مقالات

الأنظار لاتتجه لدعوة ديمستورا ومؤتمر سوتشي.. إنما هي في جبهة أخرى

الدكتور محمد بكر
لن تكن دعوة ديمستورا للحكومة السورية والمعارضة لحضور جولة جديدة من المفاوضات قبل أيام قليلة من مؤتمر الحوار في سوتشي قفزة نوعية تفضي لتوافقات سياسية، فالوقت ليس مناسباً لمناقشة القضايا الدستورية، حديث تيلرسون عن أن انسحاب القوات العسكرية الأميركية يشكل فرصة ذهبية لإيران وأن داعش لم يهزم بشكل كامل وأن رحيل الأسد هو وحده من يهيئ الظروف لنجاح العملية السياسية ينسف دعوات ديمستورا ويقوض الإصرار الروسي على إطلاق مؤتمر سوتشي، فليس ثمة ما يوحي بأن الأخير أيضاً قد يستولد تغيراً جذرياً في مسار العملية السياسية السورية، ثمة العديد من النيران التي يصوب مديروها ومشغلوها نحو إجهاض أي تحول سياسي في طريق الحل للأزمة السورية، لم يكن فقط ماأعلنته الولايات المتحدة لجهة تشكيل قوة حدودية قوامها ثلاثون الف مقاتل تشكل قوات قسد أكثر من نصفها في الشرق السوري، هو المؤشر الوحيد لتفاقم وتصاعد ألسنة النار في الميدان السوري، كذلك الخلاف التركي الروسي فيما يتعلق بإشراك الكرد كمكون أساسي في مفاوضات الحل السياسي يصوب ذات النار، وبالرغم من تجاوز الجانب الروسي حادثة الطائرات المسيرة التي هاجمت قاعدة حميميم، وتبرئته الجانب التركي من تورطه في هذه الحادثة، وبالرغم مما أعلنه الجانب التركي عن تحصله المسبق على الموافقة الروسية لجهة شرعنة العملية العسكرية التركية التي تجددت للإجهاز التام على التواجد الكردي بحسب ما أعلنت أنقرة، إلا أن تطاول الغضب التركي من تصاعد العمليات العسكرية للجيش السوري في ريف إدلب الجنوبي وتحريره لعشرات القرى المحاذية لمطار أبو الضهور وتقدمه الميداني المتسارع في ريف حلب الجنوبي الشرقي، وطلب الجانب التركي من نظيره الروسي ضرورة الضغط على الحليفة دمشق وضبط إيقاعها الميداني المتسارع في الشمال، يشي عن نيات تركية تتجاوز الهدف المعلن لجهة أن تحركها في الشمال السوري هو فقط من أجل حماية أمنها القومي والقضاء على التمدد الكردي في المنطقة.
ماأعلنه الرئيس الأسد مؤخراً عن أن الانتصارات العسكرية للجيش السوري تهيئ لمسار سياسي، وتعزز من المشهد السياسي للحل، هو مايشكل جوهر الاستراتيجية التي تنتهجها دمشق، وهي تمضي فيما يتم تفصيله سياسياً، نحو إحكام السيطرة على المزيد من الجغرافيا، وتالياً تضييق الفرصة على كل ما من شأنه تعزيز أوراق الخصوم في فرض رؤى سياسية بعينها في مرحلة المفاوضات، من هنا ترى دمشق أن تعاملها مع الوجود العسكري التركي على أراضيها هو بمنزلة عدوان واحتلال.
حديث فاتح حسون عن عدم المشاركة في مفاوضات سوتشي، والإعلان الأميركي عن القوة الحدودية، يبعث برسائل أميركية واضحة، تكاثر جملة من المعيقات في طريق الحل السياسي الذي تسعى موسكو لتفصيله وفق مقاسات بعينها، وإن التفرد الروسي في صياغة البدائل السياسية، وإفشال أي طروحات تتضمن مقاييس أميركية للحل السياسي، هو وحده مايزعج واشنطن ويدفعها للمرواغة وعدم التسليم بمفرزات الميدان السوري.
مجدداً المفاضات السياسية السورية في مرمى النار، الأميركي الرافض للسلوك الروسي المتزعم للعملية السياسية، والتركي الذي لا يرى في المشهد سوى تصفية الوجود الكردي، ودمشق المؤمنة باستعادة كل شبر من أراضيها، فيما تبقى العملية السياسية المؤَجل الوحيد في مشهد الكباش والاحتدام وربما الصدام المباشر.