الاتِّجار بالبشر

4

ناصر العبدلي

حتى الآن لم تبذل الحكومة الجهد المفترض لإيقاف تجار البشر، إذ مازال أولئك يمارسون عملهم المعتاد من دون خوف من الإجراءات الحكومية التي تعلن عنها بين الحين والآخر، ولا أعرف سبب الانشغال الحكومي عن هذه الآفة، فهي أخطر بكثير من بعض الموضوعات التي جعلتها الحكومة أولوية، كما أن لها تبعاتها الدولية، خاصة عند منظمات حقوق الإنسان التي مازالت تشتكي.
هناك آلاف الشركات والمؤسسات الخاصة «الوهمية»، بل أكاد أجزم أن قطاعات في هيئة القوى العاملة يعرفون جيدا من هي الشركات التي تتاجر بالبشر، ومن هي الشركات ذات الملفات النظيفة من هذه الآفة، ولا يحتاج الأمر سوى مراجعة حجم عمالة تلك الشركات حتى نعرف من هو المخالف ومن هو الملتزم، إذ ليس من الممكن أن تكون هناك شركات لديها أعمال واستثمارات بآلاف الدنانير وشركات ليس لديها عقد واحد، لكن عمالتها تفوق تلك التي تستثمر مئات الآلاف.

يقول لي أحد الأصدقاء ممن يعملون في هذا القطاع إن هناك شركات تحصل على عقود ومناقصات فعليا من الحكومة، لكنها لا تستفيد من العمالة المخصصة للمشروع داخله، بل تقوم ببيع تصاريح العمل التي حصلت عليها في السوق السوداء لتعوض خسائرها عند تسعير المناقصات والأعمال الحكومية وتقوم بتكليف شركات بالباطن لتنفيذ المشاريع عنها، وهذا جزء من آلية الاتجار بالبشر المنتشرة في بلادنا.

الكارثة الصحية التي مرت بها البلاد قبل سنوات (كورونا) كشفت حجم هذه المأساة، وأعتقد أن تلك الأيام كانت فرصة للتخلص من هذه الجريمة وإلى الأبد، لكن ذلك لم يحصل، مع أن اللقاءات التلفزيونية مع ضحايا الاتجار بالبشر كشفت حجما كبيرا من هذه الجريمة، وكان بإمكان الحكومة تتبع الخيط من خلال تلك اللقاءات التلفزيونية التي اعترف العمال خلالها أنهم تعرضوا لابتزاز مالي من أصحاب تلك الشركات.

الآن، الأمل معقود الحكومة الحالية التي تحررت من سلبيات المرحلة الماضية، خاصة أن لها بعض اللمسات الإصلاحية على أكثر من ملف، وأعتقد أن هذا الملف هو الأخطر على الإطلاق، وإن تمكنت الحكومة من سبر أغواره وكانت جادة في هذا العمل ستحقق نتائج كبيرة وحاسمة بكل تأكيد، لكن إذا استمرت في حالة الإهمال له كما يجري الآن، فستستمر المأساة كما هي، بل ربما تزيد.

 

التعليقات معطلة.