مقالات

أردوغان الذي نريد

 
فارس بن حزام
 
أفرزت انتخابات تركيا “فرحاً” و”حزناً” لدى العرب، على رغم أنها انتخابات محلية وليست برلمانية، لكنها ذات دلالات كبيرة عن حجم ما أصاب الرئيس التركي من أذى، وقد لمسوا فيها هزيمة أولى لمشروعه.
 
 
وإن انطوى الفرح على مبالغة وتشفي، فلأن الرئيس التركي يخوض معاركه ضدنا، وللسعداء ما يبرر سعادتهم، وللحزانى ما يبرر قلقهم أيضاً، علاوة على سلوك الرئيس نفسه؛ بتوتره وحزبه ورئاسته أمام نتيجة أربكت حساباته في عاصمته الفعلية إسطنبول تحديداً.
 
وهذه المدينة، العائدة كعاصمة لزعيمها، تختزل مسيرته وقصة صعوده، ولها رمزية في مسيرته، مولده ونشأته وكرة القدم ورحلته الحزبية، وأجملها رئاسة بلديتها، ومنها تشكلت نجوميته السياسية، وصار أداؤه في البلدية حجر أساس سيرة قادته إلى رئاسة الحكومة. وإذا أراد محبوه تسويق عمله، تذكروا إنجازه في تحويل عاصمتهم القديمة من مدينة العصابات والإهمال والتلوث إلى قبلة السياحة.
 
وعندما يفقد الرئيس أردوغان هذه البلدية، فتلك صفعة علها تذكره بانحرافه عن الطريق، وقسوته مع مخالفيه، وتشير إلى ما آل إليه الحال عند جمهوره العربي.
 
لقد نجح الرئيس في بدايته السياسية بما أنجزه من أعمال صالحة في إسطنبول، وعجز عن تكراره في علاقاته بالمنطقة، ففتح باب معارك خاسرة مع الخليج ومصر. وإذا عدنا إلى أساسها لن يجد الرأي العام التركي لها مبرراً، خاصة أنها لم تخض على أرض تركية، بل داخل هذه الدول، ولأسباب حزبية صرفة، بحثاً عن زعامة إسلامية على حساب الجميع. في شبابه، تعلم الرئيس أردوغان من كرة القدم العمل الجماعي لتسجيل الأهداف، وفِي كبره أضاع الفرص بعناده وتفرده، فقد كانت لديه الفرصة أن يجعل بلاده الشريك الاستراتيجي الأبرز مع أكبر ثلاث أسواق في المنطقة؛ السعودية ومصر والإمارات.
 
إن الفرحين بهزيمة الرئيس في انتخاباته الداخلية لا يريدون منه الكثير، سوى أن ينشغل ببلاده، وأن لا يعمم عليهم سلوك قبضايات حارة “قاسم باشا”، وأن يوقف العبث في دولهم، وأن يبني علاقات جيدة معها بناء على المصالح المشتركة، وأن ينهي أوهام الخلافة، فذلك شيء دفن قبل 100 عام ولن يعود، كما لا يكفي أن تكون ابن بحار عتيق لتجيد العوم في مياه الخليج العربي والبحر الأحمر.
 
وقبل ذلك، لعل الرئيس أردوغان يقرأ تاريخ المنطقة العربية جيداً. فقبله سعى الرئيس جمال عبدالناصر إسقاط ملكيات، وإقامة أنظمة على مزاجه الفكري، وخسر آلاف الجنود، وانهزم في معركته الرئيسة، ولم يكسب سوى استعداء المنطقة لوطنه وشعبه، وذلك كله نتيجة أن اكتفى بالشجاعة وافتقد للحكمة. والحال هو الحال. ربما يتمثل معنى اسم “أردوغان” في سلوكه، ويعني في اللغة العربية “الفتى الشجاع”. حضرت القوة من اجترار الماضي فقط، وغابت الحنكة السياسية، فأخذ صاحبها بلاده إلى عداوة دول عربية كبرى