مقالات

لماذا لا تكترث (واشنطن) بهجمات إيران الصاروخية ضد دول المنطقة؟!

عبدالمنعم ابراهيم

ثمةَ‭ ‬تناقضٌ‭ ‬واضحٌ‭ ‬بينَ‭ ‬اهتمامِ‭ ‬أمريكا‭ ‬بإعادةِ‭ ‬إحياء‭ ‬العملِ‭ ‬بالاتفاق‭ ‬النووي‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬مباحثات‭ (‬فيينا‭) ‬التي‭ ‬أنهت‭ ‬منذ‭ ‬يومين‭ ‬جولتَها‭ ‬السادسة،‭ ‬وعدمِ‭ ‬اكتراثِ‭ ‬أمريكا‭ ‬بالاستفزازات‭ ‬الإيرانية‭ ‬وهجماتها‭ ‬الصاروخية‭ ‬عبر‭ ‬أذرعها‭ ‬المسلحةِ‭ ‬في‭ ‬دولِ‭ ‬المنطقة،‭ ‬التي‭ ‬تصنفُها‭ (‬واشنطن‭) ‬بالدولِ‭ ‬الصديقةِ‭ ‬أو‭ ‬الحليفة‭!.. ‬إذ‭ ‬أكَّد‭ ‬‮«‬الاتحادُ‭ ‬الأوروبي‮»‬‭ ‬أن‭ ‬المفاوضين‭ ‬في‭ (‬فيينا‭) ‬باتوا‭ ‬أقربَ‭ ‬إلى‭ ‬إنقاذِ‭ ‬الاتفاقِ‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني‭.. ‬وتتركز‭ ‬المحادثاتُ‭ ‬على‭ ‬رفع‭ ‬العقوباتِ‭ ‬المفروضةِ‭ ‬على‭ ‬طهران‭ ‬مقابل‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬برنامجها‭ ‬النووي‭.‬

ورغم‭ ‬اهتمامِ‭ ‬إدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ (‬جو‭ ‬بايدن‭) ‬بالتوصلِ‭ ‬إلى‭ ‬اتفاقٍ‭ ‬مع‭ (‬طهران‭) ‬حولَ‭ ‬ملفها‭ ‬النووي،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬إيرانَ‭ ‬لا‭ ‬تظهرُ‭ ‬أيَّ‭ ‬تعاونٍ‭ ‬فيما‭ ‬يتعلقُ‭ ‬بتخفيفِ‭ ‬التوتر‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬بل‭ ‬صعَّدت‭ ‬مليشياتها‭ ‬المسلحةُ‭ ‬من‭ ‬هجماتِها‭ ‬الصاروخية‭ ‬ضد‭ ‬قواعد‭ ‬عسكرية‭ ‬يوجدُ‭ ‬فيها‭ ‬قواتٌ‭ ‬أمريكية‭ ‬بالعراق‭ ‬مؤخرا،‭ ‬حيث‭ ‬استهدفَ‭ ‬43‭ ‬هجومًا‭ ‬المصالحَ‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬العام،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬السفارةَ‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬وقواعد‭ ‬عسكرية‭ ‬تضم‭ ‬أمريكيين،‭ ‬ومطاري‭ ‬بغداد‭ ‬وأربيل،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬مواكب‭ ‬لوجستية‭ ‬للتحالف‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬هجماتٍ‭ ‬إيرانية‭ ‬القرار‭ ‬والصنع‭! ‬وأدت‭ ‬الهجماتُ‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬العام‭ ‬إلى‭ ‬مقتل‭ ‬متعاقدين‭ ‬أجنبيين‭ ‬و9‭ ‬عراقيين‭ ‬و8‭ ‬مدنيين‭.‬

ومن‭ ‬جهةٍ‭ ‬أخرى‭ ‬تواصلُ‭ ‬إيرانُ‭ ‬عبرَ‭ ‬ذراعها‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ (‬الحوثيين‭) ‬استهدافَ‭ ‬مدنٍ‭ ‬ومطارات‭ ‬ومواقع‭ ‬نفطية‭ ‬ضد‭ ‬السعودية،‭ ‬كان‭ ‬آخرها‭ ‬اعتراض‭ ‬التحالف‭ ‬العسكري‭ ‬الذي‭ ‬تقوده‭ ‬السعوديةُ‭ ‬ضد‭ ‬المتمردين‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬يوم‭ ‬السبت‭ ‬الماضي‭ ‬17‭ ‬طائرة‭ ‬مسيرة‭ ‬مفخخة‭ ‬أطلقها‭ ‬الحوثيون‭ ‬على‭ ‬مناطق‭ ‬في‭ ‬السعودية‭ ‬منها‭ ‬7‭ ‬طائرات‭ ‬تجاه‭ ‬المنطقة‭ ‬الجنوبية،‭ ‬واعتراض‭ ‬3‭ ‬طائرات‭ ‬على‭ ‬منطقة‭ (‬خميس‭ ‬مشيط‭)‬،‭ ‬تم‭ ‬التصدي‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬الأجواء‭ ‬اليمنية،‭ ‬لكن‭ ‬هناك‭ ‬هجمات‭ ‬حوثية‭ ‬كثيرة‭ ‬سابقة‭ ‬ضربت‭ ‬الرياض‭ ‬والظهران‭ ‬وجدة‭ ‬وحائل،‭ ‬بل‭ ‬ومكة‭ ‬المكرمة‭ ‬ومدن‭ ‬سعودية‭ ‬أخرى‭.. ‬وبلغ‭ ‬مجموع‭ ‬الصواريخ‭ ‬الحوثية‭ ‬1031‭ ‬صاروخا‭ ‬ضد‭ ‬السعودية‭.‬

ويبقى‭ ‬السؤال‭: ‬لماذا‭ ‬أمريكا‭ ‬لا‭ ‬تكترث‭ ‬كثيرا‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬ترد‭ (‬عسكريًّا‭) ‬على‭ ‬الاعتداءات‭ ‬الإيرانية،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬أو‭ ‬السعودية؟‭!!‬

لا‭ ‬يمكنُ‭ ‬فصل‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬عن‭ ‬السياسةِ‭ ‬الأمريكية‭ ‬للإدارة‭ ‬الجديدة‭ ‬بقيادة‭ (‬بايدن‭) ‬حول‭ (‬الشرق‭ ‬الأوسط‭).. ‬فهذه‭ ‬الإدارةُ‭ ‬تريدُ‭ ‬الخروجَ‭ ‬من‭ ‬مشكلاتٍ‭ ‬وأزمات‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬ولا‭ ‬تكترثُ‭ ‬بأمن‭ ‬واستقرار‭ ‬دولٍ‭ ‬صديقةٍ‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬مثل‭ ‬السعودية‭ ‬ودول‭ ‬الخليج‭.. (‬واشنطن‭) ‬تهتم‭ ‬وتكترثُ‭ ‬إذا‭ ‬حدث‭ ‬صِدامٌ‭ ‬عسكريٌّ‭ ‬وتعلق‭ ‬الأمرُ‭ ‬بأمن‭ ‬إسرائيل‭ ‬فقط،‭ ‬عدا‭ ‬ذلك‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تهتم‭ ‬بأيِّ‭ ‬ضررٍ‭ ‬أو‭ ‬هجماتٍ‭ ‬صاروخية‭ ‬إيرانية‭ ‬ضد‭ ‬دول‭ ‬عربية،‭ ‬حتى‭ ‬تلك‭ ‬الهجمات‭ ‬الصاروخية‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬فيها‭ ‬إيران‭ ‬عبر‭ ‬مليشياتها‭ ‬المسلحة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬قواعدَ‭ ‬فيها‭ ‬جنودٌ‭ ‬أمريكيون‭! ‬وقد‭ ‬أعلنت‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكية‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬الماضي‭ ‬أنها‭ ‬بدأت‭ ‬خفض‭ ‬أنظمتها‭ ‬الدفاعية‭ ‬الجوية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬حسب‭ ‬معلومات‭ ‬أوردتها‭ ‬صحيفة‭ (‬وول‭ ‬ستريت‭ ‬جورنال‭) ‬الأمريكية،‭ ‬وقالت‭ ‬المتحدثة‭ ‬باسم‭ ‬البنتاجون‭ (‬جيسيكا‭ ‬ماكنولتي‭) ‬إن‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ (‬لوين‭ ‬أوستن‭) ‬أمر‭ ‬بأن‭ ‬يتم‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬الصيف‭ ‬سحب‭ ‬بعض‭ ‬القوات‭ ‬والقدرات‭ ‬من‭ ‬المنطقة‭.. ‬وقالت‭ ‬صحيفة‭ (‬وول‭ ‬ستريت‭) ‬إن‭ ‬البنتاجون‭ ‬بدأ‭ ‬أول‭ ‬يونيو‭ ‬سحب‭ ‬8‭ ‬بطاريات‭ ‬مضادة‭ ‬للصواريخ‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬والكويت‭ ‬والأردن‭ ‬والسعودية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ (‬درع‭ ‬ثاد‭) ‬المضاد‭ ‬للصواريخ‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬نشره‭ ‬في‭ ‬السعودية،‭ ‬وتتطلب‭ ‬كل‭ ‬بطارية‭ ‬مضادة‭ ‬للصواريخ‭ ‬وجود‭ ‬مئات‭ ‬الجنود،‭ ‬وسحب‭ ‬تلك‭ ‬البطاريات‭ ‬يعني‭ ‬رحيل‭ ‬آلاف‭ ‬الجنود‭ ‬الأمريكيين‭ ‬من‭ ‬المنطقة،‭ ‬وتعمل‭ (‬واشنطن‭) ‬حالياً‭ ‬على‭ ‬سحب‭ ‬جميع‭ ‬قواتها‭ ‬من‭ ‬أفغانستان،‭ ‬وخفضت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬قواتها‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬إلى‭ ‬2500‭ ‬جندي‭.‬

ماذا‭ ‬نستنتجُ‭ ‬من‭ ‬ذلك؟‭.. ‬إن‭ ‬أمريكا‭ ‬بعد‭ ‬وصولها‭ ‬إلى‭ ‬اتفاقٍ‭ ‬نووي‭ ‬جديد‭ ‬مع‭ (‬طهران‭) ‬سوف‭ ‬تطلقُ‭ ‬يدَ‭ ‬إيران‭ ‬وأذرعها‭ ‬الإرهابية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬أيِّ‭ ‬قيودٍ‭ ‬أو‭ ‬رادعٍ‭ ‬عسكري،‭ ‬وكلُّ‭ ‬حديثِ‭ (‬واشنطن‭) ‬الحالي‭ ‬عن‭ ‬مناقشةِ‭ ‬دور‭ ‬إيران‭ ‬المزعزع‭ ‬للأمنِ‭ ‬والاستقرار‭ ‬وتهديد‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬مباحثات‭ (‬فيينا‭) ‬الأخيرة‭ ‬مجردُ‭ ‬تصريحاتٍ‭ ‬عابرة‭ ‬لرفع‭ ‬عتب‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬عنها‭! ‬ومن‭ ‬غير‭ ‬المستبعد‭ ‬أن‭ ‬يتناغمَ‭ ‬هذا‭ ‬السلوكُ‭ ‬الأمريكي‭ ‬مع‭ ‬التوجهاتِ‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬البعيدةِ‭ ‬المدى‭ ‬في‭ ‬إطلاقِ‭ ‬يد‭ (‬إيران‭) ‬للتوسع‭ ‬أكثر‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬بما‭ ‬يخدمُ‭ ‬الأجندةَ‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬تفتيتِ‭ ‬وتمزيقِ‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬كياناتٍ‭ ‬عرقيةٍ‭ ‬وطائفيةٍ‭ ‬صغيرة‭ ‬متناحرة‭. ‬تماما‭ ‬مثلما‭ ‬يحدثُ‭ ‬حاليا‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬والعراق‭ ‬وليبيا‭ ‬واليمن‭.. ‬وهنا‭ ‬تلتقي‭ ‬المصلحةُ‭ ‬الأمريكيَّةُ‭ ‬بالمصلحةِ‭ ‬الإيرانيَّةِ‭ ‬على‭ ‬حسابِ‭ ‬العرب‭.‬