مقالات

ما الذي يجعل مليون امرأة تركية تترك وظيفتها؟

نور علوان
صحفية

وضع المرأة التركية بين عالم الأعمال والمهمات المنزلية

قامت لجنة “المرأة في عالم الأعمال” عام 2007 بوضع خطة تهدف إلى الاهتمام بتعليم المرأة التركية بالمقام الأول حتى تعزز مشاركتها في مجالات الحياة المختلفة وخاصة العملية، ومنذ الربع الثالث من هذه السنة قامت مؤسسة “ريادة الأعمال التجارية التركية” بنشر تقرير يوضح وضع المرأة العاملة في تركيا وكان العنوان الأبرز لهذا التقرير هو أن مليون امرأة تركية قامت بترك وظيفتها خلال خمس سنوات.

ولفهم الأسباب التي دفعت المرأة التركية لتخلي عن حقها في العمل والعواقب اللاحقة لهذه الخطوة على المرأة نفسها والمجتمع التركي لابد من معرفة مكان ومكانة المرأة من تركيبة هذا المجتمع وثقافته، إلى جانب التعرف على حقوقها في العمل ومسؤولياتها العائلية.

وبحسب مؤسسة “بحوث بنية الأسرة التركية”، فإن المرأة التركية تشكل 49.8% والرجل 50.2% من مجمل التعداد السكاني، وفي آخر إحصائيات عام 2016 تشير البيانات إلى أن الرجال وصل عددهم إلى 40 مليون و43 ألف و650 شخص، وعدد النساء وصل إلى 39 مليون و771 ألف و221 امرأة.

هذا ويذكر مركز “الإحصائيات بحسب الوحدات السكنية” أن 84.9% من المجتمع التركي يرى أن عمل المرأة التركية ضرورة لابد منه وكانت نسبة الرجال من هذا التقدير 78.1% والنساء 91.5% وبالنسبة إلى التوزيع الجغرافي لهذه الآراء فإن أعلى النسب كانت من المدن التالية: ازمير وايدن ودنيزلي وموغلا ومانيسا وعشاق، وكانت نسبة التأييد على أهمية مشاركة المرأة بالحياة العملية 90.6% وأقل النسب كانت من المناطق التي تقع في منطقة الأناضول مثل غازي عنتاب واضيامان وكيليس وباتمان ودياربكر وسيرت وماردين واورفا والتي كانت نسبتهم 78.1%.

وكانت النساء اللاتي أحرزن تقدمًا في الحياة التعليمية حصلن على دخول أعلى من غيرهن، فمثلًا الحاصلات على شهادة ماجستير يصل متوسط دخلهن السنوي إلى 29 ألف و238 ليرة أما الحاصلات فقط على التعليم المدرسي لمرحلة الثانوية فإن دخولهن لم تتجاوز 16 ألف و124 ليرة في السنة والنساء اللواتي لم يحالفهن الحظ للتعلم فإنهن يحصلن على 8 آلاف و528 ليرة سنويًا. وهذا وفقًا لمؤسسة بحوث بنية الأسرة التركية.

أسباب تخلي المرأة عن مقعدها في عالم الأعمال

قال رئيس مجلس الإدارة في مؤسسة بحوث بنية الأسرة التركية، طارقان قادو أوغلو، إن ما يقرب مليون امرأة تركت حياتها العملية لرعاية طفل، وفقدت 122 ألف امرأة وظيفتها للاهتمام بالمسنين، كما أنه أشار إلى ضرورة إقامة نطام يتناسب مع مسؤوليات المرأة المنزلية والعائلية في سوق العمل. كما أضاف أن تنظيم عملية عمل المرأة سوف يساعد على تقوية وتنمية المجتمع وأوضح أنه في عام 2007 تركت 1.2 مليون امرأة عملها، إضافة إلى 588 ألف امرأة تركت وظيفتها في عام 2015، وكانت نسبة النساء اللاتي كان دخلهن أقل من ألف ليرة 46%.

وفي محاولة للسيطرة على وضع المرأة في الحياة العملية قال قادو أوغلو “لا يمكن القبول ببيئة عملية تخلو من وجود المرأة فيها. تخصيص حضانات للأطفال خطوة مهمة جدًا لكن علينا إيجاد نظام عملي يقدم خدمات رعاية لأطفال وأقارب النساء العاملات، وهذا الحل سيضمن عمل 500 ألف امرأة”.

هذا بالإضافة إلى رئيسة لجنة “المرأة في عالم الأعمال” ياسمين آسيك التي عرضت حلولًا لهذه المسألة قائلة “نعتقد أن الجزء الذي يجب أن تقوم به الدولة أو صندوق البطالة هو تقديم حوافز للمرأة بعد الولادة حتى تشجع المرأة على العمل لزيادة دورها في ساحة العمل”.

معدل البطالة في تركيا ارتفع بنسبة نقطة مئوية واحدة ليصل إلى 11.3% منذ شهر أيلول العام الماضي

وتعليقًا على هذه القضية يقول نور الدين أوزدمير رئيس الغرفة الصناعية في أنقرة “لا يمكن نكران أهمية دور المرأة في سوق العمل وعلينا أن ندعم وجودها بطرق فعالة، خاصة أن المرأة التركية تشكل 31.9% من القوى العاملة وهذه نسبة ضئيلة وفي حال إن أرادت تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي عليها أن ترفع هذه النسبة إلى 70%”.

ويشير أوزدمير إلى خطاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والذي يقول فيه “ينبغي على المتزوجين إنجاب 3 أطفال على الأقل حتى لا نصبح أمة مسنة، وهذه الخطوة ستفيد اقتصادنا بشكل كبير لأن الإنسان هو سر التقدم الاقتصادي وليس الإنتاج والتصنيع والتصدير فقط وعلينا التعامل مع هذا الأمر بجدية لأنه جزء من هيبة وقوة المجتمع التركي”.

وبهذا الشأن يقول أوزدمير “خلال عام 2050 ستكون نسبة كبار السن في المجتمع التركي كبيرة وسيقل عدد السكان بشكل مخيف وهذا بالطبع سيؤثر على استمرارية التقدم الحالي وهذه حقيقة يجب أن نتقبلها خاصة أنه هذه التغيرات ستشكل ضغط على اقتصاد الدولة وقطاع خدماتها وبهذا نكون قد دخلنا في حساسية كبيرة بين دور المرأة ومشاركتها في عالم الأعمال وبين مهمتها في الانجاب والتربية وهنا نحاول أن نجد نقطة توازن بين مصلحة الاقتصاد والمنفعة الاجتماعية”.

وجدير بالذكر أن معدل البطالة في تركيا ارتفع بنسبة نقطة مئوية واحدة ليصل إلى 11.3% منذ شهر أيلول العام الماضي وبحسب أقوال الخبراء الاقتصاديين فإن مشاركة المرأة في قطاع العمل سيساعد على التنمية الاقتصادية.

ليست مشكلة جديدة

izmir-is-kadinlari-derneginin-izikad-bu-yil-dorduncusunu-duzenledigi-genc-izikad-egitim-proje-lansmani-kedi-sanat-merkez-iha-20160217aw662159-1-t.jpg

صرحت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الدولية في 2012 أن نسبة نساء تركيا الموظفات 28% وهي أقل نسبة من بين دول أعضاء هذه المنظمة والتي تصل نسبة توظيف النساء فيها إلى 57.2%، بالرغم من أن الاحصائيات تشير إلى ارتفاع كبير في عدد النساء التركيات المتعلمات.

في عام 1978 قالت نرمين عبدات اونت رئيسة جمعية العلوم الاجتماعية في كتابها “المرأة في المجتمع التركي” أنه “ينبغي توسيع وتحسين الخدمات المقدمة بشأن رعاية الأطفال ما قبل مرحلة الدراسة، وهو حق أساسي للمرأة بغض النظر عن عملها في القطاع الحكومي أو الخاص، كما أنه يفضل أن يتم تخصيص مرافق لرعاية الطفل بالقرب من أماكن العمل حتى تتخلص المرأة التركية من قضية التمييز بين الجنسين”.

سبب التفاوت الكبير بين الجنسين هو أن الخيار الأول في رعاية الأطفال وكبار السن يقع على المرأة وليس الرجل. ولا ننسى أن المجتمعات لا تزال تنظر إلى عمل المرأة على أنه رفاهية وليس ضرورة

كما أن عبدات أون تعارض في كتابها الفكرة الشائعة بأن المرأة هي المسؤولة الوحيدة عن تربية الطفل والاهتمام باحتياجاته جميعها وتطالب بتوفير تسهيلات تمكن العائلة من رعاية الطفل دون التأثير على الطموح الشخصي للمرأة التركية، إضافة إلى ذكرها لضرورة إعطاء السياسات الاقتصادية الأولوية للمرأة ومراعاة وضعها إن كانت أم عاملة وأن تأخذ وضعها بعين الاعتبار حتى تصبح جزء من منظومة العمل وليس استثناء.

وفي بحث أجراه البروفيسور التركي شيمسا أوزار، في جامعة البوازيتشي، عن المرأة التركية العاملة بعد عام 1980 قال “لا تملك الحكومة التركية أو القطاع الخاص أي برنامج أو خطة للتعامل مع المشاكل التي تواجه المرأة في حياتها العملية، فليس هناك ميزانية أو نظام لفهم وضع المرأة ولهذا لا تزال المرأة التركية أكثر حرمانًا من الرجل في العمل وأجرها أقل بالوضع الطبيعي” ويضيف “يوجد هذا التفاوت الكبير بين الجنسين لأن الخيار الأول في رعاية الأطفال وكبار السن يقع على المرأة وليس الرجل. ولا ننسى أن المجتمعات لا تزال تنظر إلى عمل المرأة على أنه رفاهية وليس ضرورة”.

حقوق الأم التركية

تقدم الحكومة التركية دعم مادي للأمهات سواء العاملات أو العاطلات عن العمل بشكل شهري، إذ إن الدولة تمنح مبلغ من 300 إلى 600 ليرة عند الولادة و122 ليرة كبدل رضاعة، كما قسمت المنح المادية على عدد الأطفال، فمثًلا عند إنجاب المرأة الطفل الأول تحصل على 300 ليرة وعند ثاني طفل 400 ليرة والثالث 600 ليرة، أي 722 ليرة مضافة إليها منحة بدل الرضاعة.

كما تحصل الأمهات العاملات على إجازة أمومة قبل الولادة ب 8 أسابيع وحتى 8 أسابيع من بعد الولادة أي 16 أسبوع ويدفع لها 4099 ليرة. بجانب سماح الدولة للمرأة التي لديها طفل بأن تعمل بعدد ساعات أقل في اليوم وهو ما يسمى بالدوام الجزئي سواء كان مقسم على ساعات العمل اليومية أو أيام العمل الأسبوعية وتكون إجازة الأمومة بعد الولادة الأولى شهرين وفي الولادة الثانية 4 شهور وفي الولادات المتتالية قد تصل إلى 6 شهور، والأمهات التي تعاني أطفالهن من مشاكل صحية خطرة أو اعاقات مستدامة فيمكن أن تمتد هذه الاجازة إلى 12 شهر ومدفوعة الراتب بشكل كامل.

عدد ربات المنازل في تركيا 15 مليون امرأة وأن 91.2% منهن يكن مسؤولات عن الأعمال المنزلية بشكل كامل، ويقوم الرجل بالمشاركة في هذه المهمات بنسبة 8.8% فقط.

في عام 2016 قدمت مذكرة قانونية توجب بتقديم راتب شهري للمرأة التركية الأم والذي يصل إلى 823 ليرة وبناء على ذلك يحسب راتب الأم العاملة على هذا النحو: الراتب العادي 2500 ليرة والراتب بدوام جزئي 1250 ليرة وراتب الدولة 823 ليرة.

كما يمكن للأم العاملة أن تعمل نصف يوم، ويمكن أن تعمل 3 أيام بالأسبوع حتى تكمل 45 ساعة من العمل أسبوعيًا وذلك بالاتفاق مع مؤسسة العمل. وفي الوقت نفسه تمنح الدولة للأب والأم معًا العمل بدوام جزئي حتى دخول الأطفال إلى المدرسة.

كما نشرت صحيفة خبرترك التركية قرار مجلس البرلمان الذي يسمح لربات البيوت بالحصول على حق التقاعد كالعاملات من النساء وذلك بعدة شروط منها أن تكون بعمر 58 عام وتعمل كربة منزل لمدة تصل إلى 25 سنة، وإن قامت بتصنيع المنسوجات والمطرزات ونجحت ببيع هذه المشغولات اليدوية فإنها ستحصل على مكافأة 455 ليرة شهريًا. ويذكر أن عدد ربات المنازل في تركيا 15 مليون امرأة وأن 91.2% منهن يكن مسؤولات عن الأعمال المنزلية بشكل كامل، ويقوم الرجل بالمشاركة في هذه المهمات بنسبة 8.8% فقط.