مقالات

الاردن: الإقتصاد كدمات في غرفة الإنعاش

 
احمد محمود سعيد
تواجه الحركة الإصلاحيّة في الأردن خاصّة في محورها الإقتصاديّْ بعض العقبات في وجهيها الإيجابي متمثلا بالإستثمار الداخلي والخارجي وفي وجهها السلبي المتمثلة بالإستياء الشعبي وفي كلا الحالين لم تستطع الحكومة حتّى الآن التغلب على تلك العقبات او السيطرة لتوازن إيجابيات وسلبيات تلك الإصلاحات بالرغم من إتِّخاذ خطوات ملكيّة بتعديل الحكومة خاصّة الفريق الإقتصادي فيها .
وتشير المعلومات الرسميّة الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامّة في المملكة الى صعود أسعار المستهلك (التضخم) في الأردن، بنسبة 3.6 بالمائة على أساس سنوي، في شباط الماضي، مقارنة بالشهر ذاته 2017.
 
وقد ساهمت في الارتفاع مجموعات النقل بنسبة 9.1 بالمائة، والحبوب ومنتجاتها بنسبة 22.4 بالمائة, كذلك صعدت مجموعة التبغ والسجائر بنسبة 14.6 بالمائة، والإيجارات بنسبة 2.9 بالمائة، والوقود والإنارة بنسبة 5.9 بالمائة , وقد ارتفع الرقم القياسي لأسعار المستهلك لشهر شباط 2018 مقارنة مع الشهر الذي سبقه من نفس العام بنسبة 1.5 بالمائة.
 
علما بان الأردن قد بدأ منذ مطلع العام الحالي، بتطبيق سلسلة إجراءات، تهدف إلى تأمين إيرادات تقدر بنحو 500 مليون دولار، كجزء من البرنامج الإصلاحي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي.
 
ومن أبرز هذه الإجراءات زيادة ضريبة المبيعات، وزيادة أسعار الوقود، وعدد كبير من السلع الغذائية والخدمات، وأجور النقل، إضافة إلى زيادة أسعار الكهرباء، و رفع الدعم عن الخبز، اعتبارا من نهاية كانون الأول الماضي، إذ صعدت أسعارالخبز بنسب وصلت إلى 100 بالمائة
 
والكل يتذكّرتصريح دولة اوّل رئيس حكومة في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني عندما كلّفه جلالة الملك برئاسة الحكومة في آذار 1999 حيث قال بأنّ (الاقتصاد الأردني في غرفة الإنعاش ) وعندها قامت الدنيا ولم تقعد ولكن بمرور الوقت أصبحنا نعي بان مقولة دولته كانت صحيحة وصريحة والآن وبعد مرور ثمانية عشر عاما نلاحظ بان تصريحات الحكومة حول الوضع الاقتصادي تدور في فلك ذلك التصريح بالرغم من جرس الإنذار الذي أطلقه دولته وحتى الآن لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من ابتكار أو إيجاد حلول ناجعة للحد من تفاقم مشكلتنا الاقتصادية بكافة أشكالها من عجز وديون وفقر وبطالة ، بالرغم من أن كتب التكليف السامية للحكومات المتعاقبة كانت تركز دائما على المشكلة ألاقتصاديه وضرورة ان يشعر المواطن بالتحسُّن المطلوب , فالمواطن العادي لاتهمه لغة الأرقام والخطط والتنظير والأسماء وإنما العيش ميسور الحال وهذا ما لم يجده الآن وصدق المثل القائل مالي أسمع جعجعة ولا أرى طحناً .
وتبذل الحكومة الأردنيّة جهودا مضنية على الحدّين المؤلمين حدّْ إقناع الشعب الجائع وحدّْ إقناع الجهات المموِّلة مستخدمة جميع السبل ومنها القنوات الفضائيّة بمقابلات مع وزراء عاملون او سابقون وكبار الموظفين العاملين او من لهم مسموعات شعبيّة او النوّاب والأعيان وغيرهم ولعلّ زيارات جلالة الملك لمختلف دول العالم هي اكبر دليل على إرادة الدولة الأردنيّة الصادقة في مساعيها لإصلاح مسيرتها الإقتصادية والإلتزام بما تتعهد به بأقلِّ تأثير على حياة الناس .
وتتباهى الحكومة بان الأردن يراجع إتفاقيات التجارة الحرّة مع الدول الأخرى ليرى نجاعة تلك الإتفاقيات بالنسبة للأردن ويأخذ إجرائاته بحيث لا يتحمل اي شروط جزائيّة , كما يتباهى بأنه تقدّم خمسة عشرة درجة على مقياس التعامل بالبيئة الإستثماريّة او انه تم أتمتة عشرة إجراءات في وزارة الصناعة والتجارة وان ستة إجراءات سيتم أتمتتها عام 2018 او ان الصادرات الى العراق زادت 10% عام 2017 عن عام 2016 مع ان الحدود تم فتحها في آخر شهرين من ذاك العام وان الحكومة تعمل على دراسة القوانين الهامة للمنظومة الإقتصاديّة مثل قانون التفتيش وتعديلات قانون الشركات وإنشاء ما يسمى بالشركات المغامرة وكذلك قانون الأموال المنقولة لسندات لا دين حيث ان الرهن لخط الإنتاج فقط دون تأثر ممتلكات اصحاب الشركة وكذلك قانون الإعسار والإفلاس للشركات ويتباكى مسؤولون على إنغلاق اسواق تقليديّة مثل اسواق العراق وسوريا واليمن وليبيا وبعض الأسواق الأوروبيّة نتيجة الحروب في المنطقة بالسنوات الأخيرة وطبعا هذا التباكي نتيجة عدم وجود خطط طوارئ بديلة وحتّى عدم وجود مجرّد افكار لظروف إستثنائيّة ولذلك نرى الإقتصاد المريض تأتيه الكدمات حتّى وهو في غرفة الإنعاش ومع انّ الأردن لديه اكفّاء من الأطباء الذين يستطيعون تشخيص المرض بدقّة إلاّ أنّ الحكومات المتعاقبة لم تكلِّف خبراء المال والإقتصاد الأكفّاء حتى الآن او لم تعطهم الصلاحيّة والضوء الأخضر لوضع العلاج الجذري مهما كان مؤلما للبعض فإنّه افضل من تكرار إعطاء المسكِّنات التي تخدِّر لفترات قصيرة ولكنها ذات آثار جانبيّة كبيرة وخطيرة مع مرور الزمن .
إن التخطيط الشامل والناجح يبدأ بوضع الهدف ويبدأ العمل من اجل تحقيق ذلك الهدف ووضع البدائل ضمن تلك الخطط المبرمجة زمنيا ولنجاح ذلك يجب ان يحمل تلك الخطط رجال ونساء هم اهلا لها أوّل صفاتهم ان يكونوا زاهدين منتمين لبلدهم وقيادته ومواطنيه وقد بدأ اولى الخطوات الناجحة جلالة الملك من خلال الجلسات الحواريّة والخلوات المتخصِّصة التي بدأها جلالته مع بداية عهده الميمون ووضع الخيوط الأولى للتغيير والفترات الزمنية اللازمة للتنفيذ ولكن لم يجد جلالته من النخبة التي كانت تختلي سوى كلمة نعم خجولة وكأن اولئك المسؤولون إعتقدوا ان المطلوب هو نعم فقط إرضاء لجلالة الملك وتناسو ضرورة إرضاء الله والمواطن والضمير مما أدى الى إنهيار المعادلة التي راهن عليها جلالة الملك وهي
خطّة محكمة مبرمجة زمنيّا +أردنيون بضمائر اردنية= وطن جديد
وقد أدّى إنهيار المعادلة الى تقوية سلطة الفاسدين وانتشار قبضتها وهكذا تحوّل الوطن الجديد الذي اراده جلالة الملك بفضل الكثير من اولئك المسؤولين والذين كانوا يمثلون قوى الشد العكسي الى وطن ذو إقتصاد مريض مثقل بكثير من المديونية والآفات الإقتصادية والإجتماعيّة وقد حاول جلالته بجهود مضنية لكي يواجه الأردن التحديات الداخلية والإقليميّة والدوليّة ولكن كان جلالته بحاجة الى النخبة المخلصة لتنفذ النتائج التي تصل اليها جهوده ولكن الحكومات والمسؤولين اكتفوا بالتصفيق والتأهيل وتحقيق المكاسب الشخصية بغير وجه حقِّ مستغلِّين الظروف التي يمرُّ بها الوطن والمواطنون متناسين ما دعى اليه جلالته اوّلا من ضرورة نزول المسؤول للميدان وثانيا من العمل بإعتماد التفكير التعاوني الجماعي والإبتعاد عن التفكير الخطّي الفردي .
ربِّ احفظ الوطن ارضا وشعبا وجيشا وقيادة وهيِّئ له كل اسباب العزِّ والسؤدد لتبقى رايته مرفوعة وابعد عنه شر أي فاسد وحاقد .