مقالات

ثمن الحداثة

| وليد الرجيب |

إن مشروع تحديث الدولة، يجب النظر إليه ليس من جانبه الاقتصادي فقط أو الاجتماعي الشكلي، بل يجب أن يكون ذا مضمون يستند إلى أسس الدولة الحديثة، وهي الحرية والمشاركة في القرار والتعليم الحديث، وتنمية العقول والبشر.

فالشكل يجب أن يتناسب مع المضمون، بل إن الأخير هو الأساس والشكل يأتي تابعاً، كما أن المظهر يتبع الجوهر، فمثلاً لا يتناسب لباس المرأة العصري مع تخلف العقلية، سواء عند النساء أم عند الرجال، ولا تتناسب العمارات الحديثة والأبراج الشاهقة، مع ميراث عقلي لا يناسب العصر ولا يتماهى مع الشكل (العمارات والأبراج).

إذ إن ذلك يتطلب تحقيق الديموقراطية والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وإطلاق الحريات، كما يتطلب أن تكون الدولة دولة مؤسسات وأحزاب، يحكمها ويسود فيها قانون يطبق على الجميع، وتتطلب أيضاً التنمية الذاتية المستقلة، والتخلص من التبعيات الاقتصادية والسياسية، ورجحان كفة الرعاية الاجتماعية على الخصخصة، والاتجاه للتصنيع وتنمية الموارد.

إن الحداثة تتطلب عقلية حديثة مدنية علمانية، وتتطلب شجاعة وحزما وخططا ودراسات علمية، كما فعلت كمبوديا من خلال الخروج من وحل الفقر والتخلف والأمية، إلى مصاف الدول الكبيرة فتحولت إلى مركز استثماري وتجاري دولي، كل ذلك خلال عشرين سنة فقط.

فعندما بدأت النهضة في الكويت، كانت هناك ارهاصات ومقدمات لتطور الإنسان والثقافة، فما أن ولجت الكويت عهد الاستقلال، وانطلق مشروع تحديث الدولة، لم يشكل ذلك تناقضاً مع العقلية والشخصية الكويتية، فتناسب الشكل مع المضمون نسبياً.

على عكس بعض الدول، التي اعتمدت الحداثة الشكلية قبل تحديث العقول، فالحياة الاجتماعية والثقافية السائدة لا تناسب الشكل الظاهري للحداثة، مثل بناء بيت حديث من الخرسانة من دون مجاري تصريف أو تمديدات كهربائية، أو بناء مدارس حديثة مع مناهج متخلفة عن متطلبات العصر.

للحداثة ثمن من ضمنه التخلي عن الانفراد بالسلطة والقرار، والتخلي عن الدولة العشائرية والانطلاق للدولة المدنية بكل متطلباتها، واحترام حرية الرأي والعقيدة، وإعادة بناء الثقافة الحديثة وجعلها سائدة على ما عداها.