مقالات

الذكاء الصناعي… هل سيغير وجهة قيادة العالم؟

 
– ليس خفيا على أحد التطور العلمي المتسارع في بعض التكنولوجيات والمجالات البحثية الحديثة، وتبادل الأدوار من حيث الأهمية بينها وبين بعض العلوم القديمة. علوم قاد ممتلكيها العالم لعقود خلت وسيقود ممتلكي العلوم الجديدة العالم في العقود اللاحقة. هنا للرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” نظره الخاص حيث اعتبر أمام مئات الآلاف من الطلاب في أيلول سبتمبر الماضي أن “الذكاء الصناعي” هو الذي سيحكم العالم في المستقبل داعيا طلاب روسيا للخوض في غمار علومه ليكون لبلادهم اليد الطولى في حكم المعمورة.
سنسعى في مقالنا هذا لتسليط الضوء على هذا المجال العلمي محاولين استشفاف سياسات القوى الكبرى التي تحكم العالم اليوم. أين الذكاء الصناعي من سياسات دول كأمريكا وروسيا والصين والدول الأوروبية وهل لدى هذه القوى خطط عمل حقيقية لبلوغ القمة في هذا المجال؟
أمريكا: الذكاء الصناعي بيد المؤسسات الخاصة
على رغم تربع أمريكا على عرش التكنولوجيا عالميا إلا أن موقعها المستقبلي وخاصة في مجال الذكاء الصناعي موضع شك وترديد. هذا الأمر يؤكده أريك شميت (Eric Schmidt/المدير العام السابق لغوغل والمدير التنفيذي الحالي لشركت الفابت) والذي شغل منصب رئيس شورى الاختراعات الدفاعية في وزارة الدفاع الأمريكي، يؤكد شميت أن أمريكا تخسر موقعها القيادي اليوم لتراجعها أمام الذكاء الصناعي.
يعتبر شميت أن الذكاء الصناعي واحد من العلوم التي يجب بلوغ قممها، وهذا الأمر غائب عن السياسات الأمريكية لأسباب تتعلق بطول المدة التي تحتاجها مشاريع الذكاء الصناعي قبل إجراءها. ويضيف المشاريع التي وصلت لنتيجة في هذا العالم كانت بمعظمها بجهد من مؤسسات خاصة. وعن الصناعات الدفاعية فإنها لا زالت تحت سيطرة العامل الإنساني والرقابة المباشرة التي لا تؤمن بالذكاء الصناعي.
أما عن المؤسسات الخاصة فهي لديها برامجها وأهدافها الخاصة وبالتالي لن تستثمر في مجالات تساعد أمريكا على المحافظة على قدراتها العسكرية وخاصة الدفاعية. كلها دلائل تؤكد المستقبل الضبابي للسيطرة التكنولوجية الأمريكية الحاكمة اليوم.
الصين: برنامج متكامل لتطوير الذكاء الصناعي
يؤكد المراقبون أن الصين تمتلك برنامج مهمّ لتطوير مجال الذكاء الصناعي ولم تستثني أي من القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية في هذا البرنامج. الصين ومن خلال عملاقها التكنولوجي “بايدو” وضعت هدفا لها وهو بلوغ الأمريكيين في عام 2020م تكنولوجيا، وتخطيهم في 2025م لتتربع على قمة التكنولوجيا عالميا عام 2030م.
اللافت أن الصين تستفيد بشكل كبير من مواطنيها الذين تدربوا وعملوا في أمريكا في تطوير برامجها، والفارق الأهم ما بينها وبين أمريكا أن سياساتها شاملة وبرعاية كاملة من الحكومة وبشكل مباشر.
روسيا: الذكاء الصناعي لبلوغ قمة القدرة العسكرية
يعود الفضل بشكل مباشر إلى بوتين في دفع روسيا بهذا الاتجاه، ولكن مع فارق مهم عن بقية دول العالم وهو أن تمركز برنامجه التطويري يصب في خدمة التكنولوجيات العسكرية. وهذا الأمر مشهود اليوم في كثير من التقارير العلمية العالمية، حيث تتحدث عن تطور متسارع للروس في الميادين العسكرية الغير تقليدية. ومن الواضح أن الهدف الرئيسي إنما إخضاع القدرة الأمريكية والسيطرة المطلقة على العالم من خلال التفوق العسكري.
أوروبا: الخاسرة الأكبر والخروج من دائرة القوى الكبرى
في مجال المعلوماتية خسرت أوروبا الحرب منذ زمن بعيد، ودولها الأقوى لا يمكن مقارنتها تكنولوجيا بأي من الأقطاب الأخرى (روسيا أمريكا الصين). وهذا الأمر يتعزز يوما بعد يوم ويعود لأسباب قد يكون من أهمها التشتت بين دولها وعدم امتلاك سياسة توسعية وتطويرية واحدة ومتناسقة.
إلى اليوم لا يوجد معطيات دقيقة حول قدرات الدول الأوروبية منفردة، وانقسام هذه الدول وعدم امتلاكها سياسات متناسقة يسوقها نحو الخروج من مربع القوى الكبرى لتصبح مجموعة دول ذو قدرات إقليمية متفاوتة.
المستقبل الضبابي
نعم لا زالت بعض التكنولوجيات بما فيها الذكاء الصناعي تعتبر لدى الكثير من الدول خيال علمي أشبه بالأحلام منه بالواقع، إلا أن التطور المتسارع دون أي قيود يجعلنا أمام مخاوف حقيقية من سيطرة هذه المنظومة على كافة أشكال حياتنا. وتلزمنا أن لا نبقى في موقع المتفرج والمتلقي كما هو حال دولنا في الوقت الراهن. اليوم الذكاء الصناعي وسيلة تريد بلوغها القوى الكبرى لاستمرار وتثبيت سيطرتها على العالم بأشكال جديدة. فما هي السبل والسياسات التي على حكوماتنا اتباعها لتخرج من واقع المتلقي وتمتلك الحد أقلّ من الإرادة لمواجهة الأشكال الجديدة من السيطرة في المستقبل؟.