مقالات

الانتخابات ستجرى في لبنان والعراق في أيار.. فهل من ارتباط؟

 
 
بقلم : روزانا رمّال
 
لم يعُد ملف تأجيل الانتخابات النيابية أمراً مقلقاً كما كان عليه في السنوات الماضية التي أجبرت اللبنانيين على التمديد على الرغم من أن «أغلبيتهم» لا يودّون ذلك إلا أن الارتباطات الخارجية وانتظار نتائج الميادين العراقية والسورية بشكل خاص لمعرفة مصير لبنان وميزان القوى أخذت الأغلبية السياسية نحو ذلك، أما الأغلبية «البرلمانية» فهي لم تكن تريد الخضوع لأي نوع من الاستحقاقات الخطيرة التي كانت تمثلها الانتخابات لأنها خسارة محتّمة قبل استيضاح المشهد.
 
الرهان الأول والأساسي كان على إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد بشتى الوسائل أكان عبر السياسة أو العملية العسكرية التي استنجد بها لبنانيون بتقارير بعثت لسفارات أجنبية وبتحريض من وسائل إعلام ومواقع الكترونية تمّ تمويلها من أجل القضية. سقوط بشار الأسد كان يعني «الاحتفاظ» بالأغلبية المطلقة في البرلمان لصالح خصوم سورية، بل اكتساح المجلس النيابي سياسياً من دون التفات هذه الفئة. إن هذا السقوط كان يعني في مرحلة من المراحل تفشي الإرهاب والفوضى في سورية وانتقاله عبر المنافذ الحدودية اللبنانية البحرية والبرية واحداً غير قادر على ضمان إجراء انتخابات أو بقاء لبنان «الدولة».
 
في ظروف أقل من هذا الاحتمال أي «سقوط الاسد» كان وزير الداخلية نهاد المشنوق يبرر للبنانيين أن لبنان غير قادر على إجراء انتخابات لان الوضع الامني لا يسمح بذلك، إلا ان الاحداث اثبتت ان الاوضاع بقيت مستقرة الى حد ما حتى قبل عمليات فجر الجرود وعرسال. بالمقابل كانت المعضلة الأساسية هي اتفاق على قانون الانتخابات القادر على حفظ الأغلبية الحالية وهي أيضاً واحدة من طرق «الحرب» للتمسك بنفوذ خارجي داخل لبنان وأي قانون انتخابات لا يأتي بالأغلبية الحالية نفسها هو قانون يعني «إخراج النفوذ السعودي» من لبنان او عالأقل إضعافه.
 
توصل اللبنانيون أخيراً الى قانون انتخابات «نسبي» عليه «بعض» الإشكالات، لكنه حظي بتأييد الأغلبية في محاولة لتحسين شكل العملية الانتخابية وتطويرها بعد خروج الوجود السوري منه.
 
لكن بالمقابل وبالنظر الى زاوية أخرى من المنطقة العربية كان هناك العراق أيضاً الذي يعيش دوامة لبنان نفسها في تأجيل الانتخابات وفي إجرائها من عدمها. وكل هذه الأمور كانت للسبب نفسه. وهو «ترجيح» كفة القوى المعادية لإيران في العراق وهو أبرز ما يقلق الأميركيين والسعوديين. وبالمحصلة استطاع العراقيون التوصّل أخيراً لاتفاق حول إجراء الانتخابات والسبب واضح: الميدان العراقي نجح في السيطرة على تقدّم داعش وقضى بقتال الجيش العراقي والقوى الشعبية على دولة الإسلام «المزعومة» فأخذت الأمور نحو أمر واقع صار على الأميركي والسعودي تقبله.
 
محاولات تأجيل الانتخابات العراقية كانت مشروعاً متقدّم الاحتمالات حتى بضعة أيام، وكان الأكراد أبرز المعترضين على ذلك، اضافة الى القوى المعروفة بحجة ضرورة عودة كامل النزوح، ومن دون شك دولة كردستان التي كادت تطيح بإنجاز الدولة العراقية، أعادت بفشل تحقيقها وضع النقاط على الحروف وأعادت تموضع بعض التوازنات.
 
بالنتيجة توصل البرلمان العراقي بالإجماع إلى اتفاق إجراء انتخابات تشريعية في الثاني عشر من أيار المقبل، رغم مطالبة الأكراد والأحزاب السنية بتأجيلها لحين عودة مئات الآلاف من النازحين إلى ديارهم وممارسة حقهم الانتخابي. وتمتدّ فترة ولاية مجلس النواب العراقي الذي يضمّ 328 مقعداً لأربع سنوات.
 
الأكيد أن القوى المؤيدة للسعودية تعاني اليوم مأزقاً واضحاً في لبنان والعراق، وبعد حسم الميادين المذكورة المؤثرة في الانتخابات بالبلدين أي سورية والعراق، صار الأكيد أيضاً أن نتيجة هامة ستحصدها القوى هذه بوجه المشروع الغربي.
 
نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم يقول بالأمس إن «الغرف السوداء التي لا تريد إجراء الانتخابات ليست وطنية بل خارجية. ونحن نعمل منذ 4 أشهر على دراسة السيناريوات الانتخابية من أجل رسم الصورة الانتخابية في كل لبنان». كلام قاسم يؤكد أن هناك محاولات لتأجيل الانتخابات من خارج الحدود، لكن بمجرد إعلان الاتفاق حول الانتخابات العراقية التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالانتخابات البرلمانية اللبنانية لأنها تحسم أكثريات حاكمة في المنطقة للسنوات الأربع المقبلة، فإن هذا يعني ان القوى الغربية صارت بأجواء صعوبة التأجيل والوقوف عند خيار إجراء الانتخابات بالبلدين، بل وتقبّل النتائج، لكن هذا لا يعني الاستسلام.
 
تضطر القوى المدنية في لبنان الى مواجهة جدية كناية عن مجموعة إعلاميين وشخصيات معروفة مؤثرة ثقافياً بالشباب اللبناني بين مخرجين وأساتذة جامعيين، بينهم عدد من الفنانين لدعم حملة كبيرة بدأت تتكشّف معالمها بأسماء تعلن نيتها الترشح. وهذا يعني أن قوى ستموّل هذه المجموعة لتخرق قدر الإمكان من هيمنة حزب الله وحلفائه في الحكم ومن هيمنة الصوت السني المعتدل الذي سيجسده الحريري في وقت هناك حاجة على المقلبين لأصوات متطرفة وأصوات توحي بثقافة انفتاح وطموح وأمل لا «يمانع بالتطبيع» مع «اسرائيل»، فيما لو سارت الأمور كما يتأمل.
 
المنافسة الانتخابية صحية، لكن الأشهر القليلة المتبقية ستكون حافلة بالمستجدات والعروضات والإغراءات التي ستعرض على المرشحين في العراق ولبنان من قبل قوى خارجية، مواجهة حزب الله وحلفائه في المجلس النيابي هو الهدف الأكبر، لكن مصادر حزب الله تقول إنه مرتاح أكثر من اللزوم لنتائج الانتخابات المقبلة «المتوقعة» بعد انتصارات ميدانية قلبت موازين القوى في المنطقة وصار من الصعب مجابهتها.

admin