مقالات

فوضى المحاماة

تغريد الطاسان
وزارة العدل، يوماً بعد يوم، تثبت لنا مواكبتها لتطورات ومتغيرات الحياة، فهي تفعل ما بوسعها لتتوازن كفتا العدل والإنسانية، لننعم بواقع يضبط أمور الخصومة بين الخلق بما يرضي الخالق، لتستقيم أمور الحياة.
 
لن أستعرض اليوم منجزاتها، ولا ما ننتظر منها، كل ما أريده إلقاء الضوء على جزء يختص بها، وهو وسيلتنا إليها غالباً.. وأقصد هنا مهنة المحاماة.
 
كلنا يعرف أن المحامي وجد ليترافع أمام القضاء ليرد باطلاً ويجلب حقاً، إضافة إلى مهماته الأخرى ذات الصلة بالأمور القانونية والاستشارية.
 
وكما أن هناك قاضيين في النار وقاضياً في الجنة، فإن من يمتهن مهنة المحاماة ليس ببعيد عن ذلك، فللأسف انتشرت في الآونة الأخير فئة من المحامين لا تمت ممارستها إلى العدل والبحث عن الحق بصلة، وذلك من خلال ممارسة جشع مالي لا حدود له، واستغلال ضعف وقلة حيلة بعضهم، وإغراقهم بمطالبات مالية مجحفة، يأتي إليهم طالب الحق باحثاً عمن ينتصر له، فيخرج منهم وقد سلبوه كل حق، بل وأغرقوه في قضايا أكثر وجعلوه في أتون ممتد لا خلاص منه. ممارسات بعض المحامين، وبخاصة مع النساء في قضايا الأحوال الشخصية، تستحق وقفة صارمة وجادة من الوزارة تجاههم، وذلك بسبب وعودهم الزائفة وتسهيلهم كل شيء، وما إن ترفع القضية حتى تكتشف المرأة أن لا شيء سيتم، وأنها مجرد لعبة بينهم لأجل مقدم العقد ذي الأصفار الكثيرة!
 
كثير من المحامين الآن، كانوا في السابق قضاة، وهذا يمنحهم خبرة في سبر أمور التقاضي ومعرفة الحيل والنصوص التي تجعل القاضي يحكم لمصلحتهم، وهذا ما يجعل بعضهم يطمئن للمحامي القاضي السابق أكثر من غيره، فلا بد للوزارة أن تلتفت إلى هذا الجانب، وتدرس أبعاده وتنظم ممارساته، فأكثر من يتجه إلى المحاماة من القضاة السابقين، يفعل ذلك لأجل المال لا لسواه، وهذا يجعل الموكل مطمعاً ومغنماً يحرصون عليه أكثر.
 
ما تزال أسعار بعض المحامين تحتاج إلى إعادة نظر، ولو كانت هناك رقابة على بعض هذه العقود، وفرض ضريبة عليها، لتغير كل شيء إلى الأفضل. صحيح أن العقد شريعة المتعاقدين، ولكن لا ذنب للبعض في أن يتكبد أموالا كثيرة بسبب طمع محام يستغل حاجة موكله إلى خدماته، في الوقت الذي يجهل فيه قدراته!
 
أصعب شيء أن تجد محامياً ترتاح إليه وتكشف له كل أوراقك من دون خوف منه، ولكن أين نجد هذا المحامي وكيف نطمئن إليه؟ ما من سبيل لنا سوى كلام الناس وتجاربهم، وهي تختلف من قضية إلى أخرى، ولو كان هناك موقع تفرض فيه الوزارة على مكاتب المحامين، أن يكتبوا فيه سيرتهم الذاتية، وما فعلوه من إنجازات، وتقوّم أداءهم بعد ذلك من خلال قضاياهم وسمعتهم وترافعهم وحسن منجزهم وصدقيتهم، من خلال ما كسبوا وما خسروا من قضايا، حتماً سيكون ذلك مرجعاً مهماً لكل من يريد أن يذهب إلى محام، وسيحرص كل مكتب محاماة على أن يتقي الله في عمله أكثر. الوزارة في حاجة إلى حملات تفتيشية على مكاتب المحامين، لتعرف مستواها وتطلع على أجواء العمل فيها، وترى بنفسها كيف تحول بعضها إلى أشياء وأعمال أخرى لا تمت إلى العدل وأهله بصلة، وهي في حاجة إلى أن تعرف أن بعض المكاتب يتخصص في قضايا وهو غير ملم بها علماً وشرعاً وممارسةً، لذا فليت الوزارة، في خطوة تنظيمية، تضمن حق المواطن فتصنف مكاتب المحاماة عند منحها الرخص في كل فروع المقاضاة، ليتجه كل طالب حق إلى الباب الذي يناسبه.
 
لا أريد أن يفهم من كلامي هذا أن أعممه على كل مكاتب المحامين، بل هو مجرد إشارة ولفت انتباه، لتصحيح وضع بعضها والبحث عن بيئة عدلية تنصف أكثر من أنها تجحف، ووزارة العدل خير من يفعل هذا وينتصر لنا.