مقالات

فرص السلام الضائع فى فلسطين

يوسف أيوب
 
 
الواقع الحالى يشير إلى أن مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية عادت مرة أخرى إلى الثلاجة، فلا أمل فى انطلاقة جديدة بعد أن تعثرت التحركات الأمريكية التى كان يقودها جاريد كوشنر، زوج ابنة الرئيس دونالد ترامب، فى أعقاب القرار الصدامى الذى اتخذته واشنطن بالاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال، إسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، لنعود مرة أخرى إلى نقطة الصفر، التى وصلت لها المفاوضات بين الجانبين فى إبريل 2014، حينما فشلت المبادرة الأمريكية التى طرحها الرئيس السابق باراك أوباما.
قرار ترامب لم يكن الوحيد فى قائمة أسباب الفشل، يضاف إليه استمرار الحكومة اليمينية المتطرفة فى إسرائيل برئاسة بنيامين نتانياهو فى سياستها الاستيطانية، ضاربة بالقرارات الدولية عرض الحائط، وتوازى ذلك مع حالة اللا ثقة التى نراها تسيطر على منظمة التحرير الفلسطينية، وتبادل للاتهامات بين الفصائل، بشكل أضر بوحدة الفلسطينيين وتماسكهم، ووقوفهم خلف قرار واحد.
ولا ننسى أيضاً أن المجلس المركزى لمنظمة التحرير الفلسطينية قرر، الاثنين الماضى، تعليق الاعتراف بإسرائيل إلى حين اعترافها بدولة فلسطين على حدود عام 1967 وإلغاء قرار ضم القدس الشرقية ووقف الاستيطان.
الولايات المتحدة مع مجىء ترامب تحركت على أمل استعادة الزخم للمفاوضات، وسمعنا عن «صفقة القرن» التى أطلقتها الصحافة الأمريكية على خطة ترامب للسلام فى الشرق الأوسط، وظهرت كتابات صحفية تحمل فى طياتها ما قالت إنها تفاصيل تخص هذه الصفقة، والغريب فى الأمر أن كل هذه التكهنات كلها ثبت خطؤها، لكن للأسف اعتمد عليها بعض كتابنا، وكأنها وثيقة رسمية، والهدف كان واضحا، وهو ضرب دول بعينها فى المنطقة بسلسلة من الأكاذيب.
حتى الآن لا يوجد أى تفاصيل واضحة عن هذه الصفقة، والشىء الوحيد المؤكد أمامنا ما قاله رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن، الأحد الماضى، خلال مشاركته فى اجتماع للمجلس المركزى لمنظمة التحرير الفلسطينية، حينما تحدث عن بعض التفاصيل التى جاءته من واشنطن عبر وسطاء، واختار أن يطلق على الخطة بـ«صفعة العصر»، وتأكيده لبعض التقارير التى ترددت عن اقتراح بلدة أبوديس الملاصقة بالقدس لتكون عاصمة لفلسطين، قائلا: «يعرضون علينا حاليًا أن تكون أبو ديس عاصمتنا».
وأضاف: «نحن لا نأخذ تعليمات من أحد ونقول لا لأى كان، إذا كان الأمر يتعلق بمصيرنا وقضيتنا وبلدنا وقضيتنا وشعبنا، لا وألف لا».
قد يكون ما قاله أبو مازن صحيحاً، لكن لا ننسى أن صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية كانت قد نقلت عن مصادر وصفتها بالمطلعة، أن ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان اقترح على أبو مازن أن تكون بلدة أبو ديس عاصمة لفلسطين، وحينها خرج الرئيس الفلسطينى نافيًا ذلك الكلام، ومؤكدًا أمام القمة الطارئة لمنظمة التعاون الإسلامى التى عقدت مؤخراً فى تركيا أن العاهل السعودى قال له أثناء المباحثات «كلمة واحدة، وهى لا حل بدون دولة فلسطينية عاصمتها القدس، وغير ذلك لا تسمعوه من أحد»، وهو ما يثير علامات استفهام كثيرة حول أى الموقفين يمكن الاستناد لهما فى حديث أبومازن، ما قاله أمام المجلس المركزى للمنظمة أم ما قاله أمام القمة الإسلامية؟!
كل الشواهد تقول إن هناك شيئاً غريباً فى الأمر، يحتاج إلى إيضاح من الجميع حول ماهية «صفقة القرن»، لأن أبو مازن زاد الوضع غموضاً بتناقضاته التى اعتدنا عليها، لأن الوقت لا يحتمل أى تناقض، بل الصراحة هى الأساس التى يجب أن ينتهجها الجميع فى التعامل، صراحة مبنية على قواعد راسخة يعيد للفلسطينيين قوتهم المعهودة، بدلاً من التهديدات التى يتم التراجع عنها دون تحقيق أى مكاسب تذكر، فالفلسطينيون على لسان أبو مازن لن يقبلوا بالولايات المتحدة كوسيط فى محادثات السلام مع إسرائيل، كما أن عباس اتهم إسرائيل بأنها أنهت اتفاقات أوسلو للحكم الذاتى الفلسطينى التى وقعتها إسرائيل ومنظمة التحرير فى 1993، مقترحاً أن تتولى لجنة دولية مهمة الوساطة، لكن ما هى ضمانات أن يبقى الوضع كما هو؟!
بالتأكيد تعيش السلطة الفلسطينية، بل القضية بشكل عام ظروفاً غاية فى الصعوبة، ربما لم تمر بها سابقاً، خاصة أن الإدارة الأمريكية الحالية لديها تصميم على السير فى الطريق الذى اختارته مهما كانت العواقب، وهو ما تكشفه التهديدات التى نسمعها يومياً من واشنطن، وآخرها تهديد ترامب بقطع المساعدات المالية الأمريكية التى تزيد على 300 مليون دولار سنويا للفلسطينيين، بسبب عدم إظهارهم «التقدير أو الاحترام»، فهذه ضغوط تفوق قدرة الفلسطينيين على التحمل، وكل ذلك أدعى بأن تعود السلطة مرة أخرى إلى الحضن العربى، بحثاً عن حل يحمى القضية ويعيد السلام مرة أخرى.