مقالات

جسور البوسفور

افتتاح حسر جديد على البوسفور.
 
جهاد الرنتيسي
 
حالة الانكفاء التي أعقبت محاولات التمدد التركي لم توقف سعي أردوغان لايجاد مكان لتركيا في العالم الجديد، لكن ذهنية البحث عن المكان المنشود تغيرت ينقص الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاصغاء لتفاصيل ثنائية الجغرافيا والتاريخ بدءاً بمدى تأثير وتأثر كل منهما بالعلاقة التي تنعش مخيلات الباحثين ومروراً بامكانية اسقاط أدوات قياس كل من طرفي المعادلة على الآخر.
 
خلال وجود حزبه العدالة والتنمية في السلطة استطاع أردوغان تشييد عدد من الجسور على ضفتي مضيق البوسفور وفي المدن التركية الكبرى معتمداً على قدرات ومهارات الفنيين والعمال الأتراك في البناء وحرصهم على اتقان ما يقومون به من أعمال.
 
تجربة بناء الجسور وفتح الأنفاق في تركيا كانت كافية لاغراء صانع السياسة التركي بالاستفادة منها في تفسير التاريخ ومحاولة توظيفه إذا لم تكن إعادة انتاجه ممكنة.
 
تسليم الرئيس التركي بأن العالم على مشارف قرن جديد وعلاقات دولية مختلفة لم يكن جديداً ويمكن العثور على بعض شواهده ومقدماته خلال السنوات السبع الماضية لكنه دفع أردوغان مؤخراً للاعتقاد بامكانية جبر الكسر بين التاريخين العثماني والأتاتوركي وتمثلهما دون اكتراث بظروفهما وفجوة التحول الفاصلة بينهما والشوط المقطوع لتكريس الاول على حساب الثاني.
 
خطابات أردوغان الاخيرة استعادت مؤسس تركيا الحديثة مصطفي كمال أتاتورك والحروب التي خاضها ضد جيوش احتلت اجزاء من البلاد لينتهي بتخليصها من مصير مجهول بعد الحرب العالمية الاولى الأمر الذي ينطوي على لبس يجمع بين الرغبة في الانقلاب ومحاولة التوفيق بين تناقضات زمنين فلم يمر وقت طويل على ظهور نزعات ومفاهيم أخرى في الخطاب السياسي المستخدم خلال سنوات ما عرف بـ “الربيع العربي” حيث سادت أحلام العودة الى زمن السلاطين مستفيدة من أوهام القوة التي أتاحتها تقلبات المنطقة وإفرازات التكوين الفكري للاسلام السياسي وامتداداته.
 
ضيق الفترة الزمنية الفاصلة بين وتيرتي التوجهين السياسيين والخلفيات الفكرية والاداء السياسي والتعبئة السابقة لجمهور العدالة والتنمية ترجح المواربة وربما محاولة التوفيق فيما تدفع المتغيرات السياسية المتلاحقة في المنطقة نحو اعادة التفكير التي تنطوي على احتمالات ضئيلة للانقلاب على الميل للتحجر العثماني والتصالح مع التغريب الأتاتوركي.
 
وفي الحالتين لا يخلو الأمر من ارتباك تشعبت مظاهره بين منعرجات التعامل التركي مع تعقيدات أزمات المنطقة وتعددت ايحاءاته التي تلتقي عند التدليل على غياب الرؤية والتصورات الواضحة للفرص والتحديات التي تواجهها البلاد.
 
حالة الانكفاء التي أعقبت محاولات التمدد التركي لم توقف سعي أردوغان لايجاد مكان لتركيا في العالم الجديد، لكن ذهنية البحث عن المكان المنشود تغيرت، ففي السنوات السابقة كانت محكومة برغبة التوسع، وفي المرحلة المقبلة بالقلق من تدخلات خارجية في البلاد، مما يفتح شهية براغماتية الخطاب السياسي المستخدم لمد جسور بين زمنين لا يلتقيان.