زهير ماجد
عند الثالثة فجرا أيقظوه من نومه .. كان الرئيس الأميركي الأسبق ترومان ينتظر الحدث، فجاءه من يوقظه ليخبره أن عليك أن تعترف بقيام إسرائيل فورا، وها قد قامت وعليك أن تكون أول المعترفين .. فمن الذي سيوقظ الرئيس ترامب ليقول له حدثا مفجرا لا يمكن انتظار تعميمه حتى الصباح، ولا بد لرئيس أكبر دولة في العالم أن يعرفه قبل غيره.
لكنه رأى صورة قبلها، ثلاثة كبار أيضا أقلقه حضورهم الطاغي وما هو تعبيره .. الثلاثة رابحون، الرؤساء بوتين وأردوغان وروحاني يعبرون إلى حيث صار للمجد مكان في لعبة كانت من أخطر ما ووجه به بلد مثل سوريا..
قيل إن بوتين طلب من الرئيس السوري بشار الأسد بصفة تمني أن يحضر اللقاء الثلاثي وأن أردوغان أظهر ترحيبا به وقرر استقباله على المطار .. لكن المسألة أبعد من حل القبلات عند سلم الطائرة، هو تاريخ طويل انفجر قبل سبع سنوات، لكنه مقيم منذ أعوام طويلة وله في ذمة التركي أشياء وأشياء لا يمكن غفرانها.
الثلاثة تصدروا حضورا له رمزيته، فبوتين أعاد للشرق الأوسط هيبته من خلال نصر سوريا، ولأن سوريا روح الشرق إضافة لكونها قلب العروبة النابض، فعليه أكمل الرئيس الروسي خطه الممتد من موسكو إلى دمشق ليعبر به إلى أكبر مواجهة بين القطبين الكبار بأدوات مختلفة تخفف من حرب المواجهة المباشرة بينهما . وأما روحاني، فقد جلس في حضن سوريا وأذرعته الممتدة في أكثر من مكان تقول كيف يكون العقل موازيا للقوة، والعقيدة يجب أن تتساوى مع القوة، وأن للتاريخ حقا على من يكتبونه بفهم الصبر والزمن والأدلة الدالة عليه. أما أردوغان، فهو الرابح في معركة فتحت له معارك ولسوف تأخذه إلى الإقرار بأنه ربح الأولى كي يحلم بالأخريات، ولكن هيهات.
هكذا يتقدم الشرق الأوسط كي يقول جديده مجبولا بصراع القوة التي وحدها قيدت للثلاثة الكبار أن يقدموه لعالم عاش دهوره وهو يستيقظ على منطق القوة والمصالح. فهل يعني قرار ترامب الخروج من سوريا ثم الاستعاضة عنها بالبقاء مدة أطول لأن قرار الخروج فيه “إهانة” أمام الصورة المنتصرة للثلاثة الأقوياء.
لم يعد يملك الرئيس الأميركي سوى القبول بالواقع وبأن أفكاره أكبر من قدرة تحقيقها، بدءا من صفقة القرن المزعومة، وصولا إلى الشيطنة في المنطقة كعادة كل السياسات الأميركية فيها. من هنا نفهم لماذا ينام بعين واحدة كي يسهل عليه الاستيقاظ على نبأ ينتظره في أية لحظة ويهمه أن يعرفه كأول رئيس وقبل أي آخر.. أم أن ثمة صورا جديدة قد تعكر عليه صفو نومه؟!
تشقلبت منطقة الشرق الأوسط بدون أدنى شك، ما كان مقبولا تم نسيانه، وما هو ممنوع الصرف يمكن له أن يصرف .. نحن نعيش عصر اللحظات المفتوحة على تطورات قاسية بمقاييس الانتصار في سوريا .. كأنما يراد توازنا بين هذا الانتصار وبين النبأ “العظيم” الذي انتظره ترامب، ومن ثم بتنا ننتظره بعدما تغيرت الأفكار بناء على الادوات الجديدة.
لا شك أن عالما قام من بين الأنقاض التي سقطت في سوريا وهو يرفع راية الزمن المقبل الذي لا شك أنه تقاسم يراد له حسب العقل البوتيني أن يؤدي إلى وحدة سوريا وليس إلى تقسيمها .. هذه النقطة الجوهرية في السياسة البوتينية الإيرانية تلزم أيضا أردوغان وتنتزع منه التخفيف من روح العثمنة التي صارت من الماضي العفن.
الهاتف في غرفة الرئيس ترامب لكن من يوقظه من نومه ولماذا؟!