مقالات

تغريد الطاسان

 
نمط حياة
 
مما لا شك فيه أن اتباع الأنظمة الغذائية المختلفة من أكثر الأشياء المزعجة، فمهما حاول المتخصصون في التغذية تسهيلها أو زيادة خيارات التنوع فيها تظل من مسببات الحرمان، الذي يؤدي إلى الاكتئاب الموقت، لذا فهي فاشلة مع أكثر الناس، إلا القلة القليلة التي قررت أن تنظم فوضى مدخلات المعدة، لتحولها من بيت الداء إلى مخزن الدواء، بجعل تلك الأنظمة أسلوب حياة دائم، لا حلاً موقتاً للتخلص من تراكمات دهون تسرق صحة الإنسان باسم التلذذ بالطعام.
 
عن تجربة شخصية، لم أستطع يوماً التزام حمية غذائية، لأن إعداد الطعام عندي هواية، والتلذذ بتذوقه متعة، ومثل معظم النساء، كنت في صراع مرهق في محاولتي الجمع بين لذائذ الطعام، وبين المحافظة على الوزن المناسب، إلى أن قررت في لحظة وعي، صادفت رغبة صادقة، التحرر من سجن الحميات الغذائية، بالخروج منه إلى عالم أكثر رحابة، بمباهج غذائية لا حد لها ولا حصر، عالم جديد يعتمد على تغير نمط تغذيتي، لتصبح أسلوب حياة بنجاح دائم، يجمع بين فوائد الطعام ومتعة تذوقه، لا حلاً موقتاً فاشلاً بمتعة باهتة وفائدة كاذبة، ومثل كل تغير بعد تعود طويل، وجدت مقاومة من شهيتي، التي اعتادت الانقياد لرغبات النفس، ومن ثم حرمانها في محاولة فاشلة للمحافظة على الهدف المطلوب.
 
تجربتي هذه مثال بسيط، أردت أن أوضح من خلاله، أن قناعاتنا التي تراكمت عبر سنوات، قد تكون حواجز صلبة، أمام تغير عادات سلوكية أو اجتماعية أو صحية خلال حياتنا اليومية، في كثير من أمورنا في مجالات مختلفة، ما نعانيه هو مزيج من قناعات ورغبات والتزامات أو مسؤوليات حتمية لا تستقيم الحياة من دونها، بعضها ملحّ وبعضها ينتظر، ما أريد أن أصل إليه، أن حياتنا هي إرادتنا وعزيمتنا، ومتى ما قررنا شيئاً فلن يقف أحد في طريقنا.
 
ما نعيشه الآن في حياتنا، يلزمه تفكير جديد، وأنماط جديدة للسلوك وللحياة وللقرارات، ومحاولة صنع واقع جديد يتلاءم مع ما نعيشه ونحياه وتجبرنا الظروف عليه.
 
نمط الدراسة والوظيفة لا بد من تغييره، والبحث عن فرصة نصنعها لأنفسنا قبل كل شيء، ولا ننتظر خلف طابور طويل، ونلقي بالتهم هنا وهناك، وكأن لا شيء سيتم إلا من خلال وظيفة حكومية، وفي المقابل، لنبتعد عن توجيه أبنائنا نحو تخصصات دراسية انتهى زمنها، ولنعلي من قيمة العمل باليد والممارسة من دون النظر إلى اعتبارات اجتماعية انتهى زمانها، أيضاً لا بد لنا من تغيير نمط اعتماد الأولاد على والديهم دوماً، وتحكّم الأبوين بمصير أولادهم، ومنحهم فضاءات أكثر اتساعاً لأجل تحديد مستقبلهم من خلالهم.
 
ولا بد لنمط تعاملاتنا وقوانيننا من مواكبة الأنماط الجديدة، لأجل ضمان المسار العدلي وحفظ الحقوق والحريات لكل أحد، ولكي يطمئن كل أحد إلى أن هناك من يردع كل من يتعدى، وينتظره العقاب المناسب.
 
الحياة في شكل عام، نخنقها عندما نضعها في إطار واحد، ومجتمعنا تأثر خلال العقود الماضية، بنمط تفكيري واحد، جعل من أسلوب حياتنا أصعب قدرة على مواكبة الظروف والمتغيرات، وجعل البعض يخاف ويرتاب، بل وللأسف أصبح يشكك في الحلول والمخارج.
 
باختصار، من يتحكم في نظامه الغذائي ويسيطر على تداعيات رغبات جسده ويحافظ على صحته، سيستطيع صناعة ثقافة مختلفة لنمط حياة جديد يمنحه القدرة على التنوع والابتكار وخلق مناخات جديدة، تسمح بأجواء ماطرة على تضاريسنا الصعبة، كل ما نحتاج إليه إذابة قناعات راسخة وتغيير أنماط حياة معتادة لتكون أسلوب حياة جديداً، به نفوز بأكوان مختلفة ننعم فيها بالحياة التي تليق بنا أفراداً ومجتمعات.