مقالات

ليبيا.. الحديث الأخير.. رفعت الاقلام وجفت الصحف!

ابراهيم محمد الهنقاري
 
 
وذلك للدلالة على انه لم تعد هنالك بعد تلك الوصايا حاجة لمزيد من الكلام لا قولا ولا تسطيرا.
في حالتنا الليبية تنعكس الآية . فلا ترفع الاقلام وتجف الصحف لحكمة بالغة بل لانه ليس هناك خصال تذكر ولا وصايا قيمة سمعناها أو رأيناها ممن شاءت ظروفنا السيئة ان يتولوا امورنا وان يتسلطوا على الوطن العزيز بعد انتفاضة ١٧ فبراير ٢٠١١. كما لم تكن هناك خصال ولا وصايا ذات بال من ممثلي الامين العام للأمم المتحدة الذين تبادلوا الأدوار في الضحك على ذقون الليبيين واللعب بمصائرهم خلال السنوات السبع الماضية.
ومن هنا اذن كان اختيارنا الإشارة في هذا الحديث الى تلك الحكمة النبوية البالغة.
فقد تحدثنا وتحدث غيرنا عن ماساة وطننا ليبيا حتى مل منا الكلام وكتبنا وكتب غيرنا حتى أفرغنا كل المحابر وحتى جفت كل الاقلام وحتى هرب الورق من ببين أيدينا ومن خلفنا ومن فوق مكاتبنا ولم يعد هنالك جديد نقوله او نكتبه. ولم نعد نفهم شيئا مما يدبر لنا وللوطن سرا وعلانية. فكان لابد ان ترفع الاقلام وكان لابد ان تجف الصحف. وان تتوقف شهرزاد الليبية عن الكلام المباح وغير المباح. فلم يعد للحديث عن الشان الليبي بعد كل ذلك وبعد كل ما رأيناه وسمعناه معنى ولا جدوى.
كان هذا هو الموجز واليكم الأنباء بالتفصيل.
قال ابو الطيب المتنبي :
ولم أر في عيوب الناس شيئا ….
كنقص القادرين على التمام ..!!
ليبيا كانت وما تزال قادرة على التمام. ولكن شيئا ما غريبا وخافيا يدفعهادفعا الى الهاوية والى نهاية لا يعلم مداها ولا عواقبها الا الله.
لم أر في اكثر الدول تخلُّفا مثل ما ارى مما يجري في بلادنا العزيزةً والمخطوفةً ليبيا. فساد وخطف وقتل وتهجير وسرقة ونهب للمال العام والخاص وثلاثة او اربع حكومات فاشلة وعاجزة ومجالس منتهية الصلاحية ولكنها لا تزال تتشبث بالبقاء وتستلم المرتبات والمزايا العينية العالية بينما المواطن الليبي البسيط يعاني من انقطاع الكهرباء ومن الغلاء الفاحش ومن الاستغلال ويقف في طوابير المصارف الخاوية بحثا عن الراتب الذي لا يأتي وفِي طوابير البنزين المفقود في دولة تنتج الْيَوْمَ اكثر من مليون ومائتي الف برميل من النفط الخام وفِي طوابير المستشفيات الخالية من الدواء ومن العلاج الى غيرها من ألوان العذاب والمعاناة التي أصبحت مع الاسف هي كل ما أنتجته للشعب الليبي انتفاضة فبراير ٢٠١١ المخطوفة.!
كلمة “عيب” ليست كافية أبدا لوصف الكارثة التي تمر بها بلادنا والتي صنعها ولايزال يصنعها بعض العاقين والمعاقين من ابنائها. ويشرف عليها ما يسمى بالمجتمع الدولي.
جميع الكلمات وجميع اللغات لا تستطيع ان تعبر عن هول بل اهوال ما حدث في بلادنا منذ ١٧ فبراير ٢٠١١.
اجل شهدت بلادنا اهوالا وماسي لا حصر لها منذ انقلاب سبتمبر عام ١٩٦٩ والغاء دستور الاستقلال والنظام الملكي الزاهر ليحل محله نظام اللجان الثورية الغوغائية المجرمة واللجان الشعبية الفاشلة والمزيفة وانهيار التعليم والاخلاق وكل ماكان جميلا في بلادنا ولكن ما جرى خلال السنوات الست الماضية ربما فاق كل الجرايم والآثام التي ارتكبت خلال العقود الأربعة السابقة لانتفاضة ١٧ فبراير ٢٠١١ التي تمت سرقتها مع الأسف على يد تحالف غير مقدس بين حفنة من المجرمين وحفنة من المتاجرين بالدِّين والدنيا .
وبعد ان وصلت الأمور في بلادنا الى هذا المستوى المتدني وغير المسبوق من الفوضى وانعدام الدولة وانعدام القانون وانعدام الاخلاق وانعدام المنطق السوي وانعدام الحكومة التي تحرص على الصالح العام للشعب وظهور بوادر الانقسام وانفراط عقد الوطن الواحد وضياع الدولة الليبية الواحدة وذلك كله رغم كل التضحيات ورغم كل الشهداء ورغم كل الدماء ورغم كل المعاناة ورغم كل ما كتبه الكاتبون وقاله القائلون وعبرت عنه قوائم المغتالين والموتى والمصابين من أبناء شعبنا وشهدت عليه دموع الثكالى والمهجرين وطوابير البائسين على أبواب المصارف الخاوية من العملات المحليةً والأجنبية وقوائم المهاجرين طلبا للعلاج وللأمن خارج الوطن دون ان يحرك كل ذلك شعرة واحدة في قلوب وضمائر الذين تصدروا المشهد السياسي الليبي ان كانت لهم قلوب او ضمائر وذلك منذ انتفاضة فبراير ٢٠١١ سواء من الليبيين او من الدوليين.
لا يفهم الليبيون والليبيات كيف تتمسك البعثة الأممية في ليبيا بالباطل وهي تعلم حق العلم انه باطل وتتمسك بما يسمى باتفاقية الصخيرات التي ولدت ميتة ولم يستطع خمسة من ممثلي الامم المتحدة حتى الان ان يعيدوها للحياة او ان يحققوا عبرها خيرا لليبيا ولليبيين والليبيات.
كما لا يفهم الليبيون والليبيات كيف يتمسك ما بسمى بالمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني المعدومة الوجود البقاء والاستمرار في خداع الشعب الليبي وتبديد امواله في مهمات خارجية لا جدوى منها ولم تحقق شيئا لا لليبيا ولا لليبيين ولكنها تساهم بشكل فعال في تبديد المال العام الليبي واتاحة الفرصة للصوص هذا المال الليبي لنهبه واستغلاله.
ولا يفهم الليبيون والليبيات كيف يستمر محلس النواب المنتخب والمنتهية صلاحيته وشرعيته في عمله بعد انتهاء اتفافية الصخيرات ولا كيف يستمر أعضاؤه في استلام مرتباتهم ومزاياهم وكثير منهم لا يحضرون جلساته ولا يشاركون في أعماله.
ولا يفهم الليبيون والليبيات كيف استمر اعضاء الموتمر الوطني العام يدعون الشرعية بعد انتهاء مدته واستمرار أعضائه في استلام رواتبهم ومزاياهم المالية من الخزينة العامة للدولة دون حياء ولا خجل ولا كيف غيروا اسم ذلك الموتمر الى “مجلس الدولة” في وقت يعلم الجميع فيه انه لم تعد هنالك دولة في ليبيا حتى يكون لها مجلس.
ولا يفهم الليبيون والليبيات كيف سيكون حالهم بعد ان أعلنت كل جهة من الجهات التي تتحكم في جزء من التراب الوطني تحت مسميات مختلفة انها هي وحدها المؤسسة الشرعية في ليبيا ولكنها لا تفعل شيئا يدل على ذلك ما جعل المواطن الليبي البسيط يسمع كثيرا من الجعجعة ولكنه لا يرى اي طحين. وهاهم يتحدثون عن مهزلة الانتخابات مرة اخري مع وجود المليشيات والعصابات المسلحة غير الشرعية التي تتسلط على العباد والبلاد وتنشر الرعب والفزع في دوائر الحكومات المزعومة كما في شوارع المدن والقرى الليبية تحت سمع وبصر المجتمع الدولي والمجتمع المحلي ايضا. لا احد في ليبيا يريد اجراء هذه الانتخابات في غياب الدولة وفِي غياب القانون وفِي غياب الأمن والامان.
الان وقد دخلت بلادنا طريقا مجهولا لا يعرف احد الى أين سيوصلنا. الان وقد اختلطت الأوراق وتشابه البقر علينا ولم نعد نفهم شيئا مما يجري حولنا لم يبق أمامنا الا ان نتوقف عن الكلام المباح الذي لم يعد ذي جدوى وغير المباح الذي لا يهتم به احد. وان نمتنع عن الخوض في هذا الشأن الليبي الغريب والغامض وغير القابل لا للفهم ولا للتحليل حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
لكل هذه الأسباب قررت ان أتوقف مؤقتا عن الخوض في الشأن الليبي العام حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر الليبي المجهول الذي لم يولد بعد والصبح الليبي الذي لم يتنفس بعد.