مقالات

إعادة إنتاج الحريري.. تهدئة لبنانية وانتكاسة سعودية

محمد النجار

على خلاف التحليلات السعودية، والتيار المدعوم منها بلبنان، عاد رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري عن استقالته، في مشهد جماهيري أعاد إنتاج الرجل، أمام ما بات يراه خصوم الرياض أنها انتكاسة لها عنوانها لبنان الذي عاد المشهد فيه إلى ما قبل الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
الحريري الذي عاد إلى لبنان يوم الاحتفال باستقلاله، وألقى خطابين، أعلن في الأول من قصر بعبدا تراجعه عن الاستقالة، وفي الثاني أعاد إنتاجه زعيما سياسيا وشعبيا من بيت الوسط، أنهى 18 يوما أحدثها زلزال استقالته التي تلاها من الرياض، والتي تحولت لأزمة دخلت على خطها أطراف إقليمية ودولية، وكادت أن تشعل حربا ساحتها لبنان.
وبعيدا عن محاولات التلاعب بالألفاظ والعبارات التي جاءت على لسان محللين سعوديين، أو محسوبين عليها من اللبنانيين، ظهر الارتباك واضحا على تعاطي الإعلام السعودي مع عودة الحريري عن الاستقالة.

سعد الحريري لم يتراجع عن استقالته بل تريث في تقديمها بناء على طلب الجندي في ولاية الفقيه ميشال عون. بإختصار، اما ان يذهبوا لحوار يخضع رؤوسهم وينفذون الشروط المطلوبة سعودياً او الاستقالة والعقوبات.

فقد اختارت قناة العربية إعلان “تراجع” الحريري عن الاستقالة، بينما أسهبت وسائل إعلام أخرى ومحللوها في البحث عن فتوى لكلمة “التريث” بما يؤكد أن الحريري أكد على أسباب استقالته، وأن خطابه يؤكد أن الرياض لم تكن تحتجزه.

لكن محللين لبنانيين مؤيدين للحريري لم يخفوا مفاجأتهم من خطاب الحريري وتراجعه عن الاستقالة، واختار محللون عرب الترحيب بالحريري “مستقلا” في إعلانه وخياراته السياسية.

الحريري يصافح السفير الإيراني في بيروت خلال حفل الاستقبال بعيد الاستقلال (رويترز)المعسكر السعودي
ولم يخف المحلل السياسي المناوئ لـ حزب الله علي الأمين تأكيده أنه تفاجأ من مضامين خطاب الحريري، وهي المفاجأة التي ظهرت في غياب معلقين سعوديين ولبنانيين بشروا حتى قبل ساعات قليلة بأن الحريري سيؤكد على استقالته وأسبابه من قصر بعبدا وليس من الرياض.

بعد تجربة مريرة مع حزب الله منذ إغتيال والده وحتى الآن ليس أمام سعد الحريري إلا التمسك بإستقالته والتخلي عن الحكومة لصالح المعارضة مع حلفائه كخيار إستراتيجي لمواجهة تحالف عون – نصرالله. من العبث توقع شيئ لصالح لبنان من نصرالله وهو وحزبه ورقة إيرانية في الشام.

المحلل السياسي السعودي خالد الدخيل كتب على حسابه على تويتر قبل يوم من الاستقالة “ليس أمام سعد الحريري إلا التمسك باستقالته، والتخلي عن الحكومة لصالح المعارضة مع حلفائه كخيار إستراتيجي لمواجهة تحالف عون نصر الله، من العبث توقع شيء لصالح لبنان من نصر الله، وهو وحزبه ورقة إيرانية في الشام”.

والمعنى السياسي اللافت في تراجع الحريري عن استقالته، أن ذلك يبقيه رئيسا لـ حكومة لبنان التي يشارك بها حزب الله الذي أعلنه بيان وزراء الخارجية العرب الذين اجتمعوا في القاهرة الأحد الماضي حزبا إرهابيا، وهو ما دفع البعض لسؤال بدا أقرب لـ “الفانتازيا السياسية” إن كان الحريري أصبح اليوم رئيسا “لحكومة لبنان الإرهابية”؟

وأبرز ما أكد تراجع الحريري هو غياب اللغة الحازمة التي استخدمها في خطاب استقالته الذي تلاه من السعودية ضد إيران وحزب الله، ومفردات “قطع يد إيران” حيث غابت هذه اللغة عن خطابي الرجل في قصر بعبدا وبيت الوسط، لصالح عبارات لبنان وقوته ووحدته وسيادته.

وقرأ محللون ومعلقون على خطابي بعبدا وبيت الوسط بأنه بمثابة رسالة نهاية شبح الحرب التي كان يراد للبنان أن يكون ساحة لها بين السعودية وإيران، بينما اعتبرها آخرون رسالة قوة للحريري سينطلق منها لمواجهة حزب الله وتدخلات إيران بلبنان بقوة الحشود التي حضرت لتحيته في بيروت من كل مناطق لبنان.

النأي بلبنان
بالمقابل، فإن تكرار الحريري عبارة “النأي بلبنان” عن الصراعات في المنطقة، أظهرت برأي مراقبين حزما لديه بأنه سيتفاوض على ضمانات جديدة مع حزب الله والفريق الداعم له في لبنان يصل لمرحلة حقيقية من خروج الحزب من التدخل عسكريا في المنطقة.

b
بعد الذي حصل مع الحريري علينا أن نقتنع أن لا حضن دافئاً لنا جميعاً إلا لبنان فلنعمل لبناء دولة عادلة فيه يسودها قانون لا يميز بين لبناني وآخر وتحترم المواطن وتكون أماً حاضنة له
ر
وقصة النأي بلبنان بالذات، كانت محور خطاب أمين عام حزب الله حسن نصر الله قبل أيام في بيروت، حيث أعلن انتهاء المعركة في العراق وسوريا، ومهد لعودة مقاتليه من هاتين الدولتين.

نصر الله ذهب لأبعد من ذلك بنفي أي علاقة لحزبه بأي تدخلات أو نقل أسلحة في اليمن والكويت والبحرين، في رسالة لن تقنع المملكة السعودية، لكنها ربما تمهد لإعادة تموضع لدور الحزب مع مؤشرات تهدئة تلوح في المنطقة، بدأت بسوريا والعراق، ولا يعرف إن كانت ستنتقل لليمن.

واللافت أن هناك من اعتبر أن الأزمة الحالية ساهمت بإعادة إنتاج الحريري رئيسا لوزراء لبنان، وأن “أزمة احتجازه” كانت لصالحه وخياراته في التهدئة داخل لبنان، الأمر الذي اعتبره محللون لبنانيون إضعافا لخيارات استبداله، وإضعافا لما سمي “الرؤوس الحامية” التي حرضت الرياض على الحريري لأنه رفض مواجهة حزب الله في لبنان.

i
يستطيع الحريري الان بعدما أكد استقلال قراره مواجهة حزب الله فلقد بات أقوى بين شعبه وانصاره… الأحرار دوما أقوى وأكثر إقناعا .

بل إن بعض المحللين اعتبروا أن صورة الحريري التي أعيد إنتاجها في بيروت اليوم تؤهله ليكون أقدر على مواجهة خصومه في لبنان، ضمن إطار التسوية التي تم إعلانها العام الماضي.

وبين الشد والجذب، يبدو أن تجيير عودة الحريري وتراجعه عن الاستقالة سيستمر بين أنصار السعودية، وخصومهم في لبنان، بانتظار مصير تسوية يعيش الاستقرار في لبنان على وقعها، رغم الانتكاسة التي أصابت دور السعودية التي كانت أحد رعاتها، نتيجة الصدمة في معسكر أنصارها الذين أخذوا عليها ما اعتبروه إهانة لزعيمهم، والتي وظفها خصومهم جيدا.