلاب الحوثيين على الشرعية أو في العراق أو لبنان أو سوريا بما أسهم في خلخلة الأمن القومي العربي في كامل المنطقة! أو بما يتعلق بالأجندات والمشاريع الأمريكية التدميرية نفسها! أو بما يتعلق بشؤون التحديات الداخلية وشجون التنمية وغير ذلك من تحديات وتهديدات بما استوجب تنويع التحالفات وهو من حقها كأية دول في العالم تضع مصالحها فوق كل اعتبار، فهل مطلوب من الجانب الأمريكي أن يفكر القادة العرب في مشاكل وتحديات أمريكا من حيث زيادة أسعار النفط أو الغاز كمثال أو غيرها! والإسهام في الإضرار بروسيا أو الصين والتخلي عن المصالح الخليجية المتبادلة مع القوتين لأن أمريكا والغرب في أزمة عداء أو تنافس عدائي معهما؟!
{ إن المرحلة الراهنة حساسة ومفصلية بكل معنى الكلمة وكيفية إدارة الأزمة عربيا مع أمريكا والغرب ستترك تبعات مستقبلية مختلفة في ظل توجه أغلب دول العالم نحو الفكاك من الهيمنة الغربية ومناصرة التعددية القطبية في العالم، ولهذا يكتسب الحوار بين القادة العرب وبايدن أهمية استثنائية من حيث توضيح الموقف العربي وفق المصالح العربية وإعطائها الأولوية بالطبع على أية مصالح أخرى وخاصة في ظل انعدام الثقة والتجارب المأساوية السابقة التي تسببت بها الإدارات الأمريكية المتلاحقة في المنطقة! ولعل الأيام القادمة وحدها هي من ستكشف المآلات والنتائج! ومثلما لأمريكا والغرب مصالح فلدى العرب مصالح ومطالب، وهو الأوان لتوضيحها من دون مواربة والثبات على الموقف منها وفق المصالح الخليجية والعربية!