مقالات

لماذا يسرق شعب “علي بابا” الدولة؟!

كتب / قاسم العجرش…

ليس سبب الأزمة الأقتصادية التي نمر بها، متعلق فقط بالفساد وسوء الإدارة والتخطيط، ولا بتداعيات المعركة ضد الإرهاب والوضع الأمني فحسب، بل ذلك يرتبط بسلوكنا الأقتصادي الجمعي.
موضوع السلوك الإقتصادي الجمعي للعراقيين؛ واسع ومتشعب، ونستطيع الحديث عن الطبيعة الإستهلاكية، وعدم نزوعنا الى الإدخار، وإنفاقنا على اللاضروريات، وتقديمنا الأقل أهمية على المهم، وغيرها من المواضيع!
لكن يبقى موضوع اننا نتصرف مع المال العام كمزرعة، يمكننا تناول ما نشاء من ثمارها بلا حساب، وكذا بالنسبة الى الخدمات العامة، لإننا ثقفنا أنفسنا، على أنها يجب أن تكون مجانية وبلا حدود!
هذا النمط من التفكير، لم يكن سائدا في مجتمعنا قبل عام2003، فقد كنا ندفع لنظام البطش الصدامي صاغرين، وكان يتفنن في حلبنا، ولكن ومع دخول طلائع المحتلين الأمريكان، وسماحهم وتشجيعهم على نهب موجودات الدولة، بدأ هذا السرطان بالنمو، وتحولت فئات واسعة من شعبنا الى “علي بابا”!
بالحقيقة أن هذا السلوك له ما يبرره، إذ أن الدولة كانت عدوا للشعب، وبعد سقوطها طغت مشاعر الإنتقام، وكان نهب الدولة وممتلكاتها، هو الوسيلة الأقرب لتحقيق الإنتقام، شجع على ذلك؛ أن البعثيين كانوا أوائل الذين نهبوا ممتلكات الدولة، التي تحت أيديهم، وتتذكرون الصورة جيدا، وليس هناك من داع لإجترارها!
على نفس النمط من التفكير، وكوسيلة للإنتقام من الطبقة السياسية، التي حلت محل النظام السابق في إدارة الدولة، ونتيجة لسوء الأداء والإدارة، وتراجع مستويات الخدمات والأمن، وإستغلال ذلك من قبل أعداء الديقراطية والعملية السياسية، بالتثقيف المضاد وبكم هائل، باتت الحبة كبة في وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الإجتماعي، حيث تم تضخيم الإخفاقات؛ الى مئات الأضعاف من حجمها الحقيقي، وبات في نظر الشعب؛ أن “كل” العاملين في الدولة “حرامية”، وإن لم يكونوا كذلك!
النتيجة أن الدولة؛ إنتقلت من وصف “الدولة الظالمة”، وهو الوصف المستحق للنظام الصدامي، والذي تم الإنتقام منه، بتدمير مؤسسات الدولة ونهبها؛ على طريقة الحواسم، نقول أنتقلت الدولة؛ الى وصف “الدولة اللص”، كما رسمت ذلك الصورة المكبرة التي أشرنا اليها، وبالتالي بات تبرير سرقتها وإحتقارها، مشرعنا ومقبولا وسهلا!
إن إحجام المواطنين؛ عن الإيفاء بإلتزاماتهم المالية تجاه الدولة، وعدم دفعهم أجور الخدمات التي تقدمها لهم، يقع في إطار هذا الوصف، وهكذا فإنه ومنذ أكثر من خمسة عشر عاما، ونحن نستخدم شبكات مياه الشرب، والمجاري والكهرباء، وقنوات الري والبزل للأغراض الزراعية، ونستخدم الشوارع وننتفع بالإنارة العامة، وغير ذلك من الخدمات، دون أن نقدم أثمان ما نستخدمه، بل ونذهب الى تحطيمه كلما زعلنا على الدولة!
تشكل تلك الأثمان مبالغا كبيرة جدا، وموارد مهمة بذمتنا، كان بإمكانها لو تم تحصيلها بكفاءة ونزاهة، أن تسد العجز المالي، ويمكن توظيفها في القطاعات الخدمية ذاتها، التي نشكو من ترديها!
كلام قبل السلام: صحيح أن العملية السياسية رافقتها أخطاء فادحة، وصحيح أيضا أننا لم ننل ما كنا نتمناه، وصحيح كذلك أن هناك؛ عدد كبير من الساسة الذين خيبوا آمالانا، أما بإنشغالهم بمنافع العمل السياسي، أو لفسادهم، أو لعدم قدرتهم على تحقيق آمالنا، لكن هذا كله لا يبيح لنا أن نسرق الدولة!