مقالات

باختصار: ما بعد داعش!

 
زهير ماجد
 
بالإمكان الآن السؤال عما بعد “داعش” الذي سقط بالضربات القاضية في سوريا والعراق، وبعد أن مهدت له الأرض كي يعبث بالمنطقة، ولكن من باب إنشائه لأجهزته التي ظن أنها تحقق له التمدد والعيش وربما الرخاء.
ظنون لم تفت المنشئ ولو للحظة، خصوصا في حضرة تجهيز الجيشين السوري والعراقي لمعارك أكبر بكثير مما تستأهله مع هذا التنظيم، الذي سادت وسط قيادييه ومقاتليه أن الدنيا ابتسمت لهم، صار لهم “دولة” بكل مساحاتها الجغرافية، وما يمكن فعله سوى الاستبداد بالناس كي تكون البداية صدمة وترهيبا لهم.
لا الأميركي ولا الإسرائيلي ولا البعض العربي أسقط من حسابه أن تتخلص المنطقة من هذه التركيبة المدمرة بهذه السرعة .. أوباما تحدث عن عشرات السنين، وبعضهم وضع عشر سنوات على الأقل .. كان أملا تبين أنه مكتوب فوق الماء أو الرمال، نسي هؤلاء جميعا أن هنالك عطشا لدى السوريين والعراقيين ومعظم أبناء المنطقة للقتال، وحتى للشهادة، إذ إنها تجربة جديدة وفريدة أن يهب شعب بكامله لهذه المهمة، فلربما كانت هزائم العرب أمام إسرائيل أن شعوب العرب لم تقاتل، جلست إلى الراديوهات والتلفزيونات، تركت جيوشها وحدها في الميدان أمام قوى عاتية مؤلفة من الأميركي والأوروبي والإسرائيلي.
كنا نقول في السابق إن إسرائيل لم تربح حروبها، بل إن العرب هم من هزموا أمامها، وكان الشرط لتعديل الفكرة أو محوها، إخراج الشعوب من سباتها للمشاركة بصناعة الحرب وكتابة التاريخ كما يجب أن يكتب في حقائقه الملموسة.
سقط “داعش” إذن، تحررت سوريا والعراق، لكن ما بعد هذا التنظيم هو المهم أيضا، وهو الذي يجب أن نسرد مآله وإلى أين، والحقائق تقول إن فكرته لم تمت ولم تسقط، باعتراف السيد حسن نصرالله الذي اعتبر أنه سقط عسكريا فقط، وكذلك كلمة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الذي استعمل جملة السقوط العسكري، مما يعني أن هنالك استمرارا لهذا التنظيم ولو بطريقة أو طرق، خصوصا كما بات معروفا، وكما هي المعلومات، من أن الطائرات المروحية الأميركية هبطت في الأراضي السورية قرب دير الزور وغيرها، حيث سحبت قيادات من “داعش” إلى مكان غير معروف ومنهم بالطبع أبو بكر البغدادي الرأس الأول في هذا التنظيم، وكانت فعلت الشيء ذاته في العراق حين شارفت معارك الموصل على الانتهاء.
نفهم بالتالي أن الأميركي يريد حفظ قادة التنظيم في ثلاجته إلى الحين الذي سوف يحتاجه في المستقبل، فيما سيتم توزيع مقاتليه على أماكن وسط الصحاري، وفي مناطق جديدة في الشرق الأقصى .. فلقد أنفق عليه المليارات، وهي أموال لو وضعت من أجل التنمية لكان العالم العربي متخلصا من كل سوء أو مشاكل اقتصادية ومالية والتي تسبب تلك الأزمات الاجتماعية المؤدية إلى التدهور في خيارات الشباب ..
هذه السرعة التي انقضى فيها أمر “داعش” أربكت دولا عديدة، لكن الأميركي الذي يملك مساحة كبرى من السيناريوهات، استوعب المرحلة مجهزا البدائل، وفاهما في الوقت ذاته، أن أمر تصفية الحساب معه في توليده للتنظيم، يعني بالنسبة للمحور المتحالف سوريا وروسيا وإيران وحزب الله وآخرين، أنه لن يترك السلاح ولوقت طويل، بل سيزيد من حجم تحالفه وتوثيقه، حتى ولو بادر إلى البحث عن تسويات سياسية لا بد في النهاية من العمل عليها دون التخلي عن جو التعبئة العسكرية والاستنفار الدائم والاستعداد في كل لحطة لأي طارئ.

admin