مقالات

إيران وتحدي الهيمنة الأميركية

 
بقلم : غالب قنديل
 
أنجزت الإمبراطورية الأميركية خلال العام الماضي إخضاع الرئيس القادم من خارج المؤسسة التقليدية الحاكمة وطوقه مجلس الجنرالات الذين يحملون طموحات وهواجس المؤسسة العسكرية ويحركون قوتها الضاربة المنتشرة في العالم على مدى المحيطات والبحار في شتى أصقاع الكرة الأرضية.
 
على مدى سبعة وأربعين دولة تتواجد القوات الأميركية الخاصة وهي تخوض عشرات الحروب المعلنة والسرية ومعظمها حروب بالوكالة لتثبيت الهيمنة الأحادية الأميركية على العالم ولفرض توصية مجلس الأمن القومي الأميركي الدائمة بضرورة منع قيام أو نهوض قوى عالمية تنافس السيطرة الأميركية او تتحداها او تستطيع ان تفرض عليها قواعد مساكنة وشراكة جديدة تقوض تلك السيطرة وتراكم سوابق جديدة سياسية وعسكرية ودبلوماسية وقانونية تتوج بقيام نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.
 
ذلك النظام الجديد تجاهر بالدعوة إليه عدة قوى منافسة للولايات المتحدة وخصوصا روسيا والصين وإيران بينما تستهوي الدعوة العديد من الدول المعرضة للضغوط والحروب الأميركية بالواسطة او مباشرة في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية وحتى اوروبا نفسها تشهد تفاعلات لتلك الفكرة التي يلح عليها الموفدون الروس عندما يتحدثون عن اوراسيا لجذب اهتمام الغرب الأوروبي الخاضع لواشنطن إلى وجود آفاق جديدة تتيحها الشراكة مع روسيا وقوى الشرق الصاعدة.
 
استطاع الثلاثي الصيني الروسي الإيراني خلال السنوات الماضية ان يطور شراكته الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية وباتت واشنطن ترصد في كل بادرة إيرانية اقتصادية او عسكرية ام سياسية ملامح المدى الصيني والحزم الروسي في بناء السدود الاستراتيجية لصد القوة الأميركية الفالتة والمتغطرسة وقد أثبت الميدان السوري حقيقة هذه المعادلة واليوم يتورط البنتاغون بالإبقاء على القوات الخاصة الأميركية في انحاء من سورية رهانا على التأثير في المعادلات وفي مستقبل الموقع السوري من حركة الصراع ومن التناقضات الدولية والإقليمية.
 
تملك إيران مقدرات كبيرة وغنية وقوة عسكرية فاعلة وتأثيرا سياسيا مهما وهي قوة صاعدة في جميع المجالات ويراهن المخططون الأميركيون والصهاينة باستنزافها على إخماد اخطر وجوه المنافسة مع التكتل الشرقي الذي يضم روسيا والصين وإيران التي تعتبرها دوائر التخطيط الأميركية رأس الرمح الشرقي وتعاملها واقعة بوصفها كاسحة ألغام تشق الطريق امام روسيا والصين إلى حوض المتوسط وهم يعرفون الكثير عن مشاريع طريق الحرير الصيني وعن الشراكة الروسية الإيرانية في سورية والعراق وحوض بحر قزوين والشرق الأقصى.
 
المصلحة الأميركية والصهيونية واحدة في هذا الأمر لأن إيران هي قطب القوة الإقليمي الرئيسي في مجابهة الكيان الصهيوني وشريك مباشر في محور المقاومة الذي حول تهديد سورية إلى فرصة لتغيير البيئة الإقليمية برمتها.
 
تستكمل الهجمة على إيران حلقات التحرك الأميركية العالمية لمحاصرة روسيا ولاعتراض الصين والسعي مع الكيان الصهيوني لمحاصرة سورية والعراق والمقاومة بالشراكة مع الحكومات العربية التابعة بقيادة السعودية وحيث يمثل استنزاف إيران وتخريب استقرارها حلقة رئيسية في هذه الخطة الجاري تنفيذها وكلما فشلت في أحد فصولها انتقل المخططون إلى فصل جديد.
 
أسقطت الإمبراطورية الأميركية جميع التسويات الكبرى من حسابها فهي مسكونة بقلق الانهيار والأفول نتيجة انبثاق القوى العالمية الجديدة من بين عمالقة الشرق وحين يتثبت المخططون من إنهاء التحدي الإيراني سيشعلون حروبا بالواسطة او يحركون ثورات ملونة جديدة ضد روسيا والصين بل إن هذا التخطيط يجري من زمن ورغم فشلهم مع إيران لن يكفوا عن تفجير ازمات لشريكيها الروسي والصيني ومحاولة استنزافهما بالوسائل والأدوات نفسها.
 
توهم كثيرون منذ سبع سنوات ان تعقد صفقات عالمية كبرى نتيجة هزيمة الحرب الاستعمارية على سورية أو نتيجة الاتفاق النووي الإيراني الذي تبخرت جميع رهانات تحويله إلى شهر عسل بين طهران وواشنطن ان الفشل يتلو الفشل في حروب الإمبراطورية المتنقلة وحصاراتها المتراكمة ضد القوى المنافسة ونهجها يؤكد تصاعد عدوانيتها فالصراع يستمر ولا صفقات ولا من يتوهمون والأرجح ان حزب الحرب الأميركي الذي قد يبدل جلده ورموزه وهو يقترن باللوبي الصهيوني لن يكف عن مهاجمة المنافسين في جميع انحاء العالم بكل الوسائل المتاحة وباستنفاذ قدرة العملاء والوكلاء دفعة واحدة رغم العجز المتراكم عن تحمل اعباء الحروب الكبرى.