مقالات

فرصة نادرة لانتفاضة ومقاومة باسلة

صابر عارف
نعيش هذه الايام وبسعادة بالغة لحظات صعود شعبي جماهيري في مقاومة للاحتلال والعدوان الاسرائيلي الامريكي المشترك الذي جسده قولا وفعلا دولاند ترامب الرئيس الامريكي باعلانه وتوقيعه قرار اعتبار القدس عاصمة لدولة الاحتلال ، مما يطلق يد كيان الاحتلال لان يفعل بها وبكل فلسطين أرضا وشعبا ما يشاء باعتبارها حسب اعترافه جزءا من الوطن الصهيوني وعاصمة له ، مئات المظاهرات والمواجهات التي تمت على اتساع الكرة الارضية ومئات الجرحى احتجاجا وغضبا على اعتراف الرئيس الامريكي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال والعدوان ، ذكرتني هذه الايام بايام المجد والعز ، ايام الانتفاضتين الاولى عام١٩٨٧ م والثانية عام ٢٠٠٠ م اللتين لم تستمرا ولم تتواصلا للأسف الشديد ، لتحقيق اهدافهما بالحرية والاستقلال وانتهتا الى ما انتهت اليه من اوسلو ومن خسارات لا حدود لها ، رغم التضحيات ورغم النوايا الحسنة ، لا لشيء الا لعدم الاستفادة من البيئة والاجواء الثورية التي تفجرت حينها ، لاعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية ( التي نخرتها الشيخوخة والترهل والفساد ) على أسس وطنية جديدة ، وتحديد استراتيجتها الجديده بعد موت وسقوط حل الدولتين الذي لم يكن حلا من الاساس والذي قتلته سياسات الاحتلال الاسرائيلي الامريكي المشترك وسياسات التفاوض المذلة المهينة بلا مراجعة وبلا توقف عن توالي مسلسل التنازلات والانهيارات والانكسارات المتلاحقة .
تابعت عن كثب التصريحات الرسمية الصادرة عن الفصائل الفلسطينية ، وعن العواصم العربية والإسلامية والحركات والأحزاب على اختلاف ألوانها السياسية والأيديولوجية في العالمين العربي والاسلامي، فرأيتها جميعا لم تخرج كثيرا عن الأسلوب الذي تعودنا على سماعه على امتداد سنوات الصراع الذي بلغ المائة تقريبا، مع تفاوت في حماسة الالفاظ او ناريتها بين جهة وأخرى.. ومع ان هذا مطلوب وضروري وجميل ورائع ان نرى هذا الالتفاف والحماسة للقدس وفلسطين وان نشارك بقوة في تلك النشاطات بفعالية وابداع وتجديد ، الا انه سيبقى هذا الجهد والنضال ناقصا ، اذا لم نع وندرك باننا أمام فرصة تاريخية نادرة قد لا تتحقق في وقت قريب كما هي عليه الان لانطلاق انتفاضة شاملة وعميقة الاهداف والابعاد ،فالحالة.الثورية الشعبية ناضجة الى حد كبير، كما تتوفر كافة الظروف الذاتية اذا ما حسمت الفصائل امرها حقا وصدقا وقررت بصدق الانطلاق بانتفاضة ثالثة ، كما تتوفر الظروف الموضوعيةوخاصةاستعدادات محور المقاومة الذي لم يعد هامشيا كما كان الحال سابقا للدعم والاسناد واضحة كما جاء على لسان العديد من قادته وفي مقدمتهم السيد حسن نصرالله الذي ردد ومعه آلاف اللبنانيين والفلسطينيين شعار الرمز ابو عمار ،، شهداء بالملايين… على القدس رايحين، وخاصة بعد هذا الفجور والغطرسة الامريكية، وحتى لا نكرر مجدادا التجربتين السابقتين ونفقد ونخسر هذه الفرصة ، لا بد ،بل يجب التركيز على النقاط والمهام الجوهرية الرئيسية التالية:
الاولى: الحرص الشديد على مواصلة هذا الزخم الرائع وباشكال وتجليات مختلفة، لا تخلو من التجديد والتحديث من خلال البرمجة والتخطيط واطلاق المبادرات والطاقات المختلفة والمتنوعة، في كل الساحات والميادين ، على ان تكون الساحة الفلسطينية ميدانا لانتفاضة ثالثة عارمة، ومعلنة بوضوح وصراحة من فوق الطاولة وليس من تحتها ،تتبناها وتتحمل مسؤوليتها الفصائل التي تؤمن بها وتتوافق على الاعلان الواضح والصريح بتبنيها وليس بدعمها وتاييدها كما كان الحال طيلة العامين الماضيين اللذين قتلا بروفه الانتفاضة وشوها الفصائل التي كانت، تتلطى، خلف البطولات الفردية وهذا ما يجب التوقف عنه فورا كاسلوب وكسياسة والدخول في تحد واضح ومكشوف مع الاحتلال ومع الذات حتى نتحفز ونستعد كما يجب ان يكون الاستعداد، وحتى، نورط، انفسنا، وللتوريط هنا معناه الايجابي والضروري.
الثانية: الاعلان الواضح والصريح باتهام وتجريم اصحاب اللغة المزدوجة تجاه الامريكان وسياساتهم وتجاه التسويات والحلول التي قبرها والحمدلله صاحبهم ترامب، وتجاه التسويات التي قد يفكرون بالترويج لها مجددا، كصفقة القرن وسيناء وابو ديس، وكل ما لف لفهما، مع استبعادي لان يكون الأمر جديا ، فمن فعل كما فعل ترامب الاسبوع الماضي يعرف جيدا بأنه لا يمكن ان يكون قادرا ولا يستطيع ان يلعب دور الوسيط حتي ولو كان عنده طوابير من الحمير الطيعة أو طوابير من العملاء والخونة. فلا تهاون مع الخطاب والمواقف المنافقة والمزدوجة، التي تتبناها قيادة حركة فتح بالذات ، وان كنا قد نتغاضى قليلا عما طالبت به حركة فتح بالامس، رغم خطورته البالغة، عندما طالبت بالتوقف فورا عن انتقاد المملكة السعودية لتطبيعها مع العدو الصهيوني سرا وعلانية، مباشرة ومن خلال ما يسمى دولة البحرين تحت عنوان وقف العبث في الشارع الفلسطيني مشددة وبلغة قمعية تافهة على عدم السماح لأحد بحرف اتجاه البوصلة عن القدس، يضحكون علينا، عينك عينك، ببوصلة القدس!
الثالثة: بهذا الموقف الامريكي اعلنت الولايات المتحدة الامريكية اعلانا واضحا ولا لبس. فيه بانها شريكة تماما بالاحتلال الاسرائيلي ، الأمر الذي يوجب ان تعامل نفس معاملة دولة الاحتلال بالرفض والمقاومة قولا وفعلا ، فليس أقل من تهديد مصالحها المباشرة في المنطقة العربية على الاقل، وهذا حق مشروع جدا لنا بعد ان وضعت امريكيا نفسها بموقع المحتل تماما.
الرابعة: التركيز على خوض المعركة الجارية اليوم بافقها وآفاقها الجديدة بعد السقوط المدوي لكل ما هو قديم من خطط وبرامج ومفاوضات وتسويات وقيادات يجب ان لا نسمح لها مجددا بالاستمرار في خداعنا تحت عناوين وشعارات الوحدة الوطنية في هذه المرحلة، فمن قاد المرحلة ولم يسمع كل النصائح والوعظ والارشاد طيلة السنوات كلها وسقط بالامس وليس اليوم فليسقط الى الابد، فكفانا وهما وكفانا تضليلا بصداقة امريكيا مالكة الملك والحل، مع ان الحل بايدينا وارادتنا وان خاننا المال والحيلة كثيرا، وكفانا تعلقا بجريمة حل الدولتين الوهمي ولا بد من استراتيجية فلسطينية جديدة اراها بحل الدولة الديمقراطية الواحدة لكافة المواطنين التي ستقوم على حساب الكيان الصهيوني الغاصب وقوانينه العنصرية الجائرة وبما ينظم حياة ومصالح جميع المواطنين بانظمة وقوانين عصرية حديثة تضمن حقوق الجميع بلا اي تمييز يذكر.. هكذا اراها وقد يراها غيري بحل واستراتيجية أخرى، وقد يكون على حق، والحكم بيننا هو الحوار لوطني المفتوح على كل الاحتمالات، والخيارات لتحديد الحدود والفواصل والتخوم.