مقالات

الشورى … أبرز محطات المسيرة

 
 
سعود بن علي الحارثي
 
عبر عشر سنوات من مسيرة المجلس الاستشاري للدولة، من ١٩٨١ وحتى ١٩٩١م، (خمس فترات). وثمان وعشرون عاما من العمل البرلماني لمجلس الشورى، المقدرة ب(ثماني فترات). و(ست فترات)، لمجلس عمان، الذي يضم مجلسي الشورى والدولة، مرت مسيرة الشورى بمحطات متعددة شهدت تعديلات وتطورات في صلاحياته وآليات عمله، حددتها المراسيم السلطانية التي تصدر مع نهاية وبداية كل فترة من فترات المجلس، والتحديثات التي طرأت على النظام الأساسي للدولة، الصادر بالمرسوم السلطاني رقم ٩٩/٢٠١١ بعد ذلك، وأنظمته الإدارية التي شهدت نموا متواصلا وتطورا في هياكله وعدد موظفيه ومستوى الأداء، وتطوير قاعدته الاستشارية في المرحلة الأولى، والتشريعية والرقابية في المرحلة الثانية، وعدد سنوات فتراته من سنتين، فثلاثا حتى أصبحت أربع سنوات اليوم، وأدوار انعقاده السنوية من ثلاث دورات سنويا إلى أربع محددة بأشهر لا تنعقد جلسات المجلس إلا فيها فقط، تطور العمل من ثم إلى أدوار الانعقاد السنوي التي يمتلك فيها المجلس حق الدعوة إلى انعقاد الجلسات في أي يوم خلال الثمانية أشهر من عمر الدور، ومسميات أجهزته الفنية، على سبيل المثال (المكتب التنفيذي) أصبح (مكتب المجلس)، ونمو وتطور في عدد أعضائه من (٤٥) عضوا في الفترة الأولى للمجلس الاستشاري للدولة، (١٧) منهم يمثلون القطاع الحكومي و(٢٨) عضوا القطاع الأهلي، و(١٧) عضوا يمثلون مناطق السلطنة المختلفة، إلى (٨٤) عضوا يمثلون مختلف ولايات السلطنة.
يقدم الشيخ أحمد بن محمد النبهاني تقييما لتجربة المجلس الاستشاري للدولة في فتراته الخمس من أكتوبر 1981 الى نوفمبر 1991، والذي كان أمينا عاما له، قائلا : بأنها (عمانية أصيلة بامتياز. أما بالنسبة للنجاحات الكثيرة مختلفة المواضيع التي حققها المجلس الاستشاري للدولة خلال عمره القصير نسبيا، فترجع، في تقديري، في المقام الأول الى حسن التشكيل من الفئات الثلاثة المعينة، التي أوكل اليها بحث التنمية الاجتماعية والاقتصادية، والتي شكلت فيما بينها مثلثا متكامل الاركان لعمل وطني خالص. فقد نص المرسوم السلطاني بأنشاء المجلس على التالي: ” يشكل المجلس من القطاعين الحكومي والأهلي ويختار أعضاؤه من بين ذوي الخبرة وأهل الرأي الذين يمثلون كافة المواطنين.” وقد تحقق ذلك بالفعل كما رسم له. فتعيين عشرة وكلاء لوزارات الخدمات، وسبعة من مدراء العموم، شكل امتدادا للمجلس الى عمق الجهاز التنفيذي للدولة بطموحاته وتحدياته، ووفر هذا عاملا هاما للنجاحات التي تحققت، حيث إن هؤلاء أدرى بالممكن وغير الممكن، يضاف اليهم أحد عشر عضوا يمثلون القطاع الخاص، وهم بطبيعتهم من ذوي الخبرة بعالم التجارة والاعمال والاقتصاد وأعرف بالشروط اللازمة لبناء بيئة أعمال محفزة للنمو، كما ان اختيار سبعة عشر عضوا يمثلون المناطق ينقلون ما يلزم مناطقهم بلا محاصصة أو مشاحنة أضفى على المجلس صبغة تمثيل كافة الوطن من أقصاه الى أقصاه). وأخذت مشاركة المرأة في الشورى كذلك صفة التدرج في حقها للترشح للعضوية أو الإدلاء بصوتها، ومشاركة المجتمع في العملية الانتخابية التي تدرجت من الانتقاء والتعيين بمرسوم سلطاني، إلى اختيار تمثله شريحة محدودة من (الأعيان والمشايخ والرشداء)، اتسعت دائرتها في فترات لاحقة، إلى اختيار حر يشمل جميع فئات وشرائح المجتمع ينظمه قانون الانتخاب . باختيار وتعيين من لدن سلطان البلاد – حفظه الله ورعاه – تشرف كل من خلفان بن ناصر الوهيبي والمرحوم حمود بن عبدالله الحارثي والسيد سالم بن ناصر البوسعيدي برئاسة المجلس الاستشاري للدولة، في فتراته (الأولى والثانية والثالثة). فيما ترأس معالي الشيخ عبدالله ابن علي القتبي الفترتين الرابعة والخامسة للمجلس الاستشاري للدولة، والفترات من الأولى وحتى الخامسة مجلس الشورى، فنال حصة الأسد من رئاسة مؤسسة الشورى التي خبرته وخبرها على مدى سنوات، فقد كان قبل أن يصبح رئيسا، عضوا في الاستشاري منذ انشائه ممثلا للحكومة.
وترأس الشيخ أحمد بن محمد العيسائي رئاسة المجلس في فترته السادسة، ولم يكن غريبا عن مؤسسة الشورى فقد كان عضوا ونائبا للرئيس في المجلس الاستشاري للدولة. وأحدث المرسوم السلطاني رقم ٩٩/٢٠١١م، تطورا مهما آخر شهدته رئاسة المجلس، بجعلها منتخبة بعد أن كانت بالتعيين، وتمكن سعادة خالد بن هلال المعولي من الفوز بها على مدى فترتين هما : السابعة والثامنة بانتخابات حرة نقلها الاعلام مباشرة إلى العالم الخارجي. يصف المكرم الأستاذ/ عبد القادر بن سالم الذهب عضو مجلس الدولة، والأمين العام السابق لمجلس الشورى، والذي كان عضوا في الفترتين الرابعة والخامسة للمجلس الاستشاري للدولة، نمو التجربة وتطور مسيرة الشورى ونضجها قائلا : (… أختزل الأداءُ المتميزُ للمجلس الاستشاري للدولة الفترةَ الزمنية اللازمة للانتقال إلى هذه المرحلة المتقدمة، وكانت القيادة السياسية تنتظر هذه اللحظة المناسبة لإعلان الدفع بالتجربة الشوروية نحو آفاقها الواسعة واستكمال مراحلها المرسومة، والمضي بها الى غاياتها النهائية، وهكذا أعلن صاحب الجلالة عن إنشاء مجلس الشورى ما إن مضت عشر سنوات على فترة المجلس الاستشاري للدولة باعتباره محطةً على الطريق، فدخلت الشورى بذلك إلى طور جديد، وانتقلت إِلـى مرحلة أكثر تقدماً من حيث الصلاحيات والسلطات، ومن حيث الآليات وأساليب العمل التي من شأنها تفعيل الصلاحيات وممارستها على نحو إيجابي فاعل ومؤثر، ومن حيث كذلك أطره التنظيمية؛ ووُضع حقُّ اختيار الأعضاء، وانتخاب ممثلي الشعب في المجلس، في أيدي المواطنين فسارتْ الشورى في السلطنة في طريق واضح، متجهةً نحو غاياتها المرسومة بكل ثقة واقتدار، وعبرَت محطاتها بكل سلاسةٍ وانسيابية، وتخطتْ كلَّ العقبات الطبيعية لا تلوي على شيء، حتى استوتْ على سوقها يعجب المتابعين قوامُها، وأتت سياسةُ التدرج بها أكلَها وثمارَها، وأصبحتْ ركناً رئيساً من أركان الحكم, وقامتْ على أساس منها دولة المؤسسات والقانون، وأُرسيتْ بها مقوماتُ الحكم، الديموقراطي الذي وعد به جلالةُ السلطان، لا سيما بعد التعديلات الجوهرية التي جرتْ على النظام الأساسي للدولة الصادرة عام 2011م). ما نتمناه أن يواكب هذا التطور والنمو في صلاحيات المجلس ممارسات برلمانية حقيقية تستخدم فيها جميع الوسائل والأدوات المتاحة في مجاليها التشريعي والرقابي بما يحقق طموحات وتطلعات المجتمع العماني في برلمان قوي يتمتع بصلاحيات كاملة، تسهم جميع الأطراف الفاعلة في تحقيقه والدفع به نحو النمو والتقدم.