مقالات

حربُ الأفكار .. كيف تَهزِمُ أمة ؟ (الجزء الثاني)

أسامة عصام

ذات صباح.. كان الرجل الطيب جالسًا ببيته وسط أبنائه، يتناولون الإفطار ويحتسون كوبًا من الشاي الساخن، فإذا بغريبٍ قادم من بعيد بآلة هدمٍ منذرًا مهددًا أن اخرجوا من هذا البيت، وإلا هدمته فوق رؤوسكم بعد أن أنهب أموالكم،

فاستحضر الرجل الطيب قول شيخه عن رسوله صلى الله عليه وسلم: “من قُتِلَ دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد…” الذي كان يقول عنه شيخه دائمًا أنه في مسند الإمام أحمد وبعض ألفاظه في الصحيحين.

فقام الرجل، وقام أبناؤه، واستغاثوا بالله ونادوا على الجيران، واجتمعوا جميعًا على الغريب وردّوه عن دارهم مع بعض الإصابات من كلا الطرفين، وبعض الأضرار التي قد لحقت بطلاء المنزل.

في بلدة أخرى ومنزل آخر جاء نفس الغريب، وطلب نفس الطلب، فحمل صاحب المنزل حقيبة ملابسه على ظهره في هدوءٍ تام وسط دهشة الجميع مستجيبًا للطلب الغريب من الرجل الغريب إلى حيثُ لا يدري، أو لربما سيذهب إلى بلد هذا الغريب علّه يجدُ ملجئًا يأوي إليه.

تُرى ما الذي صنع هذا الفارق؟! فَكِرْ قليلًا!

هل سمعت يومًا عن حرب الأفكار؟! كانت هذه الإستراتيجية كما ذكرنا آنفا ترتكز على ثلاثة أسس ومبادئ، تحدثنا عن أساس إفساد أخلاق هذه الشعوب في مقالنا السابق ومن ثم بقي لنا أساسان.

لا بد أنك قد عرفت ما الذي قد صنع الفارق، ومن لم يعرف فمقالتنا له، ولا ضير لمن عرف أن يكمل القراءة.

كل مقاومة هي في الأصل فكرة، وكل فكرة لها أدبيات ونصوص مقدسة قائمة عليها، فكيف إن تلاعبنا قليلا في الأدبيات، وحرّفنا النصوص، أو لوينا أعناقها؛ لتوافق أهدافنا أن لا نريد مقاومة، ولا نريد بذل الكثير من الجهد والمال، وكيف إن كان هذا اللىُّ بيد المختص المغفل؟!.. أَتُرى ستظل هناك مقاومة.. لا أظن!

من البداية كانت أفكار رامسفيلد (وزير الدفاع الأمريكي السابق) لها هذا البعد الأساسي، ومن قبله كافة المفكرين. اتفقوا جميعًا أن إفساد مصادر العقيدة وطريقة فهمها هو الطريق الأيسر لهزيمة هذه الأمة، ومن ثمَّ نهب ثرواتها والهيمنة عليها، فمن فسدت عقيدته بات من السهل علينا أن نحيّده، أو بالأحرى أن نطوّعه.

كانت التوصيات دائمًا تشدد على العمل على تغيير هذه المناهج المليئة بقصص أبطال المسلمين الأفذاذ، لا نريد لهم أن يقتدوا بهؤلاء، بل اجعل من قدواتهم أديبًا يرى أن القرآن نصٌ أدبي لا مانع من نقده، أرِهم كيف كان هذا الأديب يقضي ليلته سارحًا في خياله مع محبوبته، وكيف كان يلتهم قطع الهريسة ويتجرع ماء الفول.

امحُ يا هذا أمجاد خالد، وفتوحات عقبة، وقيادة أسامة، وأبهرهم بتقدم أمريكا والغرب، حدثهم كم كانوا وما زالوا برابرة وهمج، حدثهم أنهم لا بدَّ لهم أن يكون مسالمين خاضعين لا يرفعوا رؤسهم إلا إذا أذِنَ لهم القطب الأوحد عبر وكيله ببلدهم، ابعث في نفوسهم التقهقر والخنوع، وأخبرهم مرارًا وتكرارًا أن هذا الواقع لا يمكن تغييره، وأن أنظمتنا في الحكم هي الأفضل على الإطلاق، نحِّ عن أذهانهم ذكر ماضيهم، وأزكم أنوفهم عن عبقِ خلافتهم الراشدة،

وانتقِ لهم ما يحلو لنا من سيرة نبيهم، حدثهم عن نبيهم السمح اللين، وأبعد عنهم ذكر نبيهم القائد الحازم الفذّ، ثبت في نفوسهم “اذهبوا فأنتهم الطلقاء” وامح عنهم فعل نبيهم في من خانوا عهده من اليهود بمشورة سعدٍ الهُمام.

كنت اتصفح موقع اليوتيوب، فوقع تحت نظري مقطع يحمل عنوان (فلان الفلاني: علمُ حديث رسول الله علمٌ تافه) , وآخر لذات الشخص يطعن في كبار أئمة المسلمين وعلمائهم، ويدعو لحرق كتبهم وإذا نظرت لهذا الشخص بعين المتأمل ترى أنه كالماء بعد العطش، والغيث بعد النضب لمثل أناسٍ لا يريدون لهذه الأمة إلا نومًا يليه موت، وما ضربت مثلًا إلا لأبرهن على فاعلية هذه الأفكار، وترعرعها في أوساطنا، وإفراد الإعلام برامج لها.

في مثل هذه القضية انتفض الأزهر وعمل على وقف برنامجه، وناظره أحد علمائه، وأبان للناس عوار فكره ونحن له شاكرون، في حين أنك ترى نفس الأزهر واضعًا أصابعه في أُذُنِه مستغشيًا ثيابه عن الكثير الكثير مما امتلأت به مناهج التعليم وما قد تم حذفه منها، وما يعج به الإعلام مما يشفِ صدور قومٍ كافرين.

ختامًا أختم بكلام زويمر -زعيم المبشرين– الذي وقف يومًا على جبل الزيتون بالقدس الشريف مخاطبًا جمهوره إبان احتلال الإنجليز لفلسطين سنة 1354هـ -1935م فقط لتعيدوا التأمل في كلامه وترى نفسك هل صرت ترسًا في آلة هذه الأفكار، أم أنك شوكة في حلوقهم.

يقول زويمر: “لقد قبضنا أيها الإخوان في هذه الحقبة من الدهر؛ من ثلث القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا، على جميع برامج التعليم في الممالك الإسلامية، وإنكم أعددتم نشئًا في ديار المسلمين لا يعرف الصلة بالله، ولا يريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم من الإسلام، ولم تدخلوه في المسيحية، وبالتالي جاء النشء الإسلاميّ طبقًا لما أراده له الاستعمار المسيحيّ، لا يهتم بالعظائم، ويحب الراحة والكسل، ولا يعرف همه في دنياه إلّا في الشهوات، فإذا تَعَلَّمَ فللشهوات، وإذا جمع المال فللشهوات، وإن تبوأ أسمى المراكز، ففي سبيل الشهوات يجود بكل شيء”.