مقالات

سمير السعداوي

 
ضجيج واشنطن … مجرد مشاحنات
 
ليس غريباً وقد لا تكون صدفة أن يشن السناتور جون ماكين هجوماً على الرئيس دونالد ترامب، متهماً إياه بأنه تهرّب من التجنيد في حرب فيتنام عبر الادعاء زوراً بأنه مصاب بنتوء عظمي في رجله. ويقول ماكين الذي أسر 5 سنوات في تلك الحرب، إن كثيرين من أبناء الأثرياء الأميركيين في ذلك الوقت استخدموا هذا العذر للتهرب من التجنيد.
بين ترامب وماكين «ما صنع الحداد»، لكن الكلام الاخير يصب في خانة انتقاد «تصعيد أهوج» مارسه ترامب مع الكوريين الشماليين، والإيحاء بأن سيد البيت الأبيض الحالي لا يعرف مآسي الحرب ولم يختبر آثارها، ناهيك عن أن هجوم ماكين يصعب مهمة الرئيس الذي يخطط لزيارة الكونغرس خلال أيام لتسويق مشروعه للموازنة، ولا بد ان يلتقي الأعضاء المخضرمين في مجلس الشيوخ وفي مقدمهم السناتور الجمهوري البالغ من العمر 81 سنة.
ومن الملفت ان يتزامن ذلك مع إبداء الرئيس السابق جيمي كارتر استعداده للتوجه إلى بيونغيانغ والتحاور مع الزعيم الكوري الشاب كيم جونغ اون، في محاولة للتوسط لحل الأزمة، ما يخطف المبادرة من ايدي مسؤولي إدارة ترامب.
الرئيس السابق الذي يحتفظ بلياقة بدنية مذهلة قياساً لسنواته الـ91، ظهر إلى جانب نظرائه جورج بوش الأب والابن وبيل كلينتون وباراك أوباما نهاية الأسبوع الماضي، في مناسبة لجمع التبرعات لمنكوبي الأعاصير الأخيرة في ساحل جنوب شرقي الولايات المتحدة وبورتوريكو وفيرجين آيلاندز. مبادرة ظاهرها إبداء التضامن مع سكان المناطق المنكوبة، سرعان ما استثمرتها وسائل إعلام أميركية للنيل من ترامب «الغائب الأكبر» عن المناسبة الذي اكتفى بالظهور في شريط فيديو مسجل أشاد من خلاله بأسلافه وسجلاتهم الراقية في الخدمة المدنية. ولا يُعرف هل دُعي ترامب واعتذر أم أنه لم يُدع أساساً. وخلافاً لما جرت عليه العادة، لم يتضمن أي من خطابات الرؤساء السابقين تحية للرئيس الحالي ولا هم مروا على ذكره في كلماتهم، على رغم طبيعة المناسبة الجامعة.
«عزلة» ترامب التي لا تكسرها سوى مواقف قليلة في الساحة السياسية الأميركية أصبحت عبئاً كبيراً، والمشكلة أنه لا يبدو في صدد إدراك ذلك، إذ لم يتراجع قيد أنملة عن محاولة التفرد في مواقف تعزز الانطباع بـ «غرابة أطواره»، ولا هو توقف عن «تغريداته» التي لم تترك له صديقاً، إضافة إلى أن الرئيس صاحب الطباع «الكاسحة» لا يتوانى عن السجال حتى مع الجنس اللطيف من الساسة… وآخرهن عضو مجلس النواب فريدريكا ويلسون، التي اتهمته بعدم التعاطف مع عائلات أربعة جنود أميركيين قتلوا في النيجر في وقت سابق الشهر الجاري.
وباستثناء «ردح» شبه يومي يمارسه تجاه كوريا الشمالية وإيران، لا يبدو الرئيس الأميركي في صدد صوغ مبادرات «حاسمة» في السياسة الخارجية، إذ يصطدم كل مرة بواقع أن الروس يصلون قبله إلى مناطق الصراع ويبدأون خطوات عملية تستبق ما يمكن أن تقدم عليه أميركا، وهذا تجلى في سورية، في حين لا يبدو البيت الأبيض مستعداً لتحديد مواقف حيث تتضارب المصالح، كما يحصل في كركوك التي لا تزال الإدارة الأميركية تعتبر أنها «موضع نزاع» على رغم تطورات الأيام الأخيرة.
أما بالنسبة إلى الفلسطينيين فحدث ولا حرج عن تخبط بات يثير تساؤلات عن موقف واشنطن الفعلي من المصالحة بين فتح و «حماس»، وتصور الأميركيين كيفية تجاوز قضايا شائكة متقابلة: الاستيطان وسلاح المقاومة والاعترافات المتبادلة.
ضجيج في كواليس واشنطن تطغى عليه مشاحنات، وحتى الآن فإن أحداً «لا يرى طحناً» كما يقول المثل.