مقالات

رمد زرقاء اليمامة!!

 
عادل سعد
 
”.. أي نفاق أبشع من ذلك, أن يتمتع مروجو (البغاء السياسي) والعقلي بكل الامتيازات المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان, وفي البروتوكولات اللاحقة لتعزيزه، في حين يعيش مواطنون التزموا الشرف بكل منغصات الشحة, وقد لا يتوافر لهم في بعض الأحيان ثمن وجبة أكل بسيطة.”
أية مفارقة أبشع من ذلك, أن يغترف موظفون عموميون من فوق الطاولة ومن تحتها بدون حساب لما يمكن أن يؤدي ذلك من تلف في البنية الأخلاقية للمجتمع، في حين تبدو مدن عارية نسبيا من الخدمات الحقيقية مع انتشار عشوائي سكني ليس فيه من الخدمات المدرسية ما يصلح لإيواء أطفال بأعمار غضة.
وأية مفارقة أبشع من ذلك, أن يُصرف على الأسلحة والإرضاءات السياسية وشراء ذمم وتوظيف عملاء برواتب شهرية مجزية من أجل أن يكونوا مروجين لهذا النظام أو ذاك بأهداف توسيع نفوذه, والاستعلاء على الدول الأخرى، بينما يقتضي النظامان الإقليمي والدولي التخلي عن هذه العلياء الزائفة.
وأية مفارقة اجتماعية مدمرة أن يلح سياسيون على إصدار قوانين تجيز تسويق طفلات بسن تسع سنوات كزوجات ومحضيات تأسيسا عصريا لقناعات عفى عليها الزمن وأصبحت من ملفات الماضي.
وأي مفارقة ناسفة, أن تُرغم (زرقاء اليمامة) بالنسخة العصرية على الدخول إلى أحد المستشفيات بذريعة معالجة (الرمد) الذي أصابها، في حين أن أنظارها لم تتعرض لأي عطب.
وأية صورة هزيلة فاقعة (غنية) بالحماقة والإسراف, أن يلبس (حاتم الطائي) الجينز أو يقتني أغلى البدلات وربطات العنق من علامات (ماركات) عالمية، في حين لا يملك أطفال ونساء ومسنون ما يلبسونه لتغطية أجسامهم بشكل محتشم.
وأية لوثة اجتماعية, أن يكون العنف السلطة اليومية الحقيقية على نساء، في حين يتمتع أقرانهن من الرجال والشباب بكل امتيازات العيش الآمن.
وأي نفاق أبشع من ذلك, أن يتمتع مروجو (البغاء السياسي) والعقلي بكل الامتيازات المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان, وفي البروتوكولات اللاحقة لتعزيزه، في حين يعيش مواطنون التزموا الشرف بكل منغصات الشحة, وقد لا يتوافر لهم في بعض الأحيان ثمن وجبة أكل بسيطة.
وأية ضحالة وبيع للوجاهة أكثر من ذلك, أن يتسابق فنانون وشخصيات عامة أخرى على الظهور في إعلانات لترويج بضائع (مخجلة) مع ابتسامات عريضة، في حين أن ما لديهم من الممتلكات يمكن أن يعيشوا بها لأكثر من 200 عام من دون أن تصاب ممتلكاتهم المالية بخلل.
وأي انكسار ونكوس أن نجيد ثقافة النواح على الماضي ومباركة الأطلال، في حين أن مجال المستقبل يدعونا إلى اللحظة الحضارية اللازمة, وأي غياب وطني أن يقع شخوص من المعارضة السورية تحت طائلة المراوحة بين احتمال المشاركة في مؤتمر سوتشي أو الامتناع عنه، بينما رمي حجر ـ كما يقول الصينيون ـ قد يجلب الجواهر.
هناك في الحقيقة افتقاد للمعايير الصحيحة, واقتفاء الأثر السيئ مع الأسف, بل إن هناك توافر فرص عديدة لصناعة (خراتيت) اختصاص بالمناهج السياسية الرثة التي لا تجد في الوطن إلا غنيمة ومجالا حيويا لها دون غيرها، وضمن محاولات تستهدف توظيف الواقع بما يلبي أطماعها ونزعاتها للاستحواذ والهيمنة, وهكذا أيضا، المشكلة الجديدة الآن ليس في العدد الكبير من الضالعين بمعرفة من (أين تؤكل الكتف), بل المشكلة أن (الأكتاف) الصالحة للأكل بدأت تتناقص، ولذلك لا بد من وضع حد لثقافة التسلق والقفز والزواغ, أنا هنا أستمد هذه المؤشرات من النسخة العراقية السائدة الآن ضمن صراع يومي بين دوائر وشخصيات ومؤسسات تحاول أن ترسم صورة سوداء للبلاد لتبرير نهبها ونزعاتها العدوانية للهيمنة والتسلط وإقامة أعراس الثعالب, وإلا كيف يمكن أن يتجرع مراقب هذا الكم الهائل من الكتل والأحزاب التي وصل عددها حتى الآن إلى أكثر من 204 كيانات سياسية, وكان من الممكن أن يرتفع هذا العدد أكثر لولا الشروط التي وضعتها مفوضية الانتخابات.
إن هذا العدد الكبير من الكيانات ليس عنوانا للديمقراطية أصلا, بل هو خلاصة واضحة للفوضى والتسابق غير المشروع، والوقوع تحت تأثير إغراء الغنيمة, مع حقيقة أن بارتفاع عدد الكيانات السياسية العراقية تزداد وتيرة الفساد.
الحال، لا فرصة للعراقيين ولغيرهم إلا بالتخلي عن ثقافة التسلق مع يقيني أن القردة لا يمكن أن يكونوا في مأمن مهما وصلوا إلى أعالي الأشجار وهذا هو رهان الشرفاء أصلا.

admin