مقالات

الثورة الصناعية الرابعة: نوعية التعليم… استراتيجية دولة

 
د. رضية بنت ناصر الهاشمية
 
 
لا يختلف المهتمون والتربويون في أهمية مواكبة عوالم الثورة الصناعية الرابعة وإدماج مبادئها في التعليم، ولكن السؤال هو كيف يمكن تحقيق عملية الإدماج هذه؟
من المهم أن نعي أن مواكبة مبادئ ونتاجات الثورة الصناعية الرابعة لا تخص مؤسسة بعينها، وإنما هي استراتيجية دولة ورؤية قومية ووطنية، لكون نتاجات هذه الثورة غير مقتصرة على مجال دون أخر، بل تؤثر في كثير من القطاعات والمجالات سواء التجارية والصحية والزراعية والقانونية والتعليم وغيرها.ولابد أن تكون لدولة استراتيجية عملية تسعى من خلالها تحقيق مكانة معينة ومعرفة محددة ومرسومة، هدفها إدماج مبادئ الثورة بما يضمن معرفة اقتصادية ملموسة تتواءم مع التطورات المعرفية الدولية، لنستطيع بذلك القول إننا نواكب هذه الثورة وتحدياتها المستقبلية.
وكوجهة نظر، يمكن تقسيم مبادئ الثورة الصناعية إلى قسمين هما، الأنظمة المعرفية والأنظمة التقنية، كأسس لبناء هذه الاستراتيجية، مع التأكيد على أهمية دور البيئة في تحقيق غايات الاستراتيجية المرسومة.وتختلف الأنظمة المعرفية والأنظمة التقنية في مضمونها أو ممارستها عمليا وتربويا.فالأنظمة المعرفية يتم إنشاؤها ولا يتم اكتشافها، وأن عملية تصميم وتنظيم هذه المعرفة هي التي تحدد التطور المستقبلي، أما الأنظمة التقنية فهي أكثر من مجرد آلات، وإنما أنظمة حياة، وعلينا التعامل مع هذه الفكرة عند تبني هذه الأنظمة.وقد يتساءل البعض عن علاقة الثورة الصناعية بالأنظمة المعرفية على اعتبار أنها موجودة ولا تكتشف؟ وتكمن الإجابة في كون أن الأنظمة المعرفية من أكبر أساسات فكرة الذكاء الاصطناعي، الذي هو من أبرز نتاجات الثورة الصناعية الرابعة، فالخيار الذكي يتطلب المعرفة الكافية حول الشيء.
ويعد التعليم هو المؤسس الأول لهذه الأنظمة المعرفية والتقنية عند جيل الشباب، لذا وجب الاهتمام بأهداف التعليم ونوعيته، ليصبح هدف التعليم ليس رفع مستوى الوعي الاجتماعي والثقافي فقط بل توظيف وبرمجة المعرفة على أسس تنافسية ملموسة.وتتسم الأنظمة المعرفية في ظل تطور التعليم المواكب لمبادئ الثورة الصناعية الرابعة، بأنها قائمة على الإبداع والواقعية والمرونة والتشاركية.والهدف من المعرفة قد تغّير فعلى سبيل المثال، إنتاج الطاقة دون استنزاف الموارد الطبيعية بواسطة تقنيات يمكن تشغيلها بواسطة الشمس والرياح والماء، يختلف عن ثورة الطاقة التي قامت على استهلاك الموارد الطبيعية بصورة جشعة ومدمرة.وبعد ما كانت الدول تتسابق في إنتاج مصادر طاقة قابلة للنفاد كالنفط والفحم أصبحت الدول الآن تسعى لتصدير طاقة متجددة ونظيفة. لذا وجب تبني استراتيجية تصميم وتنظيم الأنظمة المعرفية والتقنية التي تخدم صناعة المستقبل القائم على تحليل الأفكار وحل المشكلات واتخاذ القرارات.
ولا يمكن إحزار تقدم وتطور في الأنظمة المعرفية إلا بواسطة الأنظمة التقنية، فمما لا شك فيه إن تقنية المعلومات تلعب دورا محوريا ورئيسا في بناء الأنظمة المعرفية من خلال قدرتها على تسريع عملية نقل وإنتاج ومشاركة المعرفة، لتصبح المعرفة متوفرة عند الجميع.وبالأنظمة التقنية تتخطى الأنظمة المعرفية حدود الدولة الواحدة لتصبح نظم معرفية عالمية، ولعل ما يميز بعض الشركات قدرتها على إنتاج روبوت (معرفة) بمجموعة من الأجزاء التي يتم تصنيعها من قبل أفراد من عدة دول، هذا الاتحاد بين المعرفة والتقانة تجعل المعرفة أقوى.وهذا ما عبر عنه كلاوس شواب، مروج فكرة الثورة الصناعية الرابعة، إن الابتكارات والمعرفة الجديدة لها ثلاث خصائص رئيسية: أنها واسعة المجال بصورة غير مسبوقة، وتتميز بسرعة عالية في الظهور والتطبيق، وتؤثر بصورة قوية على النظم القائمة لها.
ولتحقيق اتحاد وإدماج مبادئ الثورة الصناعية الرابعة في التعليم علينا تعزيز مستوى تدريس العلوم التطبيقية والتقانات المتقدمة والحديثة، والتركيز على مستوى الاحترافية والمهنية في المؤسسات التعليمية، وتحويل المؤسسات التعليمية إلى مراكز بحثية علاوة على إطلاع المتعلمين على التجارب العالمية.كل ذلك سيفتح أفاقا أوسع ومواكبة مستمرة لنتاجات الثورة، لتصبح غاية التعليم تتعلق بصناعة عالم صحي وآمن وأكثر تنوع.