منوعات

البُنّ اليمني الشهير عالمياً يواجه تحدّيات الحرب

يجيد مزارعو اليمن التكيف مع تغيرات المناخ لإنتاج أفضل أنواع البنّ.


يشتهر اليمن بزراعة أنواع من البُن وصلت سمعتها إلى جميع أنحاء العالم، وتجاوز مذاقه المميّز ورائحته الزكية وجودته المسافات والحدود الطويلة.

وسعت الحكومة اليمنية المعترف بها في عدن مؤخراً إلى إعادة رفع إنتاج البن الذي يعد من الأجود في العالم، بعدما كان المحصول أحد أهم روافد الاقتصاد في البلد المثقل بالأزمات منذ نحو عقد.

واستضافت عدن فعاليات المعرض الوطني الأول للبنّ، أواخر كانون الثاني (يناير) الذي استمر على مدى 3 أيام، بهدف دعم الإنتاج وتسويق البُن على المستويين الداخلي والخارجي.

وفاقمت ظروف الحرب، المتزامنة مع التغيّرات المناخية، من أزمة البنّ اليمني، ما أدى إلى تراجع ملحوظ في حجم إنتاجه ومساحات زراعته، لصالح شجرة “القات” التي ازدادت مساحات زراعتها أكثر من 40% بين عامي 2016 و2022 فحسب، حسب بيانات البنك الدولي.

زراعة البن
وعن زراعته قال المهندس الزراعي صالح السنيدي لـ”النهار العربي” إنها تمر بعدة مراحل، تبدأ في اختيار أمهات أصناف البُن التي تتصف بغزارة الانتاج ومقاومة العطش والأملاح وتأثيرات البيئة، إذ يتم اختيار أشجار عمرها من 4 إلى 6 سنوات لكي يؤخذ من ثمارها بذور للزراعة.

وتابع: “تتم عملية اختيار أنواع البذور بطريقة مدروسة كي تحافظ على الإنتاج ذي المستوى العالي والجيد، واختيار نوعية التربة المناسبة والمقاومة للتغييرات المناخية التي أدت الى انقراض كثير من أشجار البُن”.
ميزة جغرافية
ولم تتغير طريقة زراعة البُن اليمني منذ أكثر من 500 عام، ويرجع السبب في ذلك إلى نوع المزارع في اليمن إذ تتميز بالمدرجات ذات المظهر الجميل وتدير معظمها عائلات، كما تقطف هذه النبتة باليد وبالتالي يظهر تأثير هذا كله في جودة القهوة.

 وتزرع نبتة البُن في معظم المحافظات اليمنية، لكن أشهر مناطق زراعته هي بني مطر، يافع، حراز، الحيمتين الداخلية والخارجية، برع بني حماد، عمران. وللبن اليمني أشكال وأحجام مختلفة ومن عدة أسماء وأنواع وذلك نسبة إلى المناطق التي يزرع فيها.
مراحل التحضير
وتمر زراعة البُن اليمني الأصيل وتحضيره بعدة مراحل، إذ لا تنزع حبوب القهوة من الفاكهة التي تنمو فيها قبل أن تجف، بل تترك لتجف في فترات خاصة وتحصل بشكل أساسي في الكهوف، وعلى أسطح المنازل.

وعن دورة الإنتاج للبن اليمني قال السنيدي إنها تتكون من 10 أعوام إلى 14 عاماً بالنسبة لليمن، وتعد هذه المرحلة الذهبية لشجرة البن التي تنتج بكفاءة عالية وجودة مناسبة.

وأضاف: “بعد قطف ثمرة البُن يتم تجفيفها بدرجة رطوبة 10- 12% حتى يكون الجفاف كاملاً، وتُعبّأ بأكياس مخصصة لحفظ الرطوبة ونقلها الى معامل التصنيع”.

ولفت إلى أن المناطق الصالحة لزراعته هي التي تكون على ارتفاع من 1000 متر الى 2000 متر من سطح البحر، كونها معتدلة الرطوبة والحرارة، وهذا ما ينطبق على معظم المناطق اليمنية.
التكيف مع المناخ
ولمزارع البن في اليمن القدرة على المنافسة نظراً لتنوع المناخ، لكن هذا يعتمد على قدرة المزارع نفسه على تكييف متغيرات المناخ لصالح زراعة البن، والإفادة منها بدل أن تكون هذه المتغيرات مضرة به وبموسمه الزراعي.

ويقول مدير المعرض الوطني الأول للبن في عدن المستشار خالد الحصني إن اول خطوة قامت بها “مؤسسة يافع للتنمية” (مؤسسة أهلية تهتم بزراعة البن) هي “إعداد دراسات لمصادر المياه والبن في مديريات يافع عبر متخصصين ومهندسين زراعيين، كما قمنا بتدريب المزارعين وتلقينهم الإرشادات الزراعية المفيدة”.
ولفت في حديثه لـ”النهار العربي” إلى أن المؤسسة “قامت بخطوة أخرى مماثلة وهي التوقيع مع إحدى الشركات التسويقية للتسويق لمحصول البن وتنميته في الجانب الاستثماري؛ وخصوصاً أنه ذو مردود مادي مرتفع عالمياً”.

وأضاف: “ثمة تسهيلات تقدم حالياً للمزارعين تتضمن تدريبهم وتأهيلهم، وتوزيع أصول ومعدات، ووسائل ري حديثة، وخزانات مياه وكل ما يتعلق بجانب الحاجات الزراعية لهذا المحصول”.
وختم لافتاً إلى “توجه أهلي كبير نحو زراعة البن حاليا استغلالاً للتسهيلات التي تقدم، وكذلك بسبب الطلب العالمي الكبير عليه وأرباحه الجيدة”.

ويحظى البُن باهتمام وزير الزراعة اللواء سالم السقطري الذي وجّه باعتماد تمويل عشرة مشاتل لإنتاج شتلات البن في محافظتي لحج وأبين، بتكلفة استثمارية تبلغ حوالي 154 مليون ريال يمني (نحو 615 ألف دولار)، ويتم تنفيذها من خلال مؤسسة يافع للتنمية التي أكدت هي الأخرى على مساهمتها في تقديم ما يلزم من الدعم لنجاح هذه المشاريع الزراعية في مديريات يافع التي تشتهر بزراعة البن.

وقال وكيل قطاع التنمية بوزارة الزراعة عبد الملك ناجي إن حجم إنتاج اليمن من البنّ حالياً يصل إلى نحو 20 ألف طنّ سنوياً، تُزرع في مساحة تصل تقريبا إلى 34 ألف هكتار، فيما يعدّ سعر كيلو البن اليمني من الأعلى عالمياً، وتجاوز أحد أنواعه مبلغ 500 دولار في بعض الأحيان.

وتتميز القهوة اليمنية بمذاق رائع ومختلف وكذلك برائحة أخاذة، ويشير كثيرون إلى مذاقها الترابي ومذاق الفواكه الخاص بها، كما إنها تمثل القهوة التي تشرب في ليلة باردة لأن بها مذاق القرفة والشكولاتة.
وبين أمل استمرار الحياة وإعادة الروح اليمانية للمواطن، يبقى طموح اليمني في إيقاف الحرب وعودة الحياة لطبيعتها كي تستمر الحياة ويعيد اليمن نشاطه في زراعة البن وتصديره حول العالم.