مقالات

الضرب تحت الحزام: الأجندة الخفية ضد الفلسطينيين

 
د. لبيب قمحاوي
تقوم الولايات المتحدة حالياً بتهديد الفلسطينيين بحجب المساعدات عنهم عقاباً لهم على عدم إنصياعهم للرغبات والسياسات الأمريكية، ورفضهم القبول بالتنازل عن حقهم في القدس كعاصمة لهم مقابل حفنة من الدولارات من المساعدات الأمريكية. إن هذا التهديد يذهب في الواقع إلى ما هو أبعد من ذلك حيث تَمَّتَ الإشارة صراحة الى نية أمريكا وقف المساعدات لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) تحديداً حيث تشكل الولايات المتحدة والمملكة السعودية أكبر داعمين لميزانية الوكالة المذكورة. وبهذا يصبح القرار الأمريكي اكثر خطورة مما يبدو كونه يسعى في الواقع الى الوصول للأهداف السياسية الآتية تحت غطاء وقف المساعدات المالية:
أولاً: شطب الاونروا التي تم تشكيلها بعد وقوع النكبة الفلسطينية عام 1948 واعتراف المجتمع الدولي بوقوع تلك المأساة التي أدت الى بروز مشكلة اللاجئين الفلسطينيين. إن إفلاس تلك الوكالة (الأونروا) و إختفاءها سوف يؤدي بالتالي الى التنصل الدولي من المسؤولية تجاه اللاجئين الفلسطينيين خصوصاً إذا ما قامت السعودية و دول أخرى بالإقتداء بالموقف الأمريكي تحت أي عذر.
ثانياً: إن وكالة الغوث (الأونروا) هي المؤسسة الدولية المختصة التي تعترف بوجود مشكلة لاجئين فلسطينيين و تتعامل معها. وإذا ما تم القضاء عليها فإن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة الى فلسطين قد تختفي عن الخارطة السياسية الدولية. هذا اضافة الى أن الخدمات التي تقدمها وكالة الغوث في مجالي الصحة و التعليم هي خدمات أساسية و ضرورية للعديد من العائلات الفلسطينية القاطنة في المخيمات. إن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين هي الدليل الحي على حجم المأساة التي أَلَمَّتْ بهم من جراء احتلال وطنهم فلسطين. وبذا فإن القفز فوق مشكلة اللاجئين، من خلال القضاء على وكالة الغوث ( الاونروا ) يهدف في الحقيقة الى شطب أهم مكونات القضية الفلسطينية وهي مشكلة اللاجئين وقد تؤدي إلى تجاوز حق العودة الى فلسطين كما نص عليه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 .
إن إختيار الأونروا كهدف أمريكي أول لقرار وقف المساعدات للفلسطينيين يعكس النوايا الشريرة لإدارة الرئيس ترمب تجاه الفلسطينيين و القضية الفلسطينية. والموضوع بذلك يصبح استكمالاً للمسيرة الجديدة للادارة الأمريكية في تعاملها مع القضية الفلسطينية باعتبارها أمراً يتوجب على أمريكا تصفيته. ما نحن بصدده فعلاً هو قرارات و إجراءات أمريكية تهدف إلى حل المشكلة الاسرائيلية من خلال تصفية القضية الفلسطينية وتدمير الأسس التي تستند اليها تلك القضية .
إن التسارع الملحوظ في الاجراءات الأمريكية يوحي بتوفرالنية لوضع الفلسطينيين تحت ضغط مستمر وحرمانهم من أية فرصة لإلتقاط الأنفاس، ويرافق ذلك تسارع ملحوظ في الاجراءات الاسرائيلية لفرض أمر واقع جديد وتشريعات عنصرية تهدف إلى جَعْل أي مطلب لإنسحاب إسرائيلي من القدس أو الضفة الغربية أمراً أقرب ما يكون الى سراب لا يمكن الوصول اليه أو الإمساك به .
إن هذا المسار الأمريكي – الاسرائيلي المشترك لا يعكس شيئا جديداً في خصوصية العلاقة الأمريكية – الاسرائيلية بقدر ما يعكس تطوراً حديثاً في علنية و قسوة إجراءات ذلك المسار كإنعكاس لما آلَ اليه الوضع العربي و الفلسطيني من انهيار و استسلام كامل لأمريكا والى حد ما لإسرائيل باعتبارها الحليف و الصديق الجديد للعديد من الأنظمة العربية .
يستمر الشعب الفلسطيني إذن، في كونه الضحية وفي كونه الطرف الخاسر تماماً من اجراءات يأخذها الآخرون بحق قضيتهم و تعكس بالتالي الأمر الواقع الجديد على قسوته على الفلسطينيين فقط. الأمر إذاً يتطلب إما تغيير الأمر الواقع وهو مايعني عمليا إزالة الاحتلال، أو تغيير واقع الشعب الفلسطيني و برنامج نضاله الوطني ليتمكن من تجاوز هذا العدوان الجديد عليه وعلى قضيته .
إن قسوة وجبروت الاحتلال الاسرائيلي ، و إفتقاد النظام الدولي الى أية حساسية تجاه الظلم و القهر الذي يمارسه ذلك الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، يفرض على الفلسطينيين العمل على الخروج بحلول إبداعية للالتفاف على الواقع الصعب و المرير دون المساس بالثوابت الوطنية و الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني. أما ادارة ترمب التي تعمل على استغلال حالة الضعف والتمزق العربي لإلحاق مزيد من الأذى بالفلسطينيين، فقد أصبحت غير قادرة على تمثيل قيم الحضارة الغربية في العدل والمساواة و إحترام حقوق الانسان، و أصبحت بالتالي طرفاً منحازاً في النزاع عوضا عن كونها قائدة للعدل وحامية لحقوق الانسان باعتبارها القوة الرئيسية في العالم. وهكذا وفي غياب أية مرجعية غربية قادرة على لعب دور مؤثر في حماية الشعب الفلسطيني المحتل و حقوقه المغتصبة، أصبح لزاماً على الغرب الإعتراف بأن سياساته تلك تقف وراء حزمة الغضب التي تعصف بالعالم و التي تم ترجمتها فيما أصبح يُدعى “بالارهاب الأصولي “
الإرهاب يقتات على ظلم الشعوب، و القوى التي تسبب هذا الظلم هي بالتالي التي تغذي الإرهاب، واسرائيل و أمريكا هما أكبر قوتين اقليمية و دولية، تساهمان في خلق هذا الشعور بالظلم و الاحساس به و بالغضب الذي يرافق فقدان الأمل. الإرهاب في حقيقته هو نتاج حتمي للسياسة الأمريكية و للإحتلال الاسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط . و المحاولات الاسرائيلية و الأمريكية للتنصل من المسؤولية في خلق البيئة و الظروف المناسبة لبروز الإرهاب و انتشاره هي محاولات فاشلة . فالانكار و التنصل لن يفيد بشئ أمام مرارة الواقع .
الارهاب” إذن، هو منتج فرعي by – product) (ولكن حتمي للسياسات الأمريكية والاسرائيلية في فلسطين وضد الفلسطينيين. والظلم المرافق لتلك السياسات هو في صلب النزعات المتزايدة نحو التطرف ، إذ أن اللجوء الى الله والى الدين هي سمة متلازمة مع الظلم و القنوط المستمرين. والعرب و الفلسطينيون ليسوا استثناءً لذلك. و المسار الأمريكي في ضرب الارهاب بالقنابل لن يجدي اذا لم يتم التعامل مع الأسباب و المسببات التي تدفع البشر نحو ذلك المسار. وهذه حقيقة إختارت كلاً من أمريكا واسرائيل أن تتجاهلها .
إن ما يحرك سياسات إدارة ترمب حالياً هو الإعتقاد الخاطئ بأن الإمعان في الظلم من خلال سياسات أمريكية منحازة لإسرائيل سوف تؤدي إلى تحقيق الهدف الخفي بخلق حقائق جديدة مفروضة على الفلسطينيين تتجاوز إمكانية تغييرها بالمفاوضات وتجعل من موضوع الانسحاب من أراضي الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس أمراً شِبْهَ مستحيل، وتجعل الخيار الفلسطيني الوحيد الممكن يتمثل بدويلة في قطاع غزة .
ان خلق وقائع جديدة على الأرض، مدعومة بتشريعات عنصرية هو أمر يهدف الى حسم الوضع النهائي للأراضي المحتلة عام 1967 قبل البدء في المفاوضات، ما يعني عملياً بقاء الاحتلال الى الأبد وبقاء السلطة الفلسطينية كجهاز لإدارة شؤون الفلسطينيين تحت الاحتلال بالإنابة عن سلطات الاحتلال و دون أي سيادة على الأرض وهو على ما يبدو الحل النهائي للقدس و الضفة الغربية كما تراه اسرائيل وادارة ترمب .
على الفلسطينيين تحت الاحتلال النضال ضد سياسة ترمب و الاحتلال الاسرائيلي و إلى حد ما السلطة الفلسطينية واعتبار ذلك هدفاً مترابطاً نظراً لترابط المصالح فيما بينهم.