مقالات

ليس من دون الفلسطينيين

فاتنة الدجاني
 
 
مرة أخرى، يجد الفلسطيني نفسه على مفترق طرق وأمام خيارات مستحيلة: هل يتمسك بمقاطعة عملية السلام الأميركية والبحث عن راع جديد، أم يعود إليها ويحاول تحسين شروطه مستفيداً من الموقف الدولي والمساعي الأميركية والمخاوف الإسرائيلية الأمنية، أم يُعلن انتهاء مسار أوسلو ويُغلق الملف ويبحث عن خيارات أخرى؟
 
المشهد الفلسطيني يبدو مثل «كولاج» صور متداخلة ذات مغزى. في مقدّمه النقاش الداخلي حول جدوى المفاوضات وتركة أوسلو، وهو نقاش سبق لقاء الرئيس محمود عباس وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي اليوم، وواكب زيارة نائب الرئيس الأميركي مايك بنس لكل من مصر والأردن وإسرائيل، وزاد قلقَ الدولة العبرية من انفجار الوضع الأمني المحتقن في الضفة الغربية، خصوصاً بعد العملية العسكرية الفاشلة في اقتحام مخيم جنين أخيراً.
 
في السياسة، بما هي فن الممكن، يعوّل بعضهم على اجتماع بروكسيل الذي وضع الرئيس الفلسطيني والموقف الأوروبي على أرضية مشتركة. الدعوة إلى اللقاء تحمل في طياتها عقلانية أوروبية باتجاهيْن، واحد يحاول درء الأخطار التي ولّدها قرار الرئيس دونالد ترامب الاعتراف بالقدس «عاصمة لإسرائيل» على الوضع في المنطقة، لأنه ينسف، بلا أي اعتبار، تراكمات العمل الديبلوماسي الأوروبي والدولي المتفق عليه في أطر الشرعية الدولية، ويكرس استفراداً أميركياً. والاتجاه الآخر يسعى إلى تقليل خسائر احتمالات ممكنة، لها مسوّغاتها، للتراجع عن أوسلو وحل السلطة الفلسطينية، وكلاهما كان موضع دعم أوروبي لم تكن أميركا راضية عنه لاعتبارها أن «أوسلو» صناعة أوروبية.
 
بهذا المعنى يمكن أن تُفهم التوصيات والنصائح الأوروبية للرئيس الفلسطيني بالتريث وعدم التسرع في التحلل من اتفاق أوسلو أو حل السلطة أو مقاطعة أميركا وإغلاق الباب كاملاً في وجه ترامب وعملية السلام. كل ما تستطيعه أوروبا الآن هو التحرك باتجاه واشنطن لإعادة وضع صيغة حل تستعيد القبول الفلسطيني. ويبدو أن أوروبا تعتقد بإمكان ذلك، فـ«صفقة القرن» لم تُعلن رسمياً، وقد تقبل التعديل بما يساعد الطرف الفلسطيني على القبول بالوساطة الأميركية. والرهان الأكيد للأوروبيين هو أن الإدارة الأميركية صُدمت نسبياً بردود الفعل الفلسطينية والعربية والدولية على مسألة نقل السفارة إلى القدس وإعلانها «عاصمة لإسرائيل».
 
بالتأكيد ليس هذا موقف الجميع من الدور الأوروبي. إن مجرد التفكير في العودة إلى عملية سلام استهلَكت كل هذا الوقت، وباسمها خسر الفلسطيني ما لم يخسره في الحروب، كفيلٌ بأن يثير الغضب وكثيراً من الانفعالات لما فيه من ظلم، ولما يكشفه من عقم الحال والضعف والخذلان ومحدودية الخيارات. أبَعْدَ كل ما جرى ويجري، ما زال هناك من يراهن على عملية السلام؟ ولماذا يكون الفلسطيني شاهد زور على مصير يُفرض عليه، مثلما شُطبت قضية القدس، وما يشهده الآن من مساع لشطب قضية اللاجئين، وتنفيذ «صفقة القرن» الأميركية للسلام في شكل أحادي ومن دون الفلسطينيين؟
 
الرهان على أوروبا خاسر، وكما يقول المثل الفلسطيني «لو بدها تمطّر لغيّمت»، ولو كان لدى الأوروبيين ما يعطونه، لفعلوا. الضغوط الكثيرة السابقة والحالية واللاحقة التي تمارس على عباس للحفاظ على اتفاق أوسلو والتنسيق الأمني والاعتراف بإسرائيل، تأتي من دون مقابل وبرسم وعود باعتراف مؤجل بفلسطين. حتى اقتراح التوقيع على اتفاق شراكة مع «فلسطين» لا يحظى بتوافق أوروبي. لكن الاعتراف بفلسطين حق، ولا يُمكن أن يبقى في إطار توافق تآمري دولي، كما الحال الآن.
 
لكن قوة الفلسطيني في أنه صاحب حق وقضية. وبقاؤه بعيداً يعني أن الصورة لن تكتمل في غيابه، ولن تحظى أي خطوة أحادية بأي شرعية قانونية أو دولية. أما زيارة بنس، والعرض الأوروبي، كما الاقتراح الروسي للوساطة، والمخاوف الأمنية الإسرائيلية… فكلها «كولاج» صُوَر تُظهر المعنى ذاته: ليس من دون الفلسطينيين.