مقالات

ما هو السر الكامن وراء انتصار الجيش العربي السوري في الغوطة الشرقية؟

 
علي الدربولي
تعتبر غوطة دمشق من أهم المناطق الغنية بالتربة والمياه في سورية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تعتبر خزانا للخضار والفواكه الذي تعتمد عليه العاصمة دمشق. توجد في القسم الشرقي منها أوابد أثرية تعود إلى العصرين الحجريين القديم والوسيط في موقع″تل الصالحية” على بعد 14 كم وتل أسود، هذا عداك عن بعض المواقع الدينية عالية المقام.
أهلها فلاحون طيبون حسنو النية كرماء، بسيطو الإيمان ثقتهم عالية بمن يتولى أمور الدين من أهل العلم، ومثل ذلك كانت ثقتهم بالأنظمة السياسية الوطنية التي مرت على البلاد، ولقد اختزلت مشاركتهم في الثورة على المستعمر الفرنسي كل تلك الخصال الوطنية.
لظروف منها ما هو موضوعي ومنها ما هو شخصي تمت سيطرة الجماعات المسلحة، بعد اندلاع الأحداث في سورية بدءا من عام 2011، على مجتمع الغوطة، ولقد كان المال العربي والأجنبي، والفكر السلفي- المذهبي المستورد ، والخطط الغربية المبيتة لسورية، أهم مقومات تحرك تلك الجماعات المسلحة الإرهابية بحسب التصنيف الدولي ومن لف لفها ضد الحكومة السورية. وكانت الخنادق والأنفاق إضافة إلى السلاح الكثير الذي مول شراءه خصوم سورية وأعداؤها من عرب وأجانب برعاية الولايات المتحدة الأميركية، بهدف إسقاط النظام السياسي وتغيير البنية الاجتماعية المجبولة بدم شهداء الثورة السورية في وجه المستعمر الفرنسي، تنفيذا لمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يخدم (إسرائيل اليهودية) بالدرجة الأولى.
*بعد ما يقترب من سبع سنوات عجاف من الزمن، مرت تؤرق سكان العاصمة بسب تعبير تلك الجماعات عن لا وطنيتهم، من خلال قصف أحياء العاصمة دمشق بالقنابل والصواريخ، حتى بلغ عدد شهدائها حوالى /15/ ألف من المواطنين الأبرياء. قررت الحكومة السورية توجيه الضربة القاضية لمصدر هذا الخطر الذي يهدد العاصمة من الغوطة، وفي غضون أقل من شهر نجح الجيش العربي السوري وحلفاؤه بدعم روسي قوي على مستويي القتال والتسويات، في استعادة ما يقارب التسعين في المائة من مساحة الغوطة وتنفيذ برنامج من بندين: الأول تأمين المواطنين النازحين من مناطق التوتر، في مراكز إيواء مناسبة، وقد بلغ عددهم مائة ألف أو أكثر خلال أيام قليلة، والثاني نزع سلاح من يسلم نفسه من المسلحين وترحيله إلى منطقة إدلب، وقتال من يعاند منهم، وقد كانوا قلة، حتى الاستسلام. قدر عدد المسلحن بعشرات الآلاف من إرهابيين وغير ذلك، يرحل منهم من لا يقبل التسوية مع الحكومة على دفعات الآن باتجاه إدلب …
*ما هو سر الانتصار ؟
عول أعداء سورية على مسلحي الغوطة بشكل رئيس، في إسقاط النظام السياسي في سورية، ولقد كانت لهم محاولات فاشلة لاقتحام دمشق…وبرسالة تأييد وشد أزر قوية للمسلحين، أعلنت أميركا أنها على استعداد لقصف دمشق بالصواريخ إذا لم يوقف الجيش العربي السوري هجماته الناجحة عليهم؟! وأقل من ذلك كان استمرار أميركا في اعتبار خطر الإرهابيين من الغوطة على دمشق، يشكل ورقة أمنية ضاغطة على الحكومة السورية وحلفائها، وإنه دون إبطال مفعولها ستكون الحرب الكبرى، وذلك على مستوى أي مسار من مسارات الحل السياسي، في جنيف أو غيرها، لصالح تأمين مصالحها ومصالح خاصة حلفائها(إسرائيل) الرئيسة، ورمي الفتات منها لمن ادعى الثورة من السوريين ممن استغل الدين وغيره لبذر بذور الفتنة القاتلة بين صفوف المجتمع العربي السوري. فشل المخطط، حينما حزم أمره الجيش وقام بما قام به في الغوطة حتى الآن وهو يستمر منتصرا ، ومحققا أمن أهم خاصرة في سورية ، أمن عاصمتها… فهل من سر وراء ذلك؟:
أهم ورقتين بات يملكهما أعداء سورية ضدها، بعد استعادة مدينة “حلب” إلى كنف السلطة، كانتا بالترتيب ” غوطة دمشق” وقد أضحت بحكم المستعادة، و”الجنوب السوري” بحدوده مع “الأردن” والأرض المحتلة. من هنا أرى أن ما يلي يقف وراء عدم إقدام أعداء سورية على إنقاذ ورقة الغوطة المهمة التي كانت بيدهم، برغم اقترابهم من إعلان ما يشبه الحرب الكونية لأجلها:
-إسقاط الدفاعات الصاروخية السورية الطائرة الأميركية-الإسرائيلية في سماء الأرض المحتلة في فلسطين، بينما كانت الطائرات الإسرائيلية توجه صواريخها إلى موقع عسكري سوري .
-التهديد العسكري المنسق وغير الملتبس والذي لا يقبل التأويل، وغير المسبوق في العلاقات بين الغرب والشرق ، التهديد الذي أشهره الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في وجه أميركا، قبل الانتخابات الرئاسية في روسيا بوقت قصير، وذلك في معرض الرد على ما تسرب في حينه على أن أميركا وحلفائها الغربيين يعدون العدة لضرب دمشق العاصمة، بذرائع كاذبة كما فعلوا في العراق، ما اعتبرته روسيا الاتحادية أنه يشكل تهديدا فعليا، لأمن جنودها في سورية، أو أحد من حلفاء روسيا الاتحادية، وكان المقصود دون شك سورية، بحكم كونها بيت القصيد ومكان الحرب الدولية بالواسطة.كي يتضح عندما يبلغ التهديد والتهديد المضاد مداه، بأن الحرب ستنتقل من كونها كذلك إلى أن تكون مباشرة بين القوى الدولية الكبرى وعلى رأسها روسيا الاتحادية من جهة وأميركا من جهة أخرى؟!
-حشد الجيش العربي السوري والقوات الرديفة بتغطية روسية فاعلة، إمكانات عسكرية فاعلة لخوض أصعب المعارك في الغوطة، أخذا بعين الاعتبار أخطر الاحتمالات، ثم من حيث كونها معارك تحت الأرض وفوق الأرض، إضافة إلى وجود شبكة من الأنفاق تغطي معظم تحت أرض الغوطة، وهي موصولة ببعضها، وتؤمن حماية خاصة للمسلحين، وعدم الإصغاء إلى لغة التهديدات بأي لغة أطلقت؟!
-التنسيق الموازي بين العمل العسكري ومساعي المصالحات النشطة في كل المناطق التي دخلها الجيش، فكان الانتصار وكانت التسويات المعبرة عن النصر.
تنحي (إسرائيل)
القارئ السياسي الحصيف الذي يلتقط الإشارات العسكرية-السياسية ويترجمها بحسب اتجاه ريحها المحتملة، يدرك أن كل من روسيا وأميركا حريصتان على عدم التصعيد، ولكليهما معطياته…فعليه نعتبر أن بعض التنحي الملموس لأعداء سورية من العرب، والمعبر عنه تخفيض مستوى منسوب عصبيتهم السياسية ضد سورية، ومحاذرته الانخراط المباشر في الحرب عليها، خاصة في الآونة الأخيرة، وكأنما هم أحكموا إقفال الباب على حلفائهم من المجموعات المسلحة الإرهابية، ثم قاموا (برمي المفتاح بالبحر)، وذلك بعد نجاح الجيش العربي السوري ومعه حلف المقاومة في اجتياز أي خطوط حمر توهمها قوية في وجه تقدمهم على طريق النصر الكامل، أولئك الأعداء…
لم يبق في الميدان سوى(حديدان) أي (إسرائيل) كما يقول المثل الشعبي. (إسرائيل) التي لم تنفك حتى تاريخ إسقاط طائرتها(المحصنة) فوق رؤوس سكانها، تقوم بغارات جوية على مواقع عسكرية سورية وغير ذلك، وفي الغالب كانت في كل مرة (تسلم الجرة ) من وجهة نظرها، حتى اتٌّخذ القرار الواسع بملاحقة الطائرات الإسرائيلية فور انطلاقها من مطاراتها بمهمة عدوانية على سورية، وما ذلك إلا إبطالا لحيلة مكشوفة تقول بأن (إسرائيل) لا تخترق الأجواء السورية، أي أن عدوانها كي يكون موصوفا وملزما لها يحتاج إلى اكتمال أركانه ومن أهمها اختراق طائراتها المجال الجوي السوري، كما كان يحصل عادة. إذن هي سياسة الثعالب التي سقطت بسقوط الطائرة، والتي فهم من حدثها أن روسيا الاتحادية حريصة على الأمن القومي السوري بنفس درجة حرصها على الأمن القومي الروسي، للتلازم بين الأمنين، الأمر الذي حاولت أميركا، ومعها (إسرائيل) تجاهل مغزاه، حتى أطلق الرئيس الروسي “بوتين” تهديداته (الدفاعية) فوصلت الرسالة، لا بل الرسائل، فكانت بداية معركة الغوطة التي رتب لها حلف الماقومة وروسيا الاتحادية، واستنفروا جميعا كافة قواهم دفعا لأي احتمال يقول بأن أميركا أو (إسرائيل) أو الإثنتين معا، ستقومان بأعمال حربية واسعة بهدف حماية المجموعات الإرهابية المسلحة، ومعها الخبراء العسكريين من جنسيات مختلفة، والذين كانوا يشرفون على التخطيط والتهديد والتنفيذ على مدار ست سنوات، أملا بالتخلص من النظام السياسي في سورية ورئيسها.