مقالات

الأردن: سقوط البرلمان.. والمساواة في الانتهازية بين دعاة الوطنية ودعاة الحقوق المنقوصة.. والملك مستهدف

 
خالد عياصرة
فهم طبيعة الأشياء يُوجب فهم تطورها، فالمؤسسات لا يمكن تحليل دورها إلا بتحليل تطورها على مر التاريخ، هذه الرؤية دشنها الفيلسوف الألماني هيجل.
لذا، لا يمكن الوقوف على دور مجلس النواب الأردني، دون النظر إلى تاريخه، من حيث البنية التشريعية والرقابية والحزبية والفعل الجمعي، دور العقلية الأمنية ومحاولاتها للسيطرة عليه، فالعقل الأمني – على الأغلب – صاحب النعمة التي حملت النواب وحمتهم، رغم السقوط الشعبي الذي مَاز تجاربهم، لمَا لهم من إدوار مشبوهة تتنقل ما بين الموالي والمعارض إلى الأقليمي والفردي على حساب الشعبي والوطني.
هل يعي مجلس النواب ذاته فعلياً، و دوره المحدد دستورياً بالرقابة والتشريع؟ فالمجلس دستورياً مستقل عن السلطات، لذا تعقد عليه الآمال شعبياً، وفي حال تغولت الحكومات على سلطته، عاد الى قواعده واستمد الشجاعة منها لمواجهة الحكومة.
لكن الحقيقة الدستورية تنقلب رأساً على عقب إن تحولت نظرة المجلس لنفسه بإعتباره طفرة جينية، لكونها تصنع منه مسخاً شمولياً يستفرد بالسلطة خدمة لمصالحه، ففي الحالة الأولى ثمة وعي وإرادة وروح تمده بالشرعية، أما في الثانية فهناك ديكتاتورية شمولية مرعبة لا تكترث لآراء الآخرين فيه، بل تدعو إلى مصادرتها، لننظر لتصرفات النواب مع الصحفيين، ومع المواطنين في الأشهر الماضية.
فقدان الروح التشريعية والرقابية التي يستمد جسد المجلس منها شرعيته، اسقطته في أحضان السلطة التنفيذية، وحولته لتاجر جشع لا يكترث إلا لمرابحه، بعدما وافق على إنتاج حالة تعاقدية مع الحكومة،
ليست العلاقة بين السلطتين لإنتاج منفعة تبادلية جمعية وطنية، بل بإعتبارهم فردية تُسهل السيطرة عليهم، وفق سياسية السوق والتاجر، كل هذه وأكثر تجر المجلس للدمار الأخلاقي أولاً والشعبي ثانياً والتاريخي ثالثاً.
عملياً، غياب الروح أدى بالمجلس إلى التنازل عن سلطته – سلطة الرقابة والتشريع – لصالح تمكين وتعزيز سلطة الحكومة التنفيذية – الأمنية – المرعبة والمُشهره دوماً سيفها فوق رقاب المجلس في حال حاد عن المسار المرسوم له مُسبقاً لهم.
المشهد برمته لا تختلف تفاصيله بين دعاة الوطنية الأردنية وبين دعاة الحقوق المنقوصة، بين تقلب الإسلاميين بين نفاق اليساريين وانتهازية الليبراليين والراسماليين، فالجميع فيما يشهده الأردن شركاء، لا يمكن النظر اليهم بعين مفردة، فنتاج أفعالهم جمعية تطالُ شعباً بأكمله.
لذا، هل من الإنصاف قراءة أقوال وأفعال هؤلاء بإعتبارها تاريخاً يؤسس و يُسهم في تطور العمل النيابي والديمقراطي ؟ هل يمكن اعتبار خيانتهم المتواصلة، أساساً لبناء دولة مدنية تحترمُ وتلوُذ عن جميع أبنائها وتأخذهم للمستقبل ؟
إن تفسير التشوهات العمل النيابي التي وجدت لإضعاف دوره، يظهر حقيقة الدور الفعلي للمجلس، كيف تستطيع ان تكون سوياً للإيمان بنائب يدعي المعارضة، وفي صف الجوع الكافر والشعب، لكنه يمنح الموافقة على الموازنة العامة، بما تضمنته من رفع جنوني للأسعار؟ وبين موقفه المعارض القائم على حجب الثقة عن رئيس الوزراء؟ أو بين النائب الذي منح الثقة للإبقاء على كبير موظفي الدوار الرابع، وذاك الذي توافق مع أجندة جبائية ابتدعتها الحكومة، بأستخدام ثيمة الأمن والإستقرار؟
لكن، هناك صورة كارثية شكلها المجلس والحكومة معاً، ترتبط بالصراع المصيري بين أذرع الحكومة وأجهزتها الأمنية، المنقسمة على نفسها، ما بين موافق ومعارض لسياسيات القصر و وآخرين مؤمنين برؤيته، وتيار ينظر من مجهر الدولة العميقة بما تمثله من بنوك وشركات أمنية وغيرها، انطلاقاً من نظرتها الرافضة لإشراك من هم خارج دوائرها في صناعة المشهد.
كل هولاء قادوا هجوماً عنيفاً على سياسيات الملك، لتحجيم دوره وحصره في أطر ضيقة يمكن التحكم بها خدمة لصالحهم، بحيث يصير الملك والشعب في حيز واحد، يتعرضان للضغط من السلطتين التنفيذية الأمنية و التشريعية. هذا مع حصر الإتهام وردات الفعل بين الملك والشعب دون سواهما، فالملك في نظر الشعب المسؤول عما آلت اليه الأمور، لكن لا أحد يتحدث عن تقصير الحكومة وفشل برامجها وسذاجة وعدم خبرة القائمين عليها، لا أحد يتحدث عن سقوط العمل النيابي و وتجيره لصالح أفراد مقاولين برتبة نائب، يبحث وراء توسيع مشاريعه وتعظيم ثرواته، ويقبل ويسعى للتواصل مع المواطنين في بيوتاتهم، يضحك معهم يتملقهم في سهراتهم، حتى وإن ظهر في مظهر المنافق المتعدد الوجوه، الذي لا يخجل من جرائمه !!
وعليه، لفهم طبيعة مجلس النواب الحالي الفاقد للعمل التشريعي والرقابي بإمتياز، وجب الوقوف على خارطة تحركاته منذ تأسيسيه، وكيف كان دوماً ضد الصالح العام، خدمة لأهداف مشبوهة تزداد شراسة كلما أحس أن ثمة شعب بدأ يتحرك بحثاً عن هويته و مصالحه، بذا كانت فعلته الأخيره – إعادة الروح لحكومة الملقي وتجديد الثقة بها كما هو متوقع – فاقدة لعنصر الدهشة، لربما لأن المجلس كان بلا روح، أو لأنه فقد قلبه وعقله معاً، وبات جسده مستبحاً آناء الليل وأطراف النهار لمن يدفع أكثر، مقابل الحصول على متعة آنية، تتلاشى ما أن تنتهي طقوس الفعل.