مقالات

تغريد الطاسان

 
حتى متى؟
 
 
< في زمن مضى كنا نحتاج عقوداً لنتغير أو نتنازل عن أشياء كنا نراها ثوابت لا تتحرك، أما الآن فقد أصبحت مصافحتنا لمتغيرات عدة في المجتمع تحدث بوتيرة متسارعة، تجعلنا نقف أمام ردود أفعال متلقيها حيارى ومتأملين!
 
في ظل دوران عجلة التغير؛ هل من المفروض أن يتغير نمط تفكيرنا لأجل تقبل هذه المتغيرات؟ أم أنه من الأفضل أن نجعلها تمضي ونحن ما زلنا متمسكين بنمطية أفكارنا وأحكامنا التي تكونت في ظروف مختلفة بأزمنة مختلفة؟ وهنا.. تبقى هذه الأسئلة وأجوبتها هي عقبة تطور وتحديث كل جيل ومجتمع. ما يحدث في مجتمعنا من تسارع في شتى المجالات، يجعلنا نهرع للمختصين في علم الاجتماع وعلم النفس ونسألهم: ما الذي يحدث، وكيف نتعامل معه؟
 
كنا في زمن مضى، نبحث عن فتوى أو عن عادات وتقاليد، ونلتزم بها، ونكيّف ما يحدث عليها، فإما تركناها وهو الغالب، وإما رضينا بها مع وضع كثير من القيود عليها لنضمن التحكم بانضباطية المنظومة الأخلاقية في مجتمع يعتبر الانفتاح فيه مقيداً إلى حد ما.
 
ولكن ما كان صالحاً لوقت مضى تغير الآن في ظل الانفتاح الذي يعيشه مجتمعنا، وخصوصاً في مجال الترفيه والعمل، الذي أظهر لنا للأسف نماذج كثيرة إما غير مستعدين للتطور والتغير كما يجب، إما تمسكاً بدرع ضوابط وقيود تقف بينهم وبين تقبل التغير خوفاً من فساد المجتمع، على رغم أن هذا الأسلوب أصبح عاجزاً في ظل حتمية التغيير، أو لأن كثيراً من أفراد المجتمع صعبت عليهم قراءة المفهوم الأوسع والأشمل للحرية، ففهومها على أنها انفلات لا انعتاق، فتصرفاتهم يشوبها كثير من الأخطاء التي تجعلنا نخاف مما يحدث، لأننا نخشى التفريط في مكتسبات لم نحصل عليها بسهولة. لا تزال علاقة الرجل بالمرأة عندنا، تتعرض لكثير من التأويلات والتفسيرات، ما نقرأه شيء، وما نراه واقعاً شيء آخر.
 
الكل يغار على محارمه، ويفعل كل شيء لصونهن وعزهن، لكن البعض يسمح لنفسه بممارسات لا تليق بمجتمعنا ولا قيمنا، بحجج واهية، فمن تتساهل في حجابها فهي تمنح الآخرين تأشيرة لتجاوز الحدود معها، ومن تختلط بالرجال لضرورة أو حاجة، فهي من جلبت لنفسها الكلام والضرر!، فتبقى المرأة هي الملامة في كل الأحوال، وللأسف أن بعض الرجال تراهم في قمة الاحترام والمثالية في تعاملهم مع نساء الغرب، ومع نساء بلده تجده وكأنه من كوكب آخر!
 
للأسف، البعض يشجع على حضور النساء المباريات مثلاً، ويدعو لها على كل منبر، وهو في المقابل يرفض أن يذهب بأهله إلى هناك بحجج كثيرة، إذاً لماذا توجه نداءاتك وتطلب المشاركة وتشيد بالخطوة وأنت لا ترضاها لأهلك؟
 
هنا مربط الفرس في ممارستنا الاجتماعية، الكل يظهر نفسه أمام الآخرين أنه خير من يحترم ويدافع وينتصر، وهو في الأصل يمارس المنع والإغلاق على من حوله، وهذا دلالة واضحة على أن القول عند الكثير تنظير لا يرفقه بعمل.
 
ما نراه من أخطاء ومضايقات للمرأة بالذات، وتصوير وتشهير لها في أماكن الترفيه والعمل، يجعلنا نتساءل: من يقف في وجه صدور قانون التحرش؟ ولماذا هذا القانون نسمع عنه ولا نراه؟ وما الذي يجعل الهيئة التشريعية عندنا متراخية في إقراره؟ بقيت أقل من خمسة أشهر، وتصبح قيادة السيارة حقاً لكل امرأة، فماذا سنفعل حينها إذا رأينا من يضايقها، وقد يتسبب لها في حوادث مختلفة؟ لست ممن يحبون تهويل الأمور، ولا ممن يفقد الثقة بالأفراد، ولكن الله يزع بالسلطان ما يزع بالقرآن، مللنا من حياة على حذر، نفتقد فيها التلقائية والعفوية، ونكون فيها تحت المجهر، ورهين صورة أو مقطع، قد يتهمنا بشيء ويتحدث عن شيء لا نعرفه له ولا نرضاه، ولكن من يقف أمام التأويلات والوشايات. يحزنني أن يغلق متنزه بسبب حالة تحرش، وتلغى فعالية بسبب خوف مفتعل، نحن هنا نظلم المجتمع بسبب خطأ فردي لم نعالجه وجعلناه حراً طليقاً، أو لم نتخذ عليه عقوبة تليق بجرمه وتجاوزاته.
 
كما نجح «ساهر» في الحد من الحوادث في الطرقات، وفرض واقعاً مرورياً أجبرنا على الانقياد له، لا بد من «ساهر» أخلاقي يحفظ لنا كرامتنا، ويجعلنا نعيش من دون ضغوطات وتوترات، ونحيا كما تحيا كل نساء العالم، اللاتي نتميز عنهن بأننا مسلمات محافظات في ما نعيشه ونحيا عليه.
 
لن ينجح أي تحول، ولن نستمتع بأي رؤية، ونحن لا نزال عرضة لتطاول من قصير وصغير لم يحترم نفسه أو يراعي مصلحة وطنه، ولم يجد من يعلمه الاحترام ويردعه! ومن لا يلم بقانون تغير المجتمعات وتطور الفلسفات في الحياة، لن يعرف لأمره استقامة، ولا لحياته نمو وتطور.