مقالات

{البعث صناعة امريكية }

حسن فليح /محلل سياسي

الجزء الثاني

وفي للقاء لمحمد حسنين هيكل مع الملك حسين في جريدة الاهرام العدد 27 / 1963 قال الملك حسين جرت للقائات سرية للمخابرات الامريكيةمع قيادات بعثية في الكويت زودتهم بقوائم الشيوعيين لاجل تصفيتهم باحداث الثامن من شباط 63 ايام الانقلاب على غبد الكريم قاسم ، المدعوم من قبل الشيوعيين ، واوضح ايضا ان دموية انقلاب 63 كانت بتوجية المخابرات الامريكية لاعطاء درس للسوفيت بأنه لامكان لكم بالشرق العربي.
بعد انقلاب تموز 68 تبدل الحال للبعثيين واستوعبوا الدرس من تجربتهم الدموية في انقلاب 63 ضد عبد الكريم قاسم والانتقام القاسي من الشيوعيين الذي تحدثنا عنه بشكل مقتضب في مقالتنا هذه ، وفي حركة 68 حرص حزب البعث ان لا يعيد تجربة 63 الدموية وحينها لم يتعرض عبد الرحمن عارف للاذى ولا احد من حكومته واطلقوا على انقلابهم بالثورة البيظاء اي بلا دماء ، وحقيقة الامر انها اول حركة انقلابية منذ تاسيس الدولة العراقية لم يحدث فيها اراقة الدماء عكس كل الانقلابات العسكرية والسياسية التي حدثت بالعراق !! شرعت حكومة البعث الجديدة بتقوية العلاقة مع الشيوعيين على عكس تجربتهم في 63 وتم اطلاق جميع السجناء السياسيين وهدم نكرة السلمان سيئة الصيت والدخول في حوار جبهوي نتج عنه اعطاء الحرية للحزب الشيوعي في ممارسة نشاطه بالعلن ودون ملاحقات مع اصدار صحيفة طريق الشعب الناطقة باسم الحزب الشيوعي العراقي وتم تنصيب وزيرين للري والدولة من الشيوعيين وهما عامر عبدلله ومكرم الطلباني ، والدخول في حوار معمق لحل المشكلة الكردية مع الاكراد بزعامة ملا مصطفى البرزاني وجلال الطلباني والخروج بنهاية المطاف بأعطاء الحكم الذاتي للاكراد في بادرة تاريخية لم تحصل مع اكراد المنطقة عموما وشكلت سابقة خطيرة اغاضة دول الجوار لخشيتهم من مطالبة الاكراد المتواجدين في دولهم اسوتا بالتجربة بالعراق ، لم يكتفي البعث بهذا القدر وتجاوز الخطوط الحمر وقام بتأميم النفط من الشركات الاحتكارية في خطوة ثورية جريئة لم يقدم عليها احد من الدول النفطية بالمنطقة واقام علاقات وطيدة مع دول شرق اوربا الشيوعية وابرم اتفاقية دفاع مشترك مع السوفيت في عام 72 والشروع بمحو الامية ومجانية التعليم وارسال البعثات الى دول العالم بالالاف للدراسة وكسب الخبرات، واطلاق العنان للتنمية في كافة المجالات ، الامر الذي جعل من امريكا والغرب يشعر ان العراق اصبح موطن قدم وساحة نفوذ سوفيتية لاسيما وان الحزب الشيوعي اليمني في عدن استطاع من تشكيل الحكومة في الشطر الحنوبي من اليمن بقيادة سالم البيض وعبد الفتاح اسماعيل ، وكذلك في السودان عندما قام الحزب الشيوعي بالانقلاب العسكري بقيادة هشام العطا والذي تم اجهاض الانقلاب من قبل السادات والقذافي واخراج جعفر نميري من السجن بعد نجاح الانقلاب وذلك بأوامر امريكية صدرت للسادات والقذافي بالتحرك سريعا واجهاض الثورة الشيوعية بالسودان ، حينها قام العراق بارسال وفد للمباركة الانقلابين في السودان برئاسة شاذل طاقة ولم يصل الوفد العراقي المُبارك نتيجة انفجار الطائرة في ظروف لازالت غامضة ، مما يعني انتشار المد الشيوعي واخذ بالانتشار وهذه المرة على صعيد استلام الحكم في دول عربية مهمة مثل اليمن بحيث شكل هاجسا لامريكا وعموم الغرب ، بالوقت الذي قام البعث العراقي مع البعث السوري مباحثات معمقة من اجل اقامة الوحدة بين البلدين للحد الذي تم تشكيل اللجان المشتركة في كافة تفاصيل الوحدة وابعادها السياسية والاقتصادية والقانونية والعسكرية والثقافية وتبادل الزيارات بين الشعبين عبر بطاقة الاحوال المدنية دون الحاجة لجواز السفر وتاشيرة الدخول ولم يتبقى سوى اعلان الوحدة ، وهنا اصبح الخطر اكبر على اسرائيل والغرب مما دفع الامريكان بمفاتحة صدام العدو الدود لحافظ الاسد وصاحب الشعور الذي تجلى له بابعاده عن فرصة تسلم رئاسة الوحدة بوجود البكر وحافظ الاسد المتناوبين عليها حسب اتفاقية الوحدة التي باتت وشيكة للاعلان عنها ، فكانت النتيجة التخلص من الخط اليساري في حزب البعث العراقي التواق للوحدة مع سورية المعروف بخط محمد عايش ومجموعته في قضية قاعة الخلد الشهيرة التي تعد انقلابا رجعيا قام به صدام لتخلص من خصومة والخلاص من الوحدة والتفرد بالحكم والقضاء على الجبهة الوطنية مع الشيوعيين بضربة واحدة وتطهير الجيش من الموالين للبكر ومن ثم الاستعداد للحرب مع ايران ، والتي كانت من شروط الاتفاق مع الامريكان ايظا بعلم ودراية الخميني من اجل استهلاك الشعبين والقضاء على منجزات الشاه في ايران ومنجازات البعث التي تحققت بالعقد الاول من حكم البكر ، بدليل ان تلك الحرب كانت بلا معنى وانتهت بالتعادل لا غالب ولا مغلوب والرجوع لاتفاقية 75 التي تمت بالجزائر وكأن شيئا لم يكن وبعد ثمان سنوات من الحرب المدمرة والدماء الطاهرة التي ذهبت سدى وبلامعني ، ولم يتوقف صدام عند هذا الحد من التهور فقام بالخطأ الفادح والقاتل عند دخوله الكويت الذي انهى به اتفاقية الدفاع المشترك مع السوفيت في مرحلة خطيرة كانت تمر بالاتحاد السوفيتي المتداعي حينها !! ان عملية دخول الكويت جائت بالوقت الخطأ والمكان الخطأ فحلت بالعراق الكارثة وتدمير الجيش في عملية غير متكافئة انجرت سلبا على عدم قدرة جيشنا في مواجهة الغزو الذي جرى لاحقا لبغداد واحتلالة عام 2003 !! كما ساهم صدام بالقضاء على التجربة الشيوعية باليمن وارسل خيرت ضباطة وطياريه بضرب عدن ولمساهمة الفاعلة بالقضاء على التجربة باليمن!! كما اجهض التنمية بالعراق والسير قدما في المخطط الامريكي لاجل الاستفراد بالحكم ليصبح قائد الضرورة المبجل وتسليم العراق لاسوأ مرحلة عرفها التاريخ العراقي الى يومنا هذا ، البعث عبارة عن كذبة كبيرة مصطنعة في دهاليز المخابرات الدولية لم ينجو منها احد لا حزب البعث نفسة ولا الشوعيين ولا الحركة الوطنيية المتمثلة بالمثقفين وبعض قيادات الفكر القومي الحقيقين ، وتم اخلاء الساحة العراقية تماما من المفكرين والمناضلين امام حفنه من المتعفنيين عقليا وفكريا واصبح العراق الان في متاهه فكرية واضحة ويعيش حالة انعدام الوزن وعدم الاستقرار .