مقالات

في موازنة 2018 .. العتب مسموح والزعل ممنوع

 
 
كتب / د. باسل عباس خضير
 
 
منذ عقود عديدة ، توارثنا عادة سيئة تخالف مبادئنا وأخلاقنا فبدلا من العمل بالقول المأثور لا تؤجل عمل اليوم إلى غد أصبح البعض يتفنن في التسويف وإضاعة الوقت ، فحين تكون لديك معاملة في دائرة حكومية ولم تنجز يوم الأربعاء يقول لك الموظف اتركها وتعال يوم الأحد أو بعده ، وحين يصادف موعد لالتزام قبل العطلة أو العيد أو رمضان أو الزيارة يقول لك بعضهم اذهب وارجع إليها بعد انتهاء المناسبة حتى وان كان موعدها بعيد ، وحين تكون لديك معاملة للتعيين أو النقل أو للصرف أو لتسويات مالية محددة تجد الجواب جاهزا وهو ( تعال بعد الموازنة ) ، ولم تعد الموازنة الاتحادية كما في سابق عهدها في السنوات التي كانت فيها موازنة قبل 2003 ، فبعد 2003 أصبحت الموازنات تصدر في نيسان أو مايس من كل عام وان تضمنت نصوصها بأنها تطبق منذ بداية السنة المالية المعنية ، والسنة لوحيدة التي قام فيها مجلس النواب بالمصادقة على الموازنة قبل نهاية السنة المالية هي في 2017 ولكنها واجهت صعوبتين الأولى في تأخر المصادقة عليها من قبل فخامة رئيس الجمهورية بسبب تأخر إرسالها من دوائر مجلس النواب لأسباب لم تعلن بعد ، والثانية هي الطعون التي قدمها رئيس مجلس الوزراء بخصوص بعض موادها لدى المحكمة الاتحادية إذ إنها لم تبصر النور فعلا إلا بعد مرور أشهر عديدة على بدية السنة المالية ، وبذلك لم تكتمل فرحة إصدار الموازنة بمواعيدها الدستورية وتحول حالها حال ما سبقها من الموازنات .
 
 
أما موازنة 2018 فان ظروفها تختلف عن الموازنات السابقة فهي لا تزال في أدراج مكاتب مجلس النواب ولم تتم قراءتها القراءة الأولى بعد رغم إن السنة الحالية هي سنة انتخاب مجالس المحافظات والنواب وإقليم كردستان ، وإذا كانت الجهات المعنية تتعكز على العطلة التشريعية للبرلمان في تأخير ورودها وعرض ومناقشة الموازنة فقد زال هذا السبب لان المجلس باشر بعمله بعد العطلة منذ بداية الشهر الحالي، وهناك مواضيع ومشاريع تم النظر بها عدا ما يتعلق بمشروع قانون الموازنة ، ورغم إن غالبية الشعب لم يعد يعنيهم موضوع الموازنة الاتحادية بشكل حماسي إلا إن مجلس الوزراء ربما تعمد لإقحام شرائح عديدة بالموضوع حيث أصدرت وزارة المالية أعماما ألزمت بموجبه الوزارات والدوائر غير المرتبطة بوزارة بعدم صرف أقيام العلاوات السنوية والترفيعات وأية التزامات بأثر رجعي إلا بعد المصادقة على الموازنة ، رغم أنها أصدرت أعماما سابقا يتيح لوحدات الصرف بالإنفاق بواقع 1: 12 من المصروف الفعلي للعام الماضي ، ومن جهة أخرى فان تعليمات أخرى صدرت بإيقاف توزيع مستحقات المزارعين وغيرهم إلا بعد المصادقة على موازنة العام الحالي ، ناهيك عن التزامات معينة ستبقى معلقة ، لا نريد الخوض في تفاصيلها وأجلت لما بعد المصادقة على الموازنة ، ولم يتضح إي دخان ابيض أو اسود بخصوص مواعيد المصادقة على الموازنة سوى تصريح الدكتور سليم الجبوري رئيس مجلس النواب الذي قال إن يوم الأحد القادم سيشهد مناقشة أربعة مواضيع بعد إدراجها في جدول أعمال المجلس وهي قانون انتخابات مجالس المحافظات وقانون انتخابات مجلس النواب ومشروع قانون الموازنة وقانون مجلس النواب .
 
 
وبخصوص مشروع قانون الموازنة فمن الصعب تمريره في جلسة الأحد إلا بعد اتفاقات خارج قاعة المجلس ، وفي حالة إخضاعه للقراءة الأولى فانه سيواجه العديد من الصعوبات في القراءتين الثانية والثالثة لأنه تحول إلى موضوع سياسي أكثر من كونه اقتصادي ، فرغم إن الدكتور العبادي قد دعي لتمرير المشروع تحت أية تغييرات من قبل مجلس النواب إلا إن النواب لديهم اعتقاد كبير بان التغييرات سيتم الطعن بها لدى المحكمة الاتحادية في وقت انتهاء ولايتهم وحل مجلس النواب لانتهاء المدة الدستورية وبقاء الحكومة لتسيير الأعمال لحين انتخاب حكومة جديدة في ظل توقعات بان نشر قانون الموازنة في الجريدة الرسمية ( الوقائع العراقية ) سيستمر لشهور ، ومن جانب آخر فان التأخر بتشريع قانون الموازنة الاتحادية أتاح الفرصة والوقت لكتل عديدة في إضافة مطالب وتحفظات لها تخدم جمهورها من باب المصلحة الوطنية آو الدعايات الانتخابية المبطنة وبذلك فان الوضع يزداد تعقيدا يوما بعد يوم وقد نصل إلى ما يشبه سنة 2014 عندما بقي العراق بدون موازنة اتحادية في سنة الانتخابات السابقة ، ومما يعطي بصيصا من الأمل بالعمل لتشريع قانون الموازنة هو الاعتقاد بان الوضع الحالي الذي تمر به العملية السياسية تسمح بالحصول على بعض الامتيازات التي يمك توظيفا انتخابيا سيما وان أسعار النفط في تزايد مستمر حيث وصل سعر برميل نفط برنت في ساعة كتابة هذه الكلمات إلى أكثر من 69 دولار للبرميل ، وفي مقابل ذلك تعاقد العراق من خلال ( سومو ) على بيع نفطه لشهر شباط القادم كما وقع اتفاقا مع إيران لمبادلة 30 – 60 ألف برميل يوميا من نفط كركوك لتسليمه بنفط إيراني في مواني البصرة ، ويعني ذلك من الناحية العملية بان إيرادات الموازنة سترتفع وان هناك إمكانية للضغط على الحكومة لاحتساب سعر برميل النفط في الموازنة بحدود 55- 60 دولار للبرميل بدلا من 46 دولار وبشكل يتيح تغطية مطالبات الكتل بخصوص زيادة حصة البترو دولار وزيادة تخصيصات الأعمار للمناطق المحررة وعودة إلى حصة الاقليم كما في الموازنات السابقة .
 
 
وما يهم المواطن ( الاعتيادي ) من هذا الكلام هو تمنياته بان يتم التوصل إلى اتفاقات تفضي للمحافظة على النصر المتحقق لتعزيز الأمن والأمان وان لا يتأثر البلد بانتكاسات اقتصادية تجعله غير قادر للمحافظة على المستوى المتدني الحالي للمعيشة وان لا يشبع وعودا وأعذار ، فمن وجهة نظر البعض فان في مناقشات الموازنة العتب مسموح على أن لا يصل إلى مستوى الزعل الذي ينعكس على المواطنين بشكل أو بآخر ، دون أن نهمل حقيقة مفادها إن نسبة الفقر تزيد عن 30% وان أكثر من 7 ملايين مواطن يعتمدون في معيشتهم على موازنة الدولة المهددة بالغياب هذا العام ، فغياب الموازنة يسمح بالتعليمات والأوامر والاعمامات باستقطاع أجزاء من متطلبات الحياة على غرار العلاوة السنوية التي ينتظرها الموظف لعام كامل ثم تتبخر بقرار من هنا أوهناك ، وبعض الموظفين يشعرون بان رواتبهم تنخفض عاما بعد عاما فهي تراوح مكانها في حين إن نسب ومعدلات التضخم في حالة ارتفاع ، كما ينظر البعض إلى إنهم لم يتمتعوا بأي تغيير ايجابي برواتبهم سوى إلى الناحية السلبية فبعد تطبيق التقشف تم تخفيض سلم الرواتب وفي السنة التالية تم فرض 3% كاستقطاعات للحشد وبعدها بعاد ازدادت الاستقطاعات لتكون 8،3% للحشد ثم أضيفت استقطاعات ضريبة الدخل والحماية والاجتماعية والتامين الصحي والنوادي الرياضية ورسم الطابع وشركات الكي كارد والقائمة تطول ، والعنوان واحد هو تحول رواتب الموظفين إلى مصادر للاستقطاعات في وقت تزداد في الدعوات ليس بصلاة الاستسقاء لينزل الله مطرا ، وإنما بان يهدي من يشاء بان تتحول مناقشات الموازنة إلى عتب مسموح وليس زعلا ممنوع .