مقالات

ايضرب العراق موعداً مع تغيير كبير؟

علي حسين فيلي

علي حسين فيلي/ لا يوجد مجتمع متكامل في العالم كله، ومنطقتنا ليست مستثناة، فللكورد مشكلاتهم لوحدهم وهناك مشكلات تخص العراقيين اجمع، ولا يختلف اثنان على أن الديمقراطية في العراق الضحية الاكبر، وتسببت بمشكلات لجميع الأطراف، لذا ليس من الصعب أن نزعم بان الجميع يرغبون دخول الراديكاليين في مجلس النواب الجديد! ووسط كل هذا الضجيج من ذا الذي يستمع للآخر؟!‌
ولا ينكر بان أي تأقلم مع الخصوصيات الدينية والاجتماعية والسياسية الثقافية والقبلية للمجتمع العراقي أمر غير ذي بال، لان ظواهر اليوم بعضها مستورد وأجنبي عن رؤى ورغبة هذا المجتمع المتعدد الألوان ولا علاج لها! لذلك فان التطرف الديني والسياسي والقومي والأفكار الراديكالية لم تستطع أن تخلق مانعا هادئا وهذا ما له ردود أفعال وعوائق سلبية بشكل مستمر وآخذ بالتزايد.
سابقا كان يقال انه على العكس من الطائفيين فان برامج وانضباط إتباع الأحزاب السياسية على الأقل هادئ إلا أن الوضع الحالي للقوى الميليشياوية التي تشكل ظاهرة جديدة وتبشر بمستقبل عسكرتاري، وليس بالإمكان تضمينها في قالب قانوني. وفي مستقبل قريب فان عراقا متعدد الأقطاب والأبعاد السياسية لا يستطيع إتباع قيادة مواحدة وبرنامج وأيديولوجيا واسعة في نظام حكمه.
فكيف باستطاعة الشيعة المتعطشون للسلطة والكورد المتمسكون بالهوية والأرض والسنة الحزينون على الماضي الخلاص من أوضاعهم المتأزمة؟!
ان اجتياز الحدود وانكار الخصوصيات والحقوق المسلوبة جلب على العراق ما نراه اليوم؛ بمعنى ان الناس لم يهضموا التغيير العظيم ولا استعداد لهم لتقبل خطوات ما بعد قدوم الديمقراطية. وباتت مرحلة القبائل والطبقات والقوميات والطوائف تأخذ بالتراكم.
إن الأفكار التي تشق طريقها في العراق لا احد يستطيع التصور هل أنها تتأقلم مع الأوضاع والخصوصيات التي يتسم بها هذا المجتمع، كم منها مستورد وكم منها نتاج محلي. وهنا فان المنطق ذهب ضحية التصادم بين الطرفين الرئيسين الأغلبية السياسية والتعددية للمشاركة في الحكم.
إن نسبة الفقر والحرمان الفكري أصبح مظهرا للحقيقة التي تبين لماذا العراق لم يصبح لحد صاحب الأفكار والآراء والنظريات الخاصة به والتي تتمظهر من خلالها الخصوصيات المحلية.
حوزة النجف التي لم تحول سابقا إلى جهة سياسية أصبحت اليوم سياسية واستخدمت في بعض الأحيان في خدمة الميول للمذهب من خلال دخولها إلى الميدان بشكل مباشر. على الرغم من أن ذلك لا يعني بان الكورد والسنة ليس لهم مرجعية معتمد عليها! ولكنهما لا يعملان بشكل منظم ومنضبط كما هي في الحالة الشيعية على الرغم من أنها لم تجلب الاستقرار الشامل. في وقت لا تعيش فيه المناطق السنية أوضاعا مستقرة، لان شبح “داعش” والدمار لم ينتهِ بعد والشخصيات السياسية هم أنفسهم ولم يتغيروا وبقوا كما هم والمكونات السياسية لم يجر عليها إلا ما هو اقل من التغييرات.
أما فيما يخص الكورد، فعلى الرغم من أن الأزمات الاقتصادية والسياسية مازالت تعصف بهم وهذا ما يزيد في يأسهم لان سياسة الحكومة العراقية المقبلة لن تتغير بشكل كبير تجاههم، إلا أنهم (الكورد) يقولون انه أثناء الكلام عن الحقوق والمصير فان المتدينين وغير المتدينين يخضعون كل ما يملك ومالا يملك للسؤال، ولكن عندما يظلم الكوردي وتنسب إليه الجرائم لا يجد من يلتفت إليه.
إن الأحاديث التي تدور حول العملية السياسية في مرحلتها الحالية تشير إلى أن الدورة المقبلة لمجلس النواب العراقي سيتلاشى فيه الحديث عن الكتلة الاكبر ولكن الكلام عن المشكلات الكبرى حتما باق دائما. فهل من الممكن أن يتحمل الأشخاص المستقلون المسؤولية في وقت يدور فيه الجدال حول مسألة الحياد من منظورها الفلسفي؟
ومعلوم أن مفوضية ما أو شخص متدين أو قومي أو ليبرالي يقّيم الأشياء وفقا لتقديراته الخاصة، بمعنى أدق إن الحياد المطلق أمر لا وجود له وكل طرف له موقفه وقراره المسبق بشأن الأشياء، لذلك لننتظر الانتخابات وما تحمله هذه المرة للكورد والسنة والشيعة؟ وما فيها للأقليات القومية والدينية؟! وفي الوقت الذي يزعم الناس في هذا البلد أن السياسة والإعلام كاذبان بشكل منتظم، فهل من الممكن أن تضعف الانتخابات مكانة جهة على حساب جهة أخرى أو هل بإمكانها أن تمهد لتغيير اكبر؟.
يتم تصوير عراق اليوم على أن إمكاناته ومصادره المحلية ليست محل ثقة لخلق الاستقرار وتوفير الأمن والعيش الرغيد للمواطنين.