مقالات

رسائل لمن يتلاعب بقضية اللاجئين

نجاح عبدالله سليمان
جاء إقرار حقوق الإنسان في العصور الحديثة والاعتراف بها من المجتمع الدولي عبر اتفاقيات جنيف الأربع المؤرخة في 12 آب (أغسطس) 1949 وفي بروتوكوليها الإضافيين المؤرخين في 8 حزيران (يونيو) 1977. ومعروف أن دائرتي القانون والأخلاق غير متطابقتين، والتمييز بينهما يرِد من أن الجزاء القانوني يرجع إلى سلطان الدولة، بينما الجزاء الخلقي هو جزاء أدبي يتعلق بازدراء الجماعة للفعل المشين. ويغلب على المقاييس القانونية أنها ظاهرة تتعلق بالسلوك الخارجي في الأساس. بينما يغلب على المقاييس الأخلاقية أنها باطنية تتعلق بالضمير وترجع إلى العقيدة الدينية، مع أن ثمة تداخلاً في الأمرين، عندما يتصل الحكم القانوني على الفعل بعنصر القصد والنية أو عندما يتصل الحكم الأخلاقي بالموقف العملي.
 
يجب أن تطبق الدول المتعاقدة أحكام هذه الاتفاقية على اللاجئين من دون تمييز بسبب العرق أو الدين خصوصاً على صعيد حرية ممارسة شعائرهم الدينية وحرية توفير التربية الدينية لأولادهم. وتخضع أحوال اللاجئ الشخصية لقانون بلد موطنه، أو لقانون بلد إقامته إذا لم يكن له موطن، وتحترم الدولة المتعاقدة حقوق اللاجئ المكتسبة والناجمة عن أحواله الشخصية، ولا سيما الحقوق المرتبطة بالزواج، على أن يخضع ذلك عند الاقتضاء لاستكمال الشكليات المنصوص عليها في قوانين تلك الدولة، ولكن شرط أن يكون الحق المعني واحداً من الحقوق التي كان سيعترف بها تشريع الدولة المذكورة لو لم يصبح صاحبه لاجئاً، تمنح الدول المتعاقدة كل لاجئ أفضل معاملة ممكنة، لا تكون في أي حال أدنى رعاية من تلك الممنوحة، في الظروف ذاتها، للأجانب بعامة، في ما يتعلق بحيازة الأموال المنقولة وغير المنقولة والحقوق الأخرى المرتبطة بها، وبالإيجار وغيره من العقود المتصلة بملكية الأموال المنقولة وغير المنقولة.
 
نعم، يجب أن يسمح للاجئ ما لم تتطلب خلاف ذلك أسباب قاهرة تتصل بالأمن الوطني، بأن يقدم بينات لإثبات براءته، وبأن يمارس حق الاستئناف ويكون له وكيل يمثله لهذا الغرض أمام سلطة مختصة أو أمام شخص أو أكثر معينين خصيصاً من قبل السلطة المختصة. وتمنح الدولة المتعاقدة هذا اللاجئ مهلة معقولة ليلتمس خلالها قبوله بصورة قانونية في بلد آخر. وتحتفظ الدولة المتعاقدة بحقها في أن تطبق، خلال هذه المهلة، ما تراه ضرورياً من التدابير الداخلية، ولا يجوز لأي دولة متعاقدة أن تطرد لاجئاً أو ترده بأي صورة من الصور إلى حدود الأقاليم التي تكون حياته أو حريته مهددتين فيها بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو بسبب آرائه السياسية، وعلى أنه لا يسمح بالاحتجاج بهذا الحق لأي لاجئ تتوافر دواع معقولة لاعتباره خطراً على أمن البلد الذي يوجد فيه أو لاعتباره يمثل، نظراً إلى سبق صدور حكم نهائي عليه لارتكابه جرماً استثنائي الخطورة، خطراً على مجتمع ذلك البلد.
 
تسهل الدول المتعاقدة قدر الإمكان استيعاب اللاجئين ومنحهم جنسيتها، وتبذل كل ما في وسعها لتعجيل إجراءات التجنس وتخفيض أعباء ورسوم هذه الإجراءات إلى أدنى حد ممكن. وتتعهد الدول المتعاقدة التعاون مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أو أية مؤسسة أخرى تابعة للأمم المتحدة قد تخلفها، في ممارسة وظائفها، وتتعهد على وجه الخصوص تسهيل مهمتها في الإشراف على تطبيق أحكام هذه الاتفاقية. ومن أجل جعل المفوضية، أو أي مؤسسة أخرى تابعة للأمم المتحدة قد تخلفها، قادرة على تقديم تقارير إلى الهيئات المختصة في الأمم المتحدة، تتعهد الدول المتعاقدة تزويدها بالشكل المناسب المعلومات والبيانات الإحصائية المطلوبة بهذا الشأن.
 
الواقع أن اتفاقية جنيف الرابعة تقضي بأنه “لا يجوز نقل أي شخص محمي في أي حال إلى بلد يخشى فيه الاضطهاد بسبب آرائه السياسية أو عقائده الدينية”. وفي حالة احتلال أراضي دولة ما، فإن اللاجئ الذي يقع تحت سلطة الدولة التي هو أحد مواطنيها يتمتع أيضاً بحماية خاصة، إذ إن الاتفاقية الرابعة تحظر على دولة الاحتلال القبض على هذا اللاجئ، بل تحظر عليها محاكمته أو إدانته أو إبعاده عن الأراضي المحتلة (المادة 70، الفقرة 2).
 
بيد أن مواطني أي دولة الفارين من نزاع مسلح للإقامة في أراضي دولة لا تشارك في نزاع دولي لا يتمتعون بالحماية بموجب القانون الدولي الإنساني، ما لم تقع الدولة الأخيرة بدورها فريسة لنزاع مسلح داخلي. ويتمتع اللاجئون عندئذ بالحماية بناء على المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف وأحكام البروتوكول الثاني، وفي هذه الحالة، يقع هؤلاء ضحية لحالتين من النزاع: أولاً في بلدهم، ثم في البلد المضيف. وبالنظر إلى فرعي القانون الدولي (القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني)، فإنهما يستمدان قواعدهما وتشريعاتهما من المعاهدات والقانون الدولي العرفي (الذي يأتي بمعنى الممارسة الفعلية والمنتظمة للدول التي بلغت حد تشكيل اقتناع بأنها التزام دولي يترتب على مخالفته قيام المسؤولية الدولية). وخلال صياغة نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في العام 1998، دونت القواعد في القانون الجنائي الدولي استناداً إلى القواعد القائمة في قانون حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، إضافة إلى القانون العرفي، والتي بموجبها يتحمل المسؤولية الجنائية الفردية منتهكو هذه القواعد. علينا أن نعترف بحق اللاجئين الذين أُخرجوا من ديارهم، وانتقلوا بين ألسنة النار وقضت الحرب على الكثير منهم، نساء وأطفال وعجز وشباب لم يجدوا طريقاً للنجاة إلا بالرحيل، فتشتتوا بفعل الذين قرروا اقتلاعهم وتهجيرهم وقتلهم. لقد عجز اللاجئون عن تأمين حياة في وطنهم، فأخذتهم الحرب إلى المجهول، لم يختاروا الرحيل بإرادتهم. فلا يمكن أن يكون اللاجئون ضد بلاد اللجوء. نعرف أن البعض يريد للجوئهم الاضطراري أن يتحول مشكلة كبرى. هناك من يتلاعب بقضية اللاجئين، فيريد تحويلها إلى سلعة يجري تداولها من بعض عنصريي السياسة لتحقيق مكاسب فئوية، وليكون المستفيد الأول ذاك الذي تسبّب بتهجيرهم أو كان جزءاً من ترحيلهم.