مقالات

باختصار: شهر أو شهران!

 
 
زهير ماجد
 
كأنما كان يقرأ كتابا مفتوحا، هكذا أوحى الرئيس الفلسطيني محمود عباس أثناء إلقائه خطابه في مؤتمر القمة العربي الأخير، وخصوصا عندما حدد شهرا أو شهرين لما هو قادم، إلى أين، إلى المنطقة ككل أم إلى فلسطين؟!
الواضح أن معلوماته تقول بأن “الصفقة” التي وترت أعصاب كثيرين ولم تطل، باتت قريبة الظهور، أو هي ربما الآتية خلال التاريخ الذي حدده الرئيس أبو مازن .. هو قدم توضيحا مبعثرا لبعض تفاصيلها، قال إنها تريد أن تجعل من غزة هي دولة فلسطين والباقي أطراف .. في حقيقة الأمر لم يبق إلا غزة لم يتم اختراق جغرافيتها حتى الآن من قبل إسرائيل .. أما الباقي، والمعنى في الضفة الغربية، فإنها باتت مأكولة من المستوطنات، فماذا بقي منها غير أطراف قد لا تبقى أطرافا أيضا بعد مدة، إذ إن يد الصهيوني لن تترك مجالا للفلسطيني كي يتنفس فيها، أو حتى يحلم بمستوطنة لا تطل عليه؟
أكل الإسرائيلي الأرض الفلسطينية ولم يبق إلا “الفتات” منها، ثم مدها إلى الجولان في عملية أكل ظنا أنه بإمضاء ترامب سيحقق مبتغاه .. وكنا قد قلنا إنه في المستقبل القريب لن يتورع ترامب أيضا عن تقديم الضفة الغربية لنتنياهو طالما أنه بات موظفا عنده، وأنه إنما تم انتخابه من أجل إسرائيل ولتقديم الهدايا الجغرافية من كيس العرب، ولا متحرك فيهم.
هنالك دول مر بها تاريخ أسود وأبيض لكنها ظلت الوطن الذي لم تتغير فيه أسماؤه، فيما هنالك كيانات تريد أن تصبح أوطانا لكنها لن تصل، مثل إسرائيل التي ترفض حتى الآن أن ترسم على الورق جغرافيتها، لكنها رسمتها على الأرض بذلك الجدار الذي لفها من أولها إلى آخرها .. إسرائيل لن تكون سوى كيان يتسلق طريقه إلى تثبيت حاله بأشكال مختلفة، وهو لم يستطع بعد أن يحل أزمته التاريخية مع الفلسطيني صاحب الأرض الذي يهدر في وجهه، ولن يسمح له أن يعيش أكثر مما عاشه مهما فعل وحاول واحتمى تحت إبط سيده الأميركي .. كان الشاعر الجواهري يقول الدول مثل الإنسان، ولادة ثم فتوة وقوة ثم هبوط إلى الشيخوخة، مهما أرادت تجاوز هذه النظرية الحتمية فلن تصل سوى هذه القاعدة الذهبية .. على إسرائيل أن تستعد لأجيال أصعب بكثير من الحالية وتلك التي مرت في الماضي إبان العمل الفدائي .. ما هو قادم على الكيان العبري سيكون مرا وأشد سنواتها قتامة .. أنظروا إلى كلام ابن السنوات الثماني أو أولئك الذين يجلسون في أرحام أمهاتهم وهم يشربون أنفاسهن المحتدمة التواقة للعودة إلى فلسطين.
شهر أو شهران، كما قال الرئيس عباس، ونرى ما سنرى من علامات أميركية جديدة، سوف لا تساوي شيئا في محصلة التاريخ .. اللعبة انتهت منذ أن سقط الجيش الإسرائيلي عند الحدود اللبنانية وتحول إلى خزان للخوف من ذلك المكان الذي صحح تواريخ عربية .. هل نصدق أن إسرائيل التي كانت تخوض حربا ضد العرب كل أقل من عشر سنوات، تجاوزت هذه المدة وما زالت تبحث عن مخرج لحرب جديدة لم تعد لعبة ولا نزهة، وهي تخسر كل أملها في أن تنهي العقدة التي إن تمكنت من فكها فستكون أقوى الحاضرين في المنطقة، لكن مع ذلك لا يعني أنها ستعيش أطول مما هو مقرر لها!