ما زلنا نضع أيدينا على قلوبنا رغم إيماننا بأن تكون المرة آخر مرة في تدهور العلاقات بين غزة ورام الله.
قسمة الشعب الفلسطيني ليست جديدة ولا مفاجئة، فهي خضعت دائما للواقع العربي المنقسم إلى أشكال حكم وأحزاب .. كان ذلك قبل نكبة فلسطين، وحدث ذلك يوم النكبة حين جاء العرب من دهاليز الخلاف فيما بينهم “ليقاتلوا” من أجل استرجاع أرض سلبت.. ثم حدث أكثر يوم انطلقت المقاومة الفلسطينية وانقسمت إلى فصائل، كان قسمة العرب فيها في غاية الوضوح.
لا شك أنها لعنة يوم لا ينسجم فلسطيني مع آخر، وهما صاحبا مأساة كبرى في التاريخ تحتاج لتفاعل وتشابك وتمازج وتوحيد .. كنا نخاف عليهما من قصة هابيل وقابيل، من الافتراق الذي فيه ما هو مفهوم، وما هو غير مفهوم، وفيه ما يقرب وما يبعد .. هي حكاية لا تنتهي، نأمل أن تنتهي .. لكنها مهما وصلت إلى نهايتها، فليس معلوما أن يربح صاحب السلاح المستيقظ، ليوقظ النائمين، والحالمين بأن يقف يوما نتنياهو ليقول لهم هذه حقوقكم فخذوها، وهاتوا شعبكم المقيم في الفيافي ليقطن حيث يشاء في قراه ومدنه وأريافه.
يقال إنه طالما جاءت المبادرة من حركة “حماس” فالمسألة جدية هذه المرة .. كأنما هنالك من يريد تحميل غزة المسؤولية في الانقسام الفلسطيني، وإن التغيير القيادي الذي حدث فيها قد جاء من أجل إحداث تغيير في المنطلقات ومن ثم في التقارب مع رام الله، إضافة إلى إعادة الثقة مع الذين أوفوا بعهدهم دائما من أجل تحرير فلسطين وبشتى الطرق، وقد باتوا معروفين..
الوحدة الفلسطينية على المحك، قالها بصريح العبارة أبرز قيادي “حماس” يحي السنوار “سنكسر عنق من يقف في طريق الوحدة”.. تلك جملة لم نسمعها من قبل بهذه الحدة، وتشير إلى أن ثمة من لا يريد التقارب، وله مصالحه في ذلك.
لا شك أن لوثة التقسيم تستيقظ في أكثر من منطقة في العالم، وفي أوروبا نموذجها الإسباني والآن الإيطالي، وبلجيكا ليست بعيدة وربما سويسرا وغيرها من الدول الأوروبية. عالم نراه موحدا، لكنه منخور في داخله بأحاسيس قديمة يريد أصحابها التعبير عنها في زمن تشعر بأنه بات جاهزا لتقبل حراكها. ثم أن العرب مصابون هم الآخرون بهذه اللوثة، وثمة كلام مسموع يوميا حول هذا القطر العربي أو ذاك، كيف هو تقسيمه، أو ما هي فيدرلته، ولا شك أن طرح مثل هذه الأفكار ليس جديدا، وسيظل الكلام المتطاير طالما أن الصراع على العرب لن ينتهي، وكذلك بين العرب أيضا.
بانتظار أن يدخل الرئيس الفلسطيني محمود عباس فاتحا إلى غزة، وأن تصمد إشارات الوحدة الفلسطينية، فإن بعض أخبار القاهرة في هذا الموضوع تشير إلى إيجابياته .. رغم أن الصمت الإسرائيلي حوله، ليس فقط مثيرا للعجب، بل مشكوك في السبب الذي يقف وراءه.
وبعد، هل يصدق الفلسطينيون تلك الأكذوبة التي عنوانها “صفقة القرن”؟ وهل يتنازل الإسرائيلي في الوقت الذي يتقدم فيه دون موانع ليقدم لطرف فلسطيني ضعيف تنازلات بعد أن أكل الأرض، ولا يملك سوى أن يقدم ما تبقى من حساب الفلسطيني بقايا فتات ليس لها شكل ولا مضمون.