مقالات

الاردن وجديتيه في الاصلاح السياسي

د. معن علي المقابلة
تجلى منع محافظ العاصمة الاردنية عمان حفل اشهار “تيار التحالف المدني” يوم الجمعة الماضية 22/12/2107 تناقضاً صارخاً لخطاب وتوجهات رأس الدولة الاردنية الملك عبد الله الثاني في حديثة المستمر عن الاصلاح السياسي ، والتمكين الديمقراطي ، والانتقال التدريجي للحكومات البرلمانية من خلال خلق بيئة سياسية قابلة للحياة الحزبية ، هذا الخطاب والافكار التي طرحها الملك في اوراقه النقاشية والتي بلغت سبعة اوراق.
ففي ورقته الثانية يتحدث الملك عن “حاجتنا إلى بروز أحزاب وطنية فاعلة وقادرة على التعبير عن مصالح وأولويات وهموم المجتمعات المحلية ضمن برامج وطنية قابلة للتطبيق”. كما وتحدث بوضوح عن الحكومات البرلمانية ففي الورقة الثالثة يقول” إن تعميق نهج الحكومات البرلمانية سيتدرج وفق تقدم العمل الحزبي والبرلماني وعلى عدد من الدورات البرلمانية “. فبعد مضي اكثر من خمس سنوات على نشر الورقة الاولى نشرت بتاريخ 29/12/2012 نجد التضييق على الناشطين واعتقالاتهم ورفض ترخيص بعض الاحزاب ومنع اشهار الفعاليات الحزبية كما حدث مع تيار التحالف المدني ، هو سيد المشهد في الساحة السياسية الاردنية.
وهنا اود ان اقف امام حالتين تعاملت معهما الحكومة مؤخراً معاملة عرفية تتناقض مع ما يطرحه الملك ، وتجعلنا غير قادرين على فهم موقف الحكومة منهما ، الحالة الاولى منع ترخيص حركة التصدي والبناء كحزب والحجة المعلنة لهذا المنع ان احد اعضاء الحزب المتقدم للترخيص مارس عملاً سياسياً قبل الحصول على الترخيص ، وكان هذا العمل اصدار بيان استنكار لاعتقال احد افراد المجموعة التي تقدمت لترخيص الحزب.
اما الحالة الثانية فهي منع اشهار حزب قيد الانشاء عرف عن نفسه في الاعلام باسم تيار التحالف المدني.
الحالتان اللتان تم منعهما لديهما قواسم مشتركة يجتمعان عليها ، ولديهما بعض التباين ، فبالنسبة للقواسم المشتركة ؛ ان الحزبين لا تحكمهما أيديولوجيا محددة فأعضاء الحزبين من مشارب ومدارس سياسية مختلفة ، فتجد بينهما اليساري ومن هو في اقصى اليسار ، واليميني ومن هو في اقصى اليمين ، والمحافظ ، والليبرالي والديني واللاديني ، المسلم والمسيحي ، فهما حزبان برامجيان اصلاحيان لديهما تصورات واضحة حول الاصلاح السياسي في الدولة ينطلق من الشراكة الحقيقية في ادارتها ، من خلال التحول من الملكية المطلقة الى الملكية الدستورية ، وتفعيل دور الاحزاب ، على غرار ممالك اوروبا.
وقد نفهم رفض السلطات لترخيص حركة التصدي والبناء فمعظم كوادر هذه الحركة هم من ناشطي الحراك الشعبي الاردني بل من قياداته وخرجوا من رحمه ، ولا زالوا يحملون شعاراته ، وقد خَبرهم النظام ويدرك انهم لن يقبلوا ان يلعبوا لعبة الاحزاب التي ارتضت لنفسها ان تكون مجرد ديكور لإضفاء الشرعية على ممارسات النظام ، فقد تعرض معظم افراد هذه الحركة للاعتقال طيلة سنوات الحراك ، وحاول بعدة وسائل تفكيك هذه المجموعة الا انه فشل في ذلك.
بينما العصي على الفهم رفض اشهار تيار التحاف المدني ، فاذا نظرنا الى كوادر هذا التيار نجد من بينه رجال دولة سابقين فاحد منظري وصاحب فكرت هذا التيار كان نائباً لرئيس الوزراء وزيراً لوزارات سيادية كالبلاط الملكي والخارجية والاعلام ، وسفيراً لأهم دولتين للنظام الولايات المتحدة واسرائيل ، ونجد من بين كوادر هذا التيار نواب سابقين وصحفيين حسبوا على النظام وفتحت لهم ابوب مؤسساته الاعلامية ، الا ان هذا التيار عندما قدم طروحات سياسية غير تقليدية ترتكز على التداول السلمي للسلطة واحزاب غير تابعة للسلطة تؤمن بالشراكة وليس التبعية تم التضييق عليه.
من هاتين الحالتين ندرك ان النظام ليس جدياً في حديثه عن الاصلاح السياسي ، وليس معنياً بدولة مدنية ، ولا حياة حزبية حقيقية ولا يزال يمارس لعبته القديمة في ادارته للدولة وتعامله مع القوى السياسية ، فهو يريدهم اتباع وليسوا شركاء ، يريدهم موظفين لا سياسيين.
واخيراً وليس آخراً ، على النظام ان يدرك ان العالم لم يعد ينظر للعالم العربي بعد الربيع العربي كما كان ينظر اليه قبله ، كما ان المتغيرات التي تحدث في الاقليم وعلى مستوى الملف الفلسطيني وبالتحديد القدس ، وتبدل التحالفات ، والضغوط الاقتصادية التي تمارس على الاردن دولةً وقيادةً تتطلب مقاربات ومعالجات مختلفة عما كانت في الامس القريب والبعيد ، اقلها اصلاح سياسي حقيقي يُشرك نخب المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في ادارة الدولة.