مقالات

أكرم القصاص

 
 
على الرغم من انتهاء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى، وتفكك الاتحاد السوفيتى نفسه، بقيت حروب الجواسيس قائمة بين الولايات المتحدة وأوربا من جهة، وروسيا من جهة أخرى، وآخرها قصة سيرجى سكريبال عقيد الاستخبارات العسكرية الروسية السابق والمدان بالتجسس لصالح الاستخبارات البريطانية «إم آى6». والذى تتهم بريطانيا الاستخبارات الروسية بمحاولة قتله بغاز سام، وعلى الرغم من إنكار روسيا فإن التصعيد يدفع لأزمة كبرى بين لندن وموسكو، وصلت إلى حد طرد الدبلوماسيين الروس من لندن.
أصيب الجاسوس البريطانى السابق سيرجى سكريبال«66 عاما» وابنته يوليا «30 عاما» أول مارس بالإغماء بعد تعرضهما لغاز غامض بالقرب من مركز تجارى فى سالزبورى جنوب بريطانيا، حيث يعيش الجاسوس السابق بعيدا عن الأضواء بعد خروجه من السجن فى روسيا ضمن صفقة تبادل شهيرة للجواسيس مع الغرب. نقل سكريبال وابنته للمستشفى، وأصيب الشرطى الذى حاول إسعافهما هو الآخر، الأمر الذى كشف عن عملية تسمم متعمدة، يحتمل أن تكون بغاز الأعصاب، واتهمت بريطانيا الاستخبارات الروسية بتسميم العميل السابق.
تصاعد الأحداث بين روسيا وبريطانيا وصل إلى إعلان رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى طرد 23 دبلوماسيا روسيا، ردا على تسميم عميل روسى سابق، وألغت دعوة إلى وزير الخارجية الروسى لزيارة بريطانيا، وقالت، إن العائلة المالكة لن تحضر كأس العالم فى وقت لاحق من هذا العام، كما كان مقررا، وذلك بعد انتهاء مهلة منحتها «ماى» لروسيا لتقديم رد واضح عن حادث تسميم العميل سكريبال، بينما نفت روسيا الاتهامات وطلبت إطلاعها على طبيعة الغاز المستخدم فى تسميم العميل السابق، ووصف وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف الاتهامات البريطانية لروسيا بأنها « هراء»، واستدعت روسيا السفير البريطانى، ويتوقع أن ترد روسيا على قرار طرد دبلوماسييها، بإجراءات مماثلة، فيما تتجه لندن للتصعيد برفع الأمر إلى مجلس الأمن وحلف الناتو.
فى 9 يوليو 2010، استقبلت العاصمة النمساوية فيينا، عشرة جواسيس أدينوا فى الولايات المتحدة بتكوين شبكة تجسس، لصالح روسيا تمهيدا لنقلهم إلى موسكو، ضمن صفقة لتبادل الجواسيس مقابل أربعة جواسيس روس أدينوا بالتجسس لصالح الغرب، وحكم عليهم بالسجن، وأصدر الرئيس الروسى ديمترى مدفيديف عفوا عن الأربعة ضمن صفقة التسليم، بعد أن أدانتهم المحكمة الروسية وقضى كل منهم فترة فى السجن.
ضمت القائمة وقتها عميل الاستخبارات الخارجية الروسية ألكسندر زابوروزيسكى، والمحامى الكسندر سيباتشيف، والخبير فى المجال النووى إيجور سوتياجين، ومنهم عقيد الاستخبارات العسكرية الروسية السابق سيرجى سكريبال، الذى تعرض لمحاولة تسميم، وتتهم بريطانيا الاستخبارات الروسية بتسميمه.
سيرجى سكريبال عقيد سابق فى الاستخبارات العسكرية الروسية جندته المخابرات البريطانية «إم آى 6» عام 1990، وانكشف أمره وقبض عليه عام 2006 وقال جهاز المخابرات الروسية «إف إس بى» إن سكريبال سلم المخابرات البريطانية أسرارا ومعلومات مقابل مال، وتمت محاكمته عسكريا وأدين بالخيانة العظمى، وتم تجريده من الأوسمة والألقاب التى منحت له خلال خدمته فى المخابرات العسكرية الروسية، وحكم عليه بالسجن 13 سنة،حتى أطلق سراحه ضمن صفقة تبادل جواسيس بين الغرب وروسيا عام 2010. حيث أطلقت المحكمة الأمريكية سراح المتهمين العشرة فى شبكة التجسس وتم تبادلهم مع الأربعة ومنهم سكريبال.
من بين الجواسيس العشرة المضبوطين فى أمريكا الذين تمت مبادلتهم مع سكريبال، كانت آنا تشابمان الجاسوسة الروسية، التى تحمل الجنسيتين البريطانية والروسية، ولكن الحكومة البريطانية جردتها من جنسيتها البريطانية بعد إدانتها فى شبكة التجسس الروسية بالولايات المتحدة. وتصف وسائل الإعلام تشابمان بأنها «الجاسوسة الأكثر سحرا»، حيث عملت عارضة أزياء وقدمت برنامجا على شاشة التليفزيون الروسى وتولت رئاسة مجلس الشباب، وتردد اسمها بعد عملية سكريبال، لكنها حسب تقارير مختلفة لم تكن بالقرب من الحادث فضلا عن أنها جردت من جنسيتها البريطانية.
روسيا نفت لكن بريطانيا قالت إن غاز الأعصاب المستخدم يتم إنتاجه فى روسيا، وطلبت توضيحا عما إذا كانت المحاولة روسية أم أنها تمت بغاز تم تسريبه من روسيا، لكن قصة الجاسوس المنسى جددت حربا سياسية هى الأكبر منذ انتهاء الحرب الباردة، ولا أحد يعرف إلى أين تنتهى.