مقالات

كيف ساعد الأكراد في إعادة الولايات المتحدة إلى العراق

 

ريناد منصور

في آب/أغسطس 2014، أطلق الرئيس الأميركي باراك أوباما الضوء الأخضر لشن ضربات جوية في العراق ضد تنظيم الدولة الإسلامية. هذا القرار يتعارض مع حملته الرئاسية في العام 2007، عندما وعد بأن يسحب القوات الأميركية وينسحب من العراق إذا ماتم انتخابه. كما يتعارض مع سياسته بعدم التدخّل مباشرة في العراق أو سورية، من دون الحصول على موافقة من الكونغرس الأميركي أو على تفويض من مجلس الأمن الدولي لاستخدام القوة.

ظلّ النفور من الضربات قوياً، على الرغم من ظهور تنظيم الدولة الإسلامية كقوة فاعلة في سورية، واحتلاله مدينة الفلوجة في كانون الأول/ديسمبر 2013، وسيطرته على الموصل، ثاني أكبر مدينة في العراق، في حزيران/يونيو 2014. ومع ذلك، تجاوز مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية خطاً أحمر على مايبدو في آب/ّأغسطس، عندما هدّدوا إقليم كردستان.

الولايات المتحدة لديها عدد من المصالح في كردستان، تعمل جميعها على تبرير تراجع أوباما عن سياسة عدم المشاركة. على سبيل المثال، إقليم كردستان حليف مؤيّد للولايات المتحدة مستقرّ وجدير بالثقة، تحتاجه واشنطن في الشرق الأوسط الذي يعاني بصورة متزايدة من عدم الاستقرار والفوضى. ينظر العديد من المشرعين الأميركيين إلى إقليم كردستان باعتباره صديقاً ديمقراطياً وعلمانياً نامياً موالياً للغرب لدعم المعركة ضد الجهاديين السلفيين. وهو يقع في منطقة جيو-استراتيجية تتاخم إيران وسورية. كما أن لديه المقدرة على أن يكون كياناً كبيراً مصدّراً للنفط حيث منح عقوداً لشركات أميركية عدة، بما فيها “إكسون موبيل” و”شيفرون”. وتستضيف أربيل، عاصمة إقليم كردستان، عدداً كبيراً من الأميركيين.

ومع ذلك، وفيما التركيز على الأكراد جاء في إطار حسابات الولايات المتحدة، إلا أن ثمّة جانباً آخر لهذه القصة. إذ يجدر بنا النظر أيضاً إلى القرار النهائي لحماية الأكراد في العام 2014 من خلال منظور دبلوماسية إقليم كردستان.1 فمنذ تسعينيات القرن المنصرم، بل حتى أكثر من ذلك منذ إطاحة صدام حسين في العام 2003، انتهجت قيادة الإقليم سياسة خارجية شاملة وقامت بحملة دبلوماسية لزيادة تبريرات واشنطن المختلفة لحماية أكراد العراق.

منح الأولوية للدبلوماسية

تنظر النخبة السياسية وعموم سكان كردستان العراق إلى الدبلوماسية باعتبارها أداة أساسية لإحراز التقدم. فهي بمثابة قوة توحيد. وقد أصبحت المقاربة الدبلوماسية ضرورية لأكراد العراق بسبب حقيقة رئيسة واحدة تتمثّل في أن استقلاليتهم، وفي نهاية المطاف دولتهم، لن ترى النور إلا إذا حصلوا على الضوء الأخضر من دول الجوار ودول العالم. واليوم، وبدل الاعتراف بظهور دول جديدة من مخلّفات دول ضعيفة أو فاشلة، تفضّل الجهات الدولية الفاعلة دعم أو الحفاظ على تلك الدول التي تتقدّم بصعوبة بالغة عبر إجراءات الإنعاش الحيوي. ويعتقد قادة إقليم كردستان أنه بغضّ النظر عما بذلوا من جهود لبناء الدولة الوليدة، أو حجم السيادة العملية التي حصلوا عليها، سيتم تقويض جهودهم من دون مساعدة المجتمع الدولي.

تميّزت دبلوماسية إقليم كردستان بالبراغماتية، وهي مقاربة تقوم على إدراك أن الولايات المتحدة تعترض على تقسيم العراق. وقد أوضحت واشنطن في مناسبات عدّة أنها ستنتهج سياسة تركّز على العراق أولاً. وعلى هذا النحو، تدعم حكومة الولايات المتحدة الأكراد العراقيين بقدر مايتم توجيه ذلك الدعم من أجل ارتقاء العراق. وبالتالي، هذا الموقف هو الذي يحدّد شكل جهود حكومة إقليم كردستان الدبلوماسية.

طرحت قيادة إقليم كردستان سرديّة مفادها أن الدبلوماسية هي الطريقة الوحيدة التي يمكن للأكراد من خلالها الابتعاد عن المقولة القديمة “لا أصدقاء سوى الجبال”. فقد عانى الأكراد العراقيون من القمع والإبادة الجماعية بحفز من بغداد في الماضي. وفي مقابلة معه، قال فؤاد حسين، مدير مكتب رئيس حكومة إقليم كردستان مسعود بارزاني إن الأكراد تعرّضوا إلى “استعمار داخلي” من جانب الأنظمة العربية المتتالية في بغداد. ونتيجة لذلك، فهم لاينظرون إلى الجهات الدولية الفاعلة باعتبارهم مستعمرين. وقال رئيس مكتب العلاقات الخارجية في حكومة إقليم كردستان فلاح مصطفى، لكاتب التعليق، “لقد تعبنا من الإخوة، نريد أصدقاء” في إشارة إلى أخوته العراقيين العرب. وتنظر قيادة إقليم كردستان، فضلاً عن المجتمع، إلى الجهات الدولية الفاعلة باعتبارها شريان حياة في وجه الحكومة المركزية المعادية في بغداد.

الجهود الدبلوماسية التي يقوم بها الأكراد شاملة. فالموقع الرئيس لحكومة إقليم كردستان على شبكة الإنترنت يتكوّن في العادة من بيانات صحافية عن الاجتماعات الدبلوماسية والمؤتمرات الدولية التي تشارك فيها قيادتها ودبلوماسيوها. وهي بذلك تختلف عن المواقع الحكومية الأخرى، مثل موقع رئيس الولايات المتحدة وحكومة المملكة المتحدة، التي تعرض القضايا الداخلية في المقام الأول. وأسرّ لي أحد الأشخاص الذين قابلتهم، وهو على معرفة وثيقة بحكومة إقليم كردستان، بأن حكومة إقليم كردستان أنفقت ملايين الدولارات على الدبلوماسية، أكثر مما أنفقت على أي مجال عمل آخر. وهذا يشمل، على سبيل المثال، تدريب دبلوماسييها على البروتوكول والإتيكيت، فضلاً عن الاتصالات الدبلوماسية.

تتجنّب الأصوات الداخلية المعارضة لحكومة إقليم كردستان، على نحو متعمّد، انتقاد أنشطة الحكومة في مجال العلاقات الخارجية. فقد ظهرت “الحركة من أجل التغيير” بقيادة نوشروان مصطفى، في العام 2009 كرّد فعل على الفساد الملموس في أوساط المسؤولين الحكوميين. تريد الحركة تغيير مظهر الحكم في أربيل، إلا أن مصطفى أوضح في برقية دبلوماسية أنه يركّز على الحكم الداخلي والإدارة في حكومة إقليم كردستان، وليس على العلاقات الخارجية. وقال قنصل عام بريطاني سابق إلى كركوك في مقابلة إن الأكراد “سيشكون من الفساد، ولكن مع وجود تهديد للدولة، فإنهم لن يشكوا أبداً”.

التحوّل إلى شريك محلي في عراق مضطرب

تُستخدَم الدبلوماسية في الغالب لتجنّب استعداء الداعمين الدوليين الحذرين من الحركات التحرّرية الوحدوية. ويهدف جزء من هذه الدبلوماسية إلى طمأنة الداعمين بأن إقليم كردستان لايركّز على مسألة الحصول على دولة في المستقبل. وعلى الرغم من أن الرئيس بارزاني يتطرّق في بعض الأحيان إلى احتمال السعي إلى الاستقلال وتقرير المصير، فإنه يستخدم هذا الاحتمال أساساً باعتباره أداة تفاوضية للحفاظ على شرعيته المحلية والحثّ على تقديم تنازلات من المعارضة. ويسعى الدبلوماسيون إلى طمأنة واشنطن بأن أجندتهم ليست انفصالية بالضرورة، والأهم من ذلك أنها تهدف في الواقع إلى منع تفكّك العراق. ووفقاً لبرقية دبلوماسية أميركية، فقد أبلغ بارزاني وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس آنذاك أن حكومة إقليم كردستان والولايات المتحدة ترغبان في عراق مستقرّ وموحّد. وبالمثل، قال وزير داخلية إقليم كردستان كريم سنجاري لأحد المستشارين السياسيين الأميركيين إن “كل الأكراد تقريباً يدركون أن أفضل أمل لهم في مستقبل أكثر إشراقاً هو أن يتم قبولهم كجزء من العراق وليس في دولة مستقلة”.

فضّلت قيادة إقليم كردستان تقديم تنازلات وجني فوائد زيادة الثقة بدلاً من معاداة واشنطن. وبهدف إظهار حسن نيّتها، قدمت قيادة حكومة إقليم كردستان تنازلات في علاقتها مع بغداد. ففي العام 2009، عندما اشترطت الولايات المتحدة وجود توافق بين الأطراف السياسية الفاعلة في الحكومة المركزية لتمرير قانون الانتخابات الذي كان ضرورياً لإجراء الانتخابات الوطنية المقبلة، وافق قادة أكراد العراق في نهاية المطاف على التخلّي عن بعض مقاعدهم في البرلمان، في محاولة لإرضاء القيادة الأميركية التي كانت تشعر بالقلق، وهم الذين كانوا يهدّدون بمقاطعة القانون لأنهم كانوا غير راضين عن توزيع المقاعد البرلمانية. وقال فلاح مصطفى لمسؤول أميركي في أربيل إن الحل الوسط كان يستحق ذلك، لأنه سهّل إقامة علاقة أقوى مع الرئيس الأميركي. حيث إن بناء الثقة مع واشنطن من أجل الالتزامات المستقبلية هي التي مرّرت هذا القرار.

وبالمثل، قدّمت النخبة الكردية العراقية تنازلات بشأن عناصر من المادة 140 من الدستور العراقي التي تنصّ على إجراء استفتاء لتقرير ما إذا كان ينبغي ضمّ محافظة كركوك العراقية إلى إقليم كردستان. وعلى الرغم من أن الموعد النهائي للاستفتاء كان من الناحية الفنية في العام 2007، فقد وافقت القيادة الكردية، وبفعل ضغوط من تركيا والولايات المتحدة، في نهاية المطاف على تأجيل الانتخابات للحفاظ على العلاقات مع أنقرة وواشنطن اللتين لم تكونا ترغبان في أن يجري الاستفتاء في ذلك الوقت. وبالفعل لم يجرِ الاستفتاء المذكور إلى الآن. وقد تحسّنت علاقات حكومة إقليم كردستان مع أنقرة وواشنطن بصورة كبيرة بعد هذه القرارات.

كما قدّم الدبلوماسيون الأكراد العراقيون أنفسهم باعتبارهم الجهات الفاعلة الوحيدة التي يعوَّل عليها في العراق، والتي يمكنها متابعة مصالح العواصم الأجنبية. وتواصل القيادة التأكيد لواشنطن على أن الحكومة المركزية في بغداد غير جديرة بالثقة وعاجزة. وتقدّم القيادات الكردية نفسها علناً بأنها الجهات الفاعلة الوحيدة في العراق التي تلتزم بالدستور، وهي تحاول نزع الشرعية عن الأحزاب العراقية العربية. لابل عَقَدَ الدبلوماسيون في عهد رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي مقارنات بينه وبين صدام حسين. وهم يطرحون التقدم الذي تم إحرازه في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية في إقليم كردستان في مواجهة عجز بغداد بشأن هذه القضايا، كي يقولوا إنهم شركاء طبيعيون لواشنطن. وبعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على الموصل، ذهب فؤاد حسين إلى واشنطن، وقال في حديث إن “الناس في الخارج يطلبون منا قيادة العملية السياسية في بغداد بسبب وجود نقص في القيادة”.

يفسّر القادة قوة حكومة إقليم كردستان كشريك محلّي باستخدام مقاعدها في البرلمان الوطني، والتي أصبحت مهمّة أثناء كل دورة انتخابية، لتصوير أنفسهم كقوة سياسية مؤّثرة في بغداد. ففي أعقاب الانتخابات البرلمانية لعام 2010 في العراق، أصبح واضحاً أن نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي كان أوباما عيّنه مسؤولا عن ملف العراق، كان حريصاً على الحفاظ على النظام، حتى لو كان ذلك يعني الإبقاء على المالكي في السلطة، على الرغم من حقيقة أن ائتلافه لم يحصل على أكبر عدد من المقاعد في تلك الانتخابات.2 اعترض البرزاني على الكثير من سياسات المالكي، ولاسيّما في مايتعلق بقطاع النفط، لكنه وافق في النهاية على دعم ترشيحه، ووفقاً لمسؤولين حضروا المفاوضات، فقد صاغ البرزاني جزءاً من هذا القرار كتعبير عن حسن النيّة تجاه بايدن والولايات المتحدة. وبهذه الطريقة استغلّ دبلوماسيو إقليم كردستان مقاعدهم في البرلمان للمساعدة على تعزيز مصالح واشنطن، مع التركيز على تعزيز العلاقات معها.

تمتد سياسة الشريك المحلي لتشمل قطاع الأمن كذلك. فمنذ التقدم السريع الذي حققه تنظيم الدولة الإسلامية في الموصل وانهيار قوات الأمن العراقية، التي فرّت على الرغم من أن عددها يفوق عدد المهاجمين، جادلت القيادة الكردية باستمرار في واشنطن بأن جيشها، البشمركة، هو القوة القتالية الوحيدة التي يعوَّل عليها في العراق. فقد قال فؤاد حسين أمام مجموعة من الأميركيين في واشنطن صيف العام 2014 إن “80 في المئة من الجيش العراقي قد انهار”. ويذكّر الدبلوماسيون الأكراد نظراءهم الأميركيين أنه لم يقتل أي جندي أميركي في إقليم كردستان في أعقاب حرب العام 2003. وبعد انهيار قوات الأمن العراقية، دأبت القيادة الكردية العراقية على تذكير القادة في واشنطن بالفرق في المدخلات مقابل المخرجات بين أربيل وبغداد. فقد أنفقت الولايات المتحدة 25 مليار دولار وأسّست 109 كتائب لقوات الأمن العراقية في بغداد في مقابل إنفاق 95 مليون دولار وتأسيس ثماني كتائب فقط لقوات البشمركة التابعة لحكومة إقليم كردستان.

بدأت واشنطن تقدّر الدور الذي تقوم به قوات البشمركة. فخلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ بشأن العراق وسورية، عبّرت عضو مجلس الشيوخ الأميركي جوني إرنست عن دعمها لقوات البشمركة، قائلة: “البشمركة مستعدّون للقتال. في قتال متلاحم. ولاتضاهيهم أي مجموعة أخرى في ذلك المجال”. وعلاوة على ذلك، يقود السناتور جون ماكين حملة “تسليح البشمركة”.

الأهم من ذلك أن الولايات المتحدة أعطت الضوء الأخضر لقوات البشمركة الكردية العراقية في معركة كوباني في أيلول/سبتمبر 2014، بدلاً من أي قوات كردية محلّية، للانتقال إلى سورية للدفاع عن المدينة ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وبذلك اعترفت الولايات المتحدة بشرعية البشمركة، لا كقوة متفوّقة وحسب، بل باعتبارها جيشاً يمكنه تنفيذ عمليات في دولة أخرى.

دعا مسعود البارزاني باستمرار إلى إنشاء قاعدة أميركية في إقليم كردستان. وقد استغلّ فريقه الأهمية الجيو استراتيجية للإقليم مقابل بغداد وطهران، فضلاً عن وجود شرخ في الثقة بين الولايات المتحدة وتركيا (التي لم تدعم واشنطن في حرب العام 2003) للدعوة إلى وجود أميركي طويل الأمد فيها. ورحّب الأكراد مؤخراً بإنشاء قاعدة أميركية في منطقة حرير بإقليم كردستان. وقد عزّزت هذه الزيادة في التعاون والقتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية علاقة إقليم كردستان بوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون).

إيجاد شركاء محليين في واشنطن

تمثّلت إحدى السياسات الحاسمة لحكومة إقليم كردستان في العمل على بناء الثقة وتطوير علاقات قوية مع المشرّعين الأميركيين. فقد قال قوباد طالباني، الذي كان ممثّلاً لحكومة إقليم كردستان لدى الولايات المتحدة، لكاتب التعليق إنه كان يتوخّى استنساخ تجربة اللوبي الإسرائيلي. فالأكراد العراقيون يتفاعلون بانتظام مع الدوائر السياسية المؤثّرة في واشنطن. وفي العام 2008، عمل ممثّلو حكومة إقليم كردستان على تأسيس تجمّع حزبي كردي-أميركي في الكونغرس، بزعامة عضو الكونغرس الديمقراطي آنذاك لينكولن ديفيز وعضوٍ الكونغرس الجمهوري جو ويلسون. وبحلول العام 2010، كان التجمّع يتألف من 18 عضواً جمهورياً و23 عضواً ديمقراطياً في الكونغرس. كما تعاقد قادة إقليم كردستان مع شركة التأثير على المسؤولين (الضغط) “باتون بوغز” لدعم جهودهم، وأنفقوا أكثر من مليون دولار سنوياً على جهود الضغط هذه في واشنطن.

تمكّنت قيادة إقليم كردستان من بناء الثقة مع أفراد أساسيين في الكونغرس الأميركي يمكنهم الحديث بالنيابة عن حكومة إقليم كردستان. وفي العام 2011، وافق الكونغرس على إنشاء قنصلية أميركية في أربيل. وأبلغت عضو الكونغرس دانا روراباتشر، وهي عضو في التجمّع الكردي-الأميركي في الكونغرس، الكونغرس خلال المناقشات حول إنشاء القنصلية أنه “على مر السنين كان تاريخ الأكراد تاريخ شعب مضطهد. وبالتالي فهم حلفاء طبيعيون للولايات المتحدة، بلدنا، الذي لديه تقليد في دعم الشعوب المضطهدة”. وأعرب عدد من النواب المؤثّرين الآخرين عن دعمهم للأكراد في العراق. وقالت عضو مجلس الشيوخ الأميركي إرنست في جلسة استماع في مجلس الشيوخ بشأن العراق وسورية إن “أكراد العراق أثبتوا أنهم شركاء موثوقون عن طريق دعم مصالح الولايات المتحدة في كل مرة طلبنا فيها حضورهم ومساعدتهم”. لابل إن عضو مجلس الشيوخ الأميركي راند بول، أعرب عن استعداده لجعل ذلك جزءاً من حملته لانتخابات الرئاسة.

تعتمد قيادة إقليم كردستان أيضاً على التواصل مع الجمهور لتعزيز العلاقات مع واشنطن. والهدف من ذلك هو التأثير على السياسات في العواصم الخارجية للولايات المتحدة والدول الديمقراطية الأخرى من خلال بناء علاقات قوية مع الجمهور، الذي يمكنه بعد ذلك الضغط على حكوماته.

التكتيك المفضّل هو استخدام وسائل الإعلام الأميركية للتواصل مع هذا الجمهور. وبعد العام 2003، على سبيل المثال، قرّرت قيادة إقليم كردستان بثّ إعلانات “شكر” مُكلفة على شبكات التلفزيون في وقت الذروة. شملت هذه الإعلانات مشاهد عبّر فيها أكراد العراق عن شكرهم للولايات المتحدة على تحريرهم من دكتاتورية صدام حسين.

كما يكتب مسؤولون أكراد عراقيون رفيعو المستوى مقالات رأي في الصحف الرئيسة في الولايات المتحدة. فقد نشر رئيس الوزراء نيجرفان بارزاني مقالاً في صحيفة “وول ستريت جورنال” في تشرين الأول/أكتوبر 2007 برّر فيه الطموحات النفطية لحكومة إقليم كردستان، وحاول الحدّ من أي مخاوف محتملة بشأن هذه الطموحات من جانب مسؤولين يميلون إلى بغداد في الولايات المتحدة.

ثمّة استراتيجية غير مباشرة أخرى تتمثّل في السعي إلى إبراز كردستان العراق في وسائل الإعلام الأميركية. إذ تدعو القيادة علناً صنّاع الأفلام الوثائقية إلى زيارة أربيل، حيث دعا قوباد طالباني مسؤولين تنفيذيين من شركة “سوني” واستوديوهات “ميراماكس” في هوليوود إلى إقليم كردستان كي يظهر لهم المناظر الطبيعية الرائعة في الإقليم ويزيد اهتمام هوليوود بالنضال الكردي. وقد وُجِّهَت دعوة إلى الصحافي توماس فريدمان لإلقاء خطاب حفل التخرّج في الجامعة الأميركية في العراق-السليمانية. وأثناء وجوده هناك، أكّد أحد مساعدي رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان السابق برهم صالح أن القيادة الكردية العراقية حرصت على عرض أفضل ما في الإقليم. وفي وقت لاحق، كتب فريدمان مقالاً في صحيفة نيويورك تايمز بعنوان ” أفضل أمل للعراق” وصف فيه إقليم كردستان بأنه “جزيرة للكياسة في بحر لايزال متلاطماً”.

علاوة على ذلك، دعمت هيئات تحرير العديد من الصحف الأميركية أكراد العراق. و في شباط/فبراير 2014، نشرت هيئة تحرير صحيفة واشنطن بوست مقالاً دافعت فيه عن مسعود بارزاني، الذي كان يحتجّ في ذلك الوقت على استمرار وسم وزارة الخارجية لحزبه “الحزب الديمقراطي الكردستاني” باعتباره منظمة إرهابية من الدرجة الثالثة. ونشرت صحيفة وول ستريت جورنال، في آب/أغسطس 2014، افتتاحية تقول “حلفاؤنا القدامى في شمال العراق يستحقون الدعم العسكري الأميركي”.

تفضّل الدبلوماسية في إقليم كردستان المشاركات الأكاديمية كذلك. وغالباً مايُلقي الدبلوماسيون محاضرات وخطباً في مراكز البحوث والمؤسّسات الأكاديمية والمنظمات العامة. وثمّة سياسة أخرى تهدف إلى جذب كبار المسؤولين الأميركيين الذين كانوا يعملون أصلاً في العراق مع تقديم حوافز مالية لهم. فبعد وقت قصير من تولّيه منصب سفير الولايات المتحدة في العراق، أصبح زلماي خليل زاد مستشاراً للقيادة العراقية الكردية. يومها أسّس خليل زاد شركة لتقديم المشورة للشركات متعدّدة الجنسيات التي تستثمر في إقليم كردستان. كما انخرط جاي غارنر، الذي كان مديراً لمكتب الولايات المتحدة لإعادة الإعمار والمساعدة الإنسانية في العراق، مالياً في الإقليم بعد أن ترك وظيفته كأبرز شخصية من وزارة الدفاع الأميركية في العراق. وترك علي خضري، الذي عمل سابقاً في بغداد مع وزارة الخارجية الأميركية مستشاراً لخمسة سفراء وثلاثة جنرالات أميركيين، وزارة الخارجية في نهاية المطاف، وانضم إلى شركة “إكسون موبيل”، حيث كان جزءاً من الفريق الذي نقل “إكسون موبيل” إلى إقليم كردستان. أما بالنسبة إلى فلاح مصطفى، مسؤول العلاقات الخارجية، فإن تمكّنه من جعل أميركيين من ذوي النفوذ يستثمرون في الإقليم، يمثّل جزءاً آخر من الدبلوماسية العامة بقدر ماقد يمثّل السفراء السابقون أو الجنرالات من ثقل في واشنطن، وبالتالي يمكنه أن يتحدث نيابة عن حكومة إقليم كردستان.

بعد قرار أوباما شنّ ضربات جوية ضد تنظيم الدولة الإسلامية، قال فلاح مصطفى، مسؤول العلاقات الخارجية في حكومة إقليم كردستان، في مقابلة: “في ذلك اليوم في آب/أغسطس، عرفنا أخيراً أننا لم نكن وحدنا، عرفنا أننا فزنا بقلوبهم وعقولهم…. فقد أصبحنا الآن أصحاب نفوذ وتأثير”.

يبدو أن إقليم كردستان اليوم في وضع يبشّر بالخير. فهو جيب مستقرّ نسبياً وسط منطقة تعمّها الفوضى. والأهم من ذلك أن الولايات المتحدة وجزء كبير من المجتمع الدولي يدعمون أمنه.

ثمّة أسباب جيو-استراتيجية واضحة تفسّر حرص واشنطن وغيرها من الدول على حماية الإقليم. وقد ركّزت معظم التحليلات على هذه الأسباب ولم تعط سوى القليل من الفضل لزعماء الإقليم، الذين لديهم هامش أقلّ للمناورة باعتبارهم ممثّلين لدولة غير معترف بها، ويأتمرون بأوامر لاعبين إقليميين ودوليين أقوى. بالنسبة إلى كتّاب هذه التحليلات، يمكن أن يعزى الوضع الذي حققته حكومة إقليم كردستان تقريباً إلى حقيقة كونها موجودة في المكان المناسب، في الوقت المناسب.

في حين أن كل ذلك ربما يكون صحيحاً، إلا أن دبلوماسيي إقليم كردستان حدّدوا مصيرهم، إلى حدّ ما. وهم فعلوا ذلك من خلال انتهاج سياسة خارجية براغماتية بحيث أصبحوا اسماً مألوفاً في العواصم الأجنبية مثل واشنطن، لضمان ألا تطلّ المقولة القديمة “لا أصدقاء سوى الجبال” برأسها القبيح مستقبلاً.