كوريا واختبار الأدلجة

1

 
زياد الدريس
 
 
في المنهج العلمي، يلزمنا عند دراسة تأثير عامل خارجي على شيء ما، أن يتم وضع عنصر آخر من الشيء ذاته، في مكان الفحص ذاته وتحت الظروف ذاتها، لتسهل مقارنة التغيرات التي حدثت في العنصر المعرّض للعامل الخارجي عن العنصر غير المعرّض (المحايد). لا يمكن مثلاً أن تعرف تأثير الرطوبة على التفاح باختبار تفاحة وبرتقالة، بل باختبار تفاحتين إحداهما تتعرض للرطوبة وأخرى لا.
 
 
في الدراسات الاجتماعية عن الإنسان، تصبح المسألة أكثر تعقيداً، فأنت إن استطعت أن توفر أجواء متماثلة في بيئة الفحص، لن تستطع أن تجد شخصين متماثلين كالتفاحتين. وإذا كان الحال كذلك في شأن الأفراد، كيف يتسنّى لنا المقارنة بين دولتين أو شعبين في إحدى الصفات أو الخصائص؟
 
استخدمت هذه اللفّة (المقدمة) الطويلة أثناء تأمُّل انفرادي انغمست فيه بحثاً عن تأثير الخطاب الأيديولوجي على الدولة وشعبها. حاولت المقارنة مثلاً بين إيران وتركيا، لكني وجدت أنهما كالتفاحة والبرتقالة، جرّبت المقارنة بين كوبا والمكسيك، فأحسست أن المقارنة باتت كالتفاحة والفاصوليا!
 
وحين كدت أستسلم من وجود النماذج الملائمة للفحص صرخت: وجدته!.
 
الكوريتان، الشمالية والجنوبية، تفاحتان انقسمتا عن شبه الجزيرة الكورية: الشعب واحد، اللغة واحدة والدين واحد، التضاريس والمناخ والموارد الطبيعية واحدة.
 
لن ننشغل كيف انقسمت كوريا الواحدة إلى اثنتين، سواء بفعل تقاسم القوتين العظميين تركة الحرب العالمية الثانية في عام 1945 أم بسبب نشوب الحرب الكورية الأهلية في 1950. ما يجب أن يشغلنا الآن هو المآل الذي وصل إليه شطرا الجزيرة الكورية بعد مرور 70 عاماً على انقسامها!؟
 
المألوف في التقسيمات الجيو – اقتصادية الحديثة، أن دول الشمال تعني الدول المتقدمة ودول الجنوب هي الدول النامية. الكوريون عكسوا المفهوم السائد، فكوريا الجنوبية هي الدولة المتقدمة، بينما ترزح الشمالية تحت لحاف التخلف.
 
كوريا الجنوبية توقفت عن الحرب الوهمية التي ما زالت كوريا الشمالية تمارسها عبر إعلامها الحربي الملتهب منذ 70 عاماً. رؤساء كوريا الجنوبية خلعوا عنهم البدلة العسكرية ودخلوا المدارس المتقدمة والمصانع المتطورة “يحاربون” فيها الجهل والتخلف، حتى أصبحوا أعضاء في كل التحالفات الاقتصادية الكبرى. رؤساء الشمالية استمروا يتوارثون “البزّات” العسكرية والخطابات الثورية والشعب هناك لا يهتف لرفعة بلده بل لحياة الزعيم الأبدي، حتى بعد موته!
 
توارثت كوريا الشمالية الأيديولوجيا السوفياتية، وسقط الاتحاد السوفياتي و”الزعيم الأبدي” لم يسقط. تمسكت بأهداب الماوية الصينية، ثم تحولت الصين إلى اقتصاد رأسمالي – اشتراكي، وانطلقت تغزو أسواق العالم وتهدد القوة العظمى، بينما “الزعيم الأبدي” ما زال منشغلاً بالمناورات العسكرية وتهديد العالم بالتجارب النووية، حتى تم إدراج كوريا الشمالية في ما يسمى “محور الشر” الثلاثي. أما الجنوبية، فانشغلت بمحور “الكرّ” الثلاثي أيضاً، عبر مطاردتها بجوال “سامسونج” للمنافسين الكبيرين: “آي فون” الأميركي و”هواوي” الصيني.
 
من المهم التذكير بأن كوريا الجنوبية لم تتخلّ عن قيمها وهويّتها لكنها لم تحوّلها إلى شعارات استهلاكية وتهييجيّة للجموع، وإذلاليّة خنوعية للفرد.
 
العالم كله يعرف اسم رئيس كوريا الشمالية، ولا يعرف اسم رئيس كوريا الجنوبية، لكنه يعرف كوريا الجنوبية.
 
*كاتب سعودي

التعليقات معطلة.