مقالات

حلف وارسو معكوساً

 
مصطفى زين
 
 
طمأنت الولايات المتحدة حلفاءها في الشرق الأوسط إلى أن سحب قواتها من سورية لا يعني تركهم وحيدين في مواجهة إيران وروسيا. أوضح ذلك وزير الخارجية مايك بومبيو خلال جولته التي شملت تسع دول في المنطقة، ودعا زعماءها إلى جانب “دزينة زعماء” من أوروبا وإفريقيا وآسيا إلى مؤتمر يعقد في وارسو الشهر المقبل لمناقشة التصدي لإيران واحتوائها و”قطع اذرعها”، خصوصاً في العراق وسورية ولبنان. ولم ينس تكرار الكليشه المعروفة عن إحلال السلام والأمن والإستقرار الذي تزعزعه طهران وحلفاؤها.
 
 
التحالف ضد إيران ليس بالأمر الجديد. منذ إطاحة الشاه والإدارات الأميركية المتعاقبة تحاول ذلك وترتكب حماقات. دعمت العراق في حرب الثماني سنوات ثم تخلت عنه وبدأت عملية “الإحتواء المزدوج”، لكنها فشلت في إخضاع بغداد وطهران معاً، ثم كانت الحماقة الكبرى التي ارتكبها بوش الإبن عام 2003 عندما شن “هجوماً توراتياً” على العراق وأتى بالمعارضة المقيمة في طهران وسلمها السلطة، فاتحاً كل الأبواب أمام نفوذها الذي تمدد إلى سورية ولبنان. وأصبحت تشكل خطراً على إسرائيل فاستنفرت كل الجهود لتشكيل تحالف جديد للدفاع عن الحليف الأول في الشرق الأوسط.
 
أرسل البيت الأبيض، بالتزامن مع جولة بومبيو، نائبه للشؤون السياسية ديفيد هيل ومستشار الأمن القومي جون بولتون. كان هيل واضحاً جداً في بيروت، فبعد لقائه رئيس الوزراء سعد الحريري، أعلن شروطه لدعم “الحلفاء اللبنانيين”، منها أن تكون بيروت جزءاً من “تحالف وارسو” الذي تسعى واشنطن إلى تشكيله، وإبعاد “حزب الله” من أي تشكيلة حكومية جديدة فالـ “المجتمع الدولي يراقب عن كثب” التشكيلة الجديدة التي طال انتظارها أكثر من سبعة شهور. وقد أتت تصريحاته لتؤكد من جديد أن استقلالية القرار اللبناني مجرد نكتة سمجة يرددها بعض الذين يستغبون اللبنانيين.
 
أما بولتون فكانت مهمته طمأنة إسرائيل إلى أن الإنسحاب من سورية لا يعني التخلي عنها أو التراجع عن التحالف التاريخي الاستراتيجي معها، كما سعى لطمأنة الأكراد إلى أن واشنطن ما زالت إلى جانبهم حتى لو غضبت تركيا، ما استدعى تدارك البيت الأبيض غضب أنقرة والتنسيق معها لإقامة منطقة آمنة داخل الأراضي السورية لدرء الخطر الكردي.
 
لكن أردوغان الذي اقتنع بهذا العرض ما زال يتطلع إلى روسيا ليكون شريكها في رسم مستقبل سورية، فالولايات المتحدة مهما أكدت أنها فاعلة في هذا البلد ليس لها وجود عسكري يعتد به، أما تأثيرها السياسي فتراجع إلى الصفر بعد تخليها عن المعارضة وحصر دعمها بالأكراد.
 
تدرك أميركا أن إيران ليست اللاعب الوحيد في المنطقة، فقد دخلت روسيا بكل قوتها العسكرية والديبلوماسية إلى جانبها، من دون أن ننسى الصين وهي ظهير قوي لهذا التحالف. وإذا كان التصدي لموسكو في سورية غير ممكن عسكرياً فأقل ما يمكن فعله هو تشكيل حلف وارسو معكوساً قرب حدودها. فالحلف القديم، ايام الحرب الباردة، كانت تتحكم فيه موسكو، وكان معادلاً للحلف الأطلسي. أما الجديد فسيكون مكوناً اساساً من دول أوروبا الشرقية (دول الإتحاد السوفياتي السابق) الموالية كلياً لواشنطن وتربطها علاقات وثيقة مع إسرائيل. وسيضم التحالف دول الشرق الأوسط التي لا تخفي عزمها على التصدي لإيران ونفوذها في المنطقة.