مقالات

في سوتشي: يغيب هديل السلام .. غرابيل الماء وعيون النار لاتنام

الدكتور محمد بكر
غص مطار سوتشي والطرق المؤدية له باللافتات الخضراء المعنونة بعبارة السلام للشعب السوري، حضر من حضر، وغاب من غاب، ومن غاب لم ينفع كل ما قدمه من مبررات لتقنعنا بأنها محقة من اجل الهدف الاستراتيجي ” السلام” ، لبلد عانى ماعاناه من حرب كارثية امتدت لسبع عجاف، هو مازال يختار التموضع الجديد للولايات المتحدة وحلفائها في المشهد السوري، ليس مهماً ماقيل عن أن سوتشي سيستولد عملية سياسية يخوض مساراتها السوريون أنفسهم، ولاحتى بالعدد الذي لبى الدعوة ووصل لألف وخمسمائة شخصية، بقدر أهمية تبعات فشل جولات جنيف وجولة فيينا الأخيرة، وانعكاسات ذلك على الأرض، على قاعدة أن من غاب إنما يغيب نفسه، من هنا نقرأ ونفهم ما أعلنه المتحدث باسم قاعدة حميميم العسكرية بأن مقاطعة سوتشي من قبل هيئة المفاوضات العليا والكرد سيكون له تبعات على الأرض، وأنهم مستمرون في قتال التنظيمات المتطرفة، والاستقراء المسبق للخارجية الفرنسية بأن مؤتمر سوتشي لن يكون فاعلاً ولن يثمر بنتائج نوعية يؤكد ذات التبعات الذي تحدث عنها الجانب الروسي.
في الوقت الذي رفع فيه سوتشي شعار السلام للشعب السوري، كانت الطائرات التركية تكمل ما دمره داعش في تدمر من معالم حضارية وأثرية، لجهة مادمره القصف التركي من مواقع أثرية في عفرين، وكان هدير النيران والعمليات العسكرية للجيش العربي السوري في ريفي إدلب وحلب يطغى على جميع الأصوات، الخلاف الرئيس ومواضع الكباش الدولي في المشهد السوري سياسياً، تكمن في شكل وطبيعة وحصاد “الغرابيل” الدولية التي تريد تصفية الحل السياسي وفق مقاسات بعينها، فكل مايمر من غربال موسكو لايمكن أن يمر من غربال واشنطن، من هنا تبدو عملية تفصيل وغربلة الحل السياسي السوري كمن يغربل الماء .
إن أي حديث عن عملية سياسية في سورية لا يمكن أن ترى النور في اعتقادنا من دون توافقات دولية، هذه التوافقات تتعلق بنقطتين أساسيتين لا زالتا غائبتين عن المشهد السوري :
– ضرورة اقتسام الرؤية السياسية التي تفصلها اليد الروسية للمشهد السوري مع الجانب الأميركي، من هنا تبدو عملية ” قتل” سوتشي واضحة في جدول أعمال واشنطن، سياسياً من خلال الورقة التي قدمتها مجموعة واشنطن، وعسكرياً من خلال الاستثمار مجددًا بورقة الكرد وورقة إعادة هيكلة وتدعيم بناء فصائل مسلحة معارضة.
– النقطة الثانية تتعلق بمدى نجاح موسكو في إقناع والضغط على إيران، التي باتت هي الأخرى في قلب النار، وتصلها رسائل الخصوم تباعاً على أراضيها سواء من الحراك الداخلي الأخير، مروراً بتواجد داعش ونشاطه في إيران، والهدف تقليص تواجدها أو إنهائه في الجنوب السوري، من هنا نفهم الزيارة الخاطفة التي قام بها نتنياهو ولقائه الرئيس بوتين وحديثه عن محرقة ثانية تنوي إيران القيام بها بحق اليهود على حد تعبيره ولسان حال نتنياهو يقول: أن أي مخرجات سياسية لاتراعي جزئية النفوذ والتواجد الإيراني في الجنوب، سنعمل على إفشالها وضربها.
السلام القادم من سوتشي وهديله لا يطغيان على المشهد مطلقاً ، إذ تبقى فيه عيون المتربصين بالحل السياسي السوري مُفَتّحة لاتنام، فيما من الضروري أن تبقى العيون مترقبة للحراك الروسي في الفترة القادمة، إما لجهة المضي قدماً في التفرد بمسارات المشهد السوري، أو لجهة مسك العصا في إنتاج العملية السياسية من الوسط.